صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

الحياة عبارة عن صندوق مهما اختلف شكله الهندسي , فالثلاجة عبارة عن صندوق , والتلفاز صندوق , الحاسوب صندوق , جهاز التكييف صندوق , السيارة صندوق , الطيارة صندوق , حتى الغرف تبنى على شكل صندوق , وكذلك البيوت , وهكذا . 
اخيرا , يحمل الانسان بداخل صندوق ( تابوت ) , على اكتاف محتويات صناديق المستقبل , ثم يربط على ظهر صندوق ( سيارة ) , فتحفر له حفيرة في الارض , على شكل صندوق , وبداخلها حفيرة اكثر ضيقا ( لحد ) , هي الاخرى على شكل صندوق ايضا , فيحشر فيها حشرا , ثم يهال عليه التراب , ويمضي الاخرون ( الاهل والاصدقاء ) , معتقدين بل يظنون انه سيرقد بسلام ! . 
تقصد تلك النملة جحر النمل مسرعة , تبلغ من فيه , بأنهم تركوا عزيزا لهم هناك , فيهب النمل لحمل العدة , الفؤوس والسيوف والسكاكين وكافة انواع السلاح , ويهرعون للمكان , ويصرصر صرصور ليرشد اقرانه الى مكان الجثة , فيهرعون بما لديهم من العدد والعدة .
تتجمع جيوش الديدان والحشرات , حول ذلك المكان , تنظم صفوفها , وتضع الخطط  , ثم تشن الهجوم , تمزق الاكفان , وتغرس الحراب في ذلك اللحم الطري , وتبدأ عمليات النهش والقص , العض والاكل , التقطيع  والتشنيع , الحمل والنقل الى مخازن الاوكار والجحور , واذا بالميت ينظر مرعوبا , لا يقوى على دفع حشرة , بعد ان كان يدعسها برجله , او يداعبها بحركات مسلية , عندما كان حيا طبعا , واذا به ينظر الى ذلك الجسد الذي طالما ابعد عنه الضيم , وحافظ على توازنه بما يليق بمقامه ومنزلته في المجتمع , اذا به غدا وليمة للديدان , فيمعن النظر اكثر واكثر , فأذا بعينيه واذنيه وخديه وباقي اعضاء جسده , اصبحت وليمة مجانية للحشرات الغريبة , الموحشة المخيفة , ثم ينظر الى ذلك الانف , الذي كان رمزا للكبرياء , رمزا للاباء , فأذا بالديدان عليه تقتتل , وهكذا باقي الجسد ! . 
بفرح وسرور , تلتهم جيوش الديدان طعامها وتقول ( بارك الله فيك .. كنت لنا خير الطعام ... فأكلنا كل ما فيك ... ولم يبق منك سوى العظام ) . 
تتسلق احدى الديدان هامة الرجل , وتنفخ في البوق , يتوقف الجميع عن الاكل , تتجه الانظار الى فوق , فأذا بالنداء ( لقد جلبوا صندوقا جديد ( تابوت ) , يرومون تفريغ محتواه غير بعيد , لحما طري , طازجا , لكم الاحداثيات ( جنوب – شمال – شرق – غرب ) , اما هذا فلم يبق منه سوى العظام , اتركوه وهلموا بنا ) ,  تركوه ومضوا  نحو الوافد الجديد , فكمن لهم الخطر , من اعداء كثر , لقد سمنت الحشرات والديدان , فترهلت , وأبطأت حركتها .     
  
يقترب عندئذ العقرب , لعله يظفر بما يشاء ويرغب , ويسيل لعاب الافاعي , كذئاب تنتظر الفتك باغنام المراعي , على حين غـرة من الراعي , فتلتقي الجموع , ويتعالى الصراخ , بعضا يموت ,  وبعضا يصاب . 
يرى الميت ان جسمه اصبح مرعى للديدان , فسرحت ومرحت فيه , كما تسرح الماشية في المروج الخضراء , ثم تحول بعد الرعي الى ساحة قتال , بين الحشرات والديدان , ثم بينها وبين من يقتات عليها ! .  
 
باتوا على قللِ الجبال تحرسُهم ... غُـلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ 
 
و استنزلوا بعد عزّ من معاقلهم ... وأودعوا حفراً يـابئس ما نزلوا 
 
ناداهمُ صارخٌ من بعد ما قبروا ... أين الاسرّةُ و التيجانُ و الحللُ 
 
أيـن الوجوه التي كانتْ منعمةً ... من دونها تُضربُ الأستارُ والكللُ 
 
(( فـافـصـحَ القبرُ حين ساءلهم ... تـلك الوجوه عليها الدودُ يقتتلُ 
 
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا ... فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا )) 
 
و طالما عمّروا دوراً لتُحصنهم ... ففارقوا الدورَ و الأهلينَ وارتحلوا 
 
و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا ... فـخلّفوها على الأعداء و انتقلوا 
 
أضـحـت منازلُهم قفراً معطلةً ... و ساكنوها الى الاجداث قد رحلوا 
 
سـل الـخـليفةَ إذ وافت منيتهُ ... أين الحماة و أين الخيلُ و الخولُ 
 
ايـن الرماة ُ أما تُحمى بأسهمِهمْ ... لـمّـا أتـتك سهامُ الموتِ تنتقلُ 
 
أين الكماةُ أما حاموا أما اغتضبوا ... أين الجيوش التي تُحمى بهاالدولُ 
 
هيهات ما نفعوا شيئاً و ما دفعوا ... عـنك المنية إن وافى بها الأجلُ 
 
فكيف يرجو دوامَ العيش متصلاً ... من روحه بجبالِ الموتِ تتصلُ 
 
( الامام الهادي ((ع)) ) 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/10/18



كتابة تعليق لموضوع : التابوت
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net