صفحة الكاتب : محمد الحمّار

المُفكر العربي التونسي نائم، فلِمَ إسقاط الفشل على الحاكم؟
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إنّ تونس أكثر البلدان العربية والإسلامية توغلا في "الحداثة". وهي حداثة متوحشة أفرزها العقل التونسي ولم تُكتسب بالمال مثلما هو الحال عند إخواننا في الخليج العربي. وهنا تكمن المشكلة: لمّا يكون العقل متورطا في مثل هذا الزيغ العقدي فاللوم على الفكر التونسي الحداثوي الذي قاد العقل المجتمعي إلى اللافكر،لا على النظام السياسي.
إنّ جهاز الحكم في تونس من أرقى ما هو موجود في عالمنا العربي من حيث التشريع، لكنه بقي حبرا على ورق في جوانب حساسة منه لأنّ التربة الفكرية الوطنية، والعربية التي ننتمي إليها، لم تنتج فكرا يؤمن بتقديم العقل المعنوي على العقل المادي (أو على الأقل بإرساء التعادل بينهما) لكي يكون مسيّرا لهذا الأخير وضابطا له ومعدّلا له تحسبا للأزمات مثل التي يعيشها المجتمع التونسي اليوم. فما دخل النظام الحاكم التونسي، أو في أي بلد عربي آخر، في أزمة ذات العمق الإيديولوجي إن كانت هذه الأنظمة وليدة اللافكر من أساسها؟
إنّ اللوم، كل اللوم، على المثقف التونسي، والعربي، من المعلّم إلى الفيلسوف،لأنه تشفى وما زال يتشفى من أنظمة الحكم العربية بينما لا يعيد النظر في مرجعياته الفكرية، صانعا من شخصية الحاكم شماعة الشماعات لتبرير ضحالة هذه المرجعيات وإفلاس تفكيره وفشل مبرراته.
والعقل العربي لم يُخلق مفلسا إنما أفلس لمّا أذعن للفكر العالمي المهيمن عقديا قبل أن يكون مهيمنا سياسيا وعسكريا، وهو فكر إنساني في تكوينه الاجتماعي إلاّ أنه ليبرالي متوحش في تكوينه الاقتصادي، و مادي ونفعي في تكوينه السياسي. 
وإذعان المثقف العربي المسلم عموما لهذا الفكر ليس مرده إرادة أصحاب الفكر الكوني الهيمنة (بواسطة العولمة بالخصوص) بقدر ما هو طفولة عقل المثقف الأهلي والقومي والإسلامي. وتتراوح درجات الطفولة لديه من درجة اللامبالاة إلى درجة الاعتداد إما بالحداثة المتوحشة أم بـ"الدمغجة" والهرطقة باسم الإسلام، مرورا بالاحتباس التواصلي وفي كل الحالات.
 وأكبر دليل على الاحتباس التواصلي، العلة الأولى التي تنخر كيان المجتمع العريض، أنه حتى في حال الافتراض جدلا أن المثقف العربي المسلم لم يذعن عقديا ولا أخلاقيا ولا في كل الأبعاد للفكر العالمي المهيمن فإنه لم يكن أبدا قادرا على تبليغ ما يريد كبديل إنساني و دنيوي و ميداني و حسي عن العقيدة العالمية. وهنا يكمن الخطر الأكبر.
فهل نسيت نخبنا المثقفة أننا، بالمعيار اللغوي على الأقل، في غالبيتنا عرب، وأنّ العرب لم يولدوا ليُفكروا بالمنهاج الذي لقوه جاهزا عند ميلادهم، بدليل نزول القرآن عليهم وتبديله لأحوالهم؟
فلنترك إذن النظام التونسي والعربي في حال سبيله ولتستيقظ عقول المثقفين النائمين، المتشدقين بعقليتهم التابعة، الملتذين بمصائب المستضعفين وبزعم مناصرتهم، والمعتاشين من سذاجة الشعب المؤمن، والماضين قُدُما في بناء فصور الدهشة واكتناز الذهب والفضة، لكي يخاطبوا المجتمع المدني مباشرة ويتحملوا مسئولياتهم كاملة أمامه؛ تلك هي حلبة الصراع الحقيقية. 
أخيرا وليس آخرا، لكأني بزعماء الرأي القائل بتخلي الحكام العرب عن مناصبهم يقعون في نفس الفخ الذي يزعمون مقاومته: شخصنة الحكم وعبادة الشخصية. وإلاّ كيف يفسرون تأكيدهم على صحة مثل هذا الحل (على حساب الحل المجتمعي) والحال أنه حلّ مصبوغ بطلاء المشكلة؟ 
محمد الحمّار
"الاجتهاد الثالث": الكلام إسلام.
* أدبيات (للكاتب) ذات صلة بالموضوع:
-  " نحن نعيش خارج التاريخ بسبب الاحتباس التواصلي والحل هو الاجتهاد الدائري"؛ نشر على موقع "كتاب من أجل الحرية" بتاريخ 1-4-2010
- "الإسلام والديمقراطية: نظرة الحاكم إلى المحكوم هي القضية"/" مقاومة التخلف المنهجي تكرّس التمكين الديمقراطي في المجتمع العربي"؛ المرجع السابق  بتاريخ 17-5-2010
- "سيكبر المجتمع باستحقاق السلطة لا بالانشقاق عنها"
- "ليس بمناهضة الحكام ستتحرر الثقافة العربية من احتواء السياسة لها"
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/05



كتابة تعليق لموضوع : المُفكر العربي التونسي نائم، فلِمَ إسقاط الفشل على الحاكم؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net