صفحة الكاتب : محمد جواد سنبه

انْتِخَابَاتُنَا فَنَاءْ ... وَ انْتِخَابَاتُهُمْ بِنَاءْ.
محمد جواد سنبه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في السّابع مِنْ شهر ت2 2012، أعاد الشّعب الأمريكي، انتخاب الرئيس الرابع والأربعين، باراك أوباما، رئيساً له من الحزّب الدّيمقراطي، لدورة انتخابيّة ثانية. مقابل ذلك خسر في هذه الانتخابات، مرشّح الحزّب الجمهوري، ميت رومني. إنّ الفوّز والخسارة، في مفهوم الحزبيّن الدّيمقراطي والجمهوري، تختلف في الرؤية، عن مفاهيمنا الشرق أوسطيّة عموماً، والعراقيّة خصوصاً لتلك النتائج.
ففي نظر الأمريكان النّجاح يعني، تحقيق مكاسب لمَسها، وأحسّ بها النّاخب الأمريكي. بمعنى أنّ المسؤول قد نجح، بتحقيق وعوده التي قطعها على نفّسه أمام ناخبيه، إذا كان في موقع المسؤوليّة. أو أنّه نجح باقناع ناخبيه، بالمشروع الذي طرحه عليهم، وهو يسعى للوصول إلى سدّة المسؤوليّة. والعكس صحيح في حال الخسارة. وفي كلتا الحالتين، تنهمك مراكز البحوث والدّراسات المختصّة، لتقيّيم النّجاح والبحث والاستقصاء لمعرفة أسبابه، والعمل على زيادة عوامله. مثلما يتمّ تقيّيم الفشل، والبحث والاستقصاء لمعرفة أسبابه، ووضع الحلول لتفادي خسائره. كلّ ذلك من أجل تعزيز مقوّمات النّجاح، ووضع البدائل لتقويم نقاط الضعف التي أدّت إلى الفشل.
في الولايات المتّحدة يوظّف كلّ طرف من المتنافسين، أكفأ الخبراء والمختصّين، في مجال الإعلام والدّعاية، وعلم النّفس والاقتصاد والسّياسة. كفريق مهمّته، توجيه المُرشح الذي يعملون معه، إلى السبل الكفيلة لتحقيق النجاح. فيصوغون له الكلمات والخطابات، والعبارات والشعارات المؤثرة في الجّمهور. وكذلك يراقب هذا الفريق، بكلّ دقّة، حركات وإشارات وكلمات، الطّرف الآخر المنافس. فنلاحظ الزّيارة التي قام بها، الرئيس أوباما للمناطق التي ضربها إعصار ساندي، واصطحابه (لكلبه المدلّل) إلى منصّة الخطابة، ما هي إلاّ رسائل موجهة لجمهور الناخبين، تشير إلى الحسّ الإنساني والاجتماعي الذي يتميزّ به الرئيس أوباما. في حين ميت رومني، لمْ يزر المناطق المنكوبة، وقام بحبس (كلبه المدلّل) في قفص داخل شاحنة، قبل أنْ يتوجه إلى منصّة الخطابة، الأمر الذي جعله يبدو متعجرفاً في نظر الجمهور.             
في 20 ك2 2009، ألقى أوباما خطاب الفوّز (بالرئاسة الأولى)، على الجّمهور الأمريكي، وقال أنّه يقود حملة (التغيير والأمل). وأكّد أمام الجماهير، أنّه يسعى لتحقيق النّقاط التّالية:
1.    الخروج من آثار الأزمة الماليّة، التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي عام 2008.
2.    إعادة الجنود الأمريكان، من العراق وافغانستان إلى الوطن.
3.    انعاش الطبقة الفقيرة والمتوسطة، عن طريق توسيع خدمات التعليم والتأمين الصّحي. وفسح المجال أمام أكبر عدد ممكن من الطّلاب، لاكمال دراستهم الجامعيّة، من خلال ضغط رسوم الدراسة.
4.    التقليل من نسبة البطالة، وانعاش صناعة السيّارات الأمريكيّة.
5.    الحدّ من نشاط إيران في مجال التكنولوجيا النوويّة.
6.    الحرب على الإرهاب، وحماية الأمن القومي الأمريكي.
7.    التقليل من الاعتماد على النفط المستورد من خارج أمريكا، ومحاولة انعاش صناعات الطّاقة البديلة، الصديقة للبيئة.
8.    تأكيد التحالف المصيري بيّن أمريكا واسرائيل.
9.    التخلي عن سياسة العصى الغليضة، واعتماد اسلوب السياسة الناعمة، مع استعمال القوّة عند الضرورة.
 وبشكل عام، إنْ لمْ يستطع أوباما تحقيق وعوده كلّها، إلاّ أنّه بالتأكيد، استطاع تحقيق أكثرها. وما تبقى منها، استطاع أنْ يحقق فيها نتائج جزئيّة (كفرض الحصار على إيران). ونتيجة لذلك حاز على ثقة النّاخبين، وفاز بدورة رئاسيّة ثانية بكلّ جدارة.
بيّنما في العراق، لا يمتلك العاملون في السّياسة، مثل هذه الرؤيّة المنهجيّة العلميّة، في التّعامل مع معطيات الواقع. فالجميع يتذكّر أنّ بعضّ الجهات السّياسيّة، ذات التّوجهات الإسلاميّة، تراجعت في كسّب أصوات الناخبين، في انتخابات مجالس المحافظات عام 2009. ومع هذا الفشل، ظلّت هذه الجهات تتّبع نفس إسلوبها القديم، في التّواصل مع الجماهير، (محاضرات وخطب دينية، إقامة صلوات العيدين، الدّعوة إلى موائد الإفطار في شهر رمضان، إقامة المسابقات القرآنية، وحفلات الزفاف الجماعيّة، وحفلات الختان الجماعيّة، واستعراضات تلفزيونيّة بمساعدة العوائل الفقيرة). أمّا المحاولة على مستوى تغيير الخطاب السّياسي، والبحث عن معالجات، للتخفيف عن مشاكل ومعاناة المواطنين، أو تحسين الأداء الوظيفي، للمسؤولين الذين ينتمون لهذه الجهات السّياسيّة، فتلك غاية ظلّت بعيدة المنال.
ولأنّ بعض السّياسيين العراقيين، الذين لا يقلّون سذاجة عن الكثير من المواطنين العراقيين المتخلفين. نرى البرامج السّياسية لهذا البعضّ، اتّجهت صوّب السيّر مع عواطف الجمهور، لا مع مصالح الجمهور. فلاحظنا السّياسي الشّيعي (تحديداً)، يكثر من زياراته للمرجعيّات الدّينية في النجف الأشرف. أو يَظهَرُ في المناسبات الدّينية في النجف وكربلاء، ويلزم نفسه بإلقاء خطبة هناك (لإثبات الوجود). والجّمهور البليد، يهتف بأعلى الأصوات، (ماكو ولي إلاّ علي ونريد قائد جعفري ... علي وياك علي). ولا أدري ما الضامن بأنّ القائد الجعفري، سيكون أميناً على واجبه ومسؤوليّته ؟. ولا أدري ما سرّ التلازم، بين الإمام أميّر المؤمنين، علي بن أبي طالب(ع)، والمسؤول ؟. فمن يدري، ربّما ذلك السّياسي كان مرائياً ويريد خداع الناس، باستغلال عواطفهم، أليسَ ذلك ممكناً ؟.   
بالنتيّجة كانت خيّبة أمل تلك الجماهير عظيمة، عندما اكتشفت، أنّ الشروط التي افترضتها بالمُرشح، (الذي هتفت له بأعلى الأصوات)، قد تبيّن لها، أنّه غير كفوء، وغير مخلص، وفاسد أيضاً. وأوّل خدعة انطلت على هذا المواطن البائس، تطبيق نظام القوائم المغلقة، في الانتخابات ولدورتيّن متتاليتيّن.
بالمقابل وعلى نفس النّمط الساذج، ارتمى السّياسي السنّي، في أحضان السعوديّة و قطر وتنظيم القاعدة، ليثبت لجماهيره التزامه بضمان مصالح سنّة العراق. وكأنّما السعوديّة و قطر وتنظيم القاعدة، هي صاحبة التمثيل والقيمومة الشرعيّة على سنّة العراق، وهذا ما يتنافى مع الواقع أصلاً. ولمْ يكنْ السّياسي العلماني، أوفر حظاً من أقرانه السّياسيين الآخرين، فاستأثر بموجات المدّ المالي العابر للقارات، ولم يقدّم لناخبيه غير الوعود المعسولة، التي خيبت آمالهم أيضاً.
جرّاء هذا الشدّ الطائفي والقوّمي والمناطقي، تنازل الكثير من العراقيّين، عن هويتهم الوطنيّة. وتمّ تغليب الهويّات الفرعيّة، على حساب الهويّة الوطنيّة. وأصبح العراقيّون جرّاء هذا المنهج الخاطئ، مكوّنات منقسمة، داخل بنيّة الشّعب العراقي. بعدما كانت مكوّنات، تكوّن في مجموعها بنيّة الشّعب العراقي. أنا أعتقد، أنّ دورة الفشل هذه ستبقى تكرّر نفسها مستقبلاً، ما لمْ يتمّ كسرها مِنْ قبل نَفس الجماهير، بعد أنْ وعت الحقيقة. وأنْ تتصدّي، نُخَبٌ وطنيّةٌ ناضجةٌ، لمهمّة انتشال الشّعب العراقي، من محنته الكارثيّة التي يتخبّط بها.
فهلّ قدّم أوباما لناخبيه، البطّانيات والمدافئ النّفطيّة ؟. وهلّ ذهب أوباما، إلى تجمّعات الحواسم والمتجاوزين على المال العامّ، ووعدهم بتمليكهم لما سرقوه من أموال الشّعب، إذا ما صوّتوا له، ليكرّس بذلك ثقافة الفوضى، والتمرّد على القانون ؟.
أوباما، الذي وفد والده (حسين أوباما) إلى أمريكا من قريّة (كوبلو الكينيّة)، قدّم المثل الرائع في الإخلاص لوطنه، والوفاء لشعبه. رغم أنّ أوباما لا يتجاوز انتماؤه لأمريكا، أكثر من نصف قرن من الزمن.
كما أنّ هناك حالة أخرى اتّسمت بها انتخاباتنا، هي التّشكيك في نتائج الانتخابات، سواءً من قِبَلِ الفائزين أو الخاسرين أيضاً. وكذلك تَتّسم انتخاباتنا، بصفة التّشكيك والتّخوين المتبادل، بيّن الفائزين والخاسرين، فكلّ يتّهم الطرف الآخر، بسرقة أصوات ناخبيه. وأكثر من ذلك، الطّعن في قرارات القضاء، الذي يصادق على النتائج الختاميّة للانتخابات. بيّنما لم يجرؤ ميت رومني إطلاقاً، على توجيه أيّ شبهة على نتائج الانتخابات. وبادر أوباما من شيكاغو، بشكر منافسه لخوّضه الانتخابات ضدّه. ووعد بأنّه سيطلب من رومني، المشاركة معه في العمل مستقبلاً. وبدوره هنّأ رومني أوباما أمام ناخبيه في بوسطن، بمناسبة فوزه.   
نعمْ، هكذا انتخاباتُنا تدمير وتشرذم وفناء، وانتخاباتُهم نموّ وازدهار وبناء. إنّ في نجاح الرئيس أوباما، في انتخابات عام 2012، عبرة لأولي الألباب.... فهل من معتبر؟.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جواد سنبه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/11/10



كتابة تعليق لموضوع : انْتِخَابَاتُنَا فَنَاءْ ... وَ انْتِخَابَاتُهُمْ بِنَاءْ.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net