صفحة الكاتب : موقع العتبة الحسينية المطهرة

رأس الإمام الحسين والمصير المختلَف عليه
موقع العتبة الحسينية المطهرة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعددت الروايات وتداخلت إلى حد كبير في مصير رأس الحسين ÷ بعد أن أنهى يزيد مراسم الاحتفال لدى استقباله الرأس برفقة السبايا في عاصمة خلافته. وبعد استقصاء شبه كامل لما ورد بشأن الموضوع تراكم لدينا كم من الروايات والآراء والأقوال والأقاويل كما تعددت الأسماء والرواة والأماكن التي لها مسيس علاقة برأس الحسين ÷ وطريقة دفنه وموضعه وما جرى عليه قبل دفنه وبعده.

إضافة إلى ذلك فإن اسماء الخلفاء والأمراء والرواة تكاثرت هي الأخرى حتى صار من الصعوبة إلى حد ما أن تفرز الأخبار والروايات بشكل كامل، إلا أن ذلك لا يعني عدم إمكان تنسيقها وترتيبها ليتحصل منها وضوح الاحتمالات المطروحة في المسألة ليتنسى للقارئ تصورٌ بدرجة من الوضوح كمحصلة نهائية يقف معها على كل الاحتمالات وما ورد فيها من ترجيح من خلال عرض نقاط الضعف والقوة – تاريخيا – لكل احتمال وارد في هذه القضية التي يشوبها الغموض ويحفها الإبهام، مما يثير تساؤلاً مشروعاً عن الاسباب الكامنة والأسرار الخفية التي جعلت راساً كرأس الحسين ÷ غير معلوم مدفنه وأن مصيره شبه مجهول. ولذلك سوف نسير في الروايات سيراً وئيداً ومتأنيّاً مع الحرص على إظهار التقارب منها في موضع واحد، دونما إغفال لتعليقات الرواة والعلماء والكتاب في تقييم الروايات وترجيح الآراء أن وجد.

الشام:دمشق

أول احتمال يواجهنا كمثوى لرأس الحسين ÷ هو الشام، ونؤجل ذكر المدن الأخر في الشام لنركز على ما ورد بخصوص (دمشق) عاصمة الخلافة ومقر الخليفة الذي قتل الحسين بأمر منه، وجُلب إليه رأسه ورؤوس جميع من استشهد معه في كربلاء بصحبة قافلة كبيرة من الأسارى تضم عدداً من النساء والأطفال بوجود علي بن الحسين السجاد÷، وحيث تقدم ما جرى للرأس مفصّلاً في الشام وفي دمشق على وجه التحديد، نعمد إلى ذكر الروايات والأخبار التي تؤكد أن رأس الحسين ÷ ختم رحلته الطويلة واستقر في دمشق على أقوال مختلفة وأماكن متعددة تتمثل بالآتي:

1. إنه دفن في عهد يزيد بن معاوية: وقبل ذكر الروايات ننوّه إلى أن هذا الاحتمال لم يذكر في كثير من الكتب المعتبرة المختصة بحوادث التاريخ وتوثيق المعلومات وإنما ذكر بشكل استطرادي مع تحفظ ظاهر في عبارات من أوردوه في كتبهم، بل أن أكثر عباراتهم توحي بتوهين الاحتمال وتضعيفه. قال ابن حبان في كتابه الثقاة:ومنهم من زعم أن رأسه بقبر معاوية، وذلك أن يزيد دفن رأسه في قبر أبيه، وقال أحصّنه بعد الممات. وكرر أبن حبان العبارة نفسها في كتابه (مشاهير علماء الأمصار) إلا أنه زاد في العبارة لفظ (به) فجاءت عبارته على الوجه التالي:

(وذلك ان يزيد دفن رأسه في قبر ابيه وقال: أحصّنه بعد الممات به)، وإن كانت العبارة غير واضحة بشكل كامل، إلا أن الظاهر أنه يريد تحصين قبر أبيه برأس الحسين لا العكس، وكما هو واضح فإن ابن حبان يوهن هذا القول ويلقي به في سلة المزاعم في كلا كتابيه. وممن أشار الى هذا الاحتمال ايضاً النويري في موسوعته الادبية التاريخية نهاية الأرب في فنون الأدب والسياق الذي أدرج النويري به الخبر يدل هو الآخر على وهنه وضعفه حيث قال: وقيل أن يزيد دفنه في قبر ابيه معاوية، ومنه من قال في مقابر المسلمين. وفي أنساب الاشراف: ودفن رأس الحسين في حائط بدمشق إما حائط القصر واما غيره، وقال قوم: دفن في القصر حُفر له وأعمق.

2. أنه دفن بعد هلاك يزيد: وفي هذا الاحتمال وردت روايات كثيرة ومتشعبة ومع ان هذه الاخبار تختلف وتتشعب في المكان والكيفية ومن قام بدفن الرأس الشريف إلا أنها تتفق على بقائه إلى ما بعد هلاك يزيد بن معاوية، ويمكن أن نتابع مجمل التفرّعات والاحتمالات في داخل هذا الرأي على الوجه التالي: أ‌- باب الفراديس: وهو أحد الأقوال التي تؤكد أن رأس الحسين عليه السلام دفن في دمشق بعد موت يزيد بن معاوية و يروي ابن كثير في تاريخ البداية والنهاية: عن أبن ابي الدنيا عن طريق عثمان بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمرو بن صالح – وهما ضعيفان- أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي فأخذ عن خزانته فكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق ويؤكد ابن كثير هذه الرواية بقوله: قلت: ويعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم داخل باب الفراديس الثاني. ويشير ابن الدمشقي الى نفس الرواية في جوهر المطالب باختصار نقلاً عن أبن ابي الدنيا، ويقول: وذكر ابن أبي الدنيا أن الراس (الشريف) لم يزل في خزانته حتى هلك فأخذ ثم غسل وكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق، والله العالم. وضمن مجموعة المزاعم التي يسوقها ابن حبان في كتابيه الثقاة ومشاهير علماء الأمصار يذكر باب الفراديس كمثوى لرأس الحسين عليه السلام ولكنه يحدد أسطوانة من أسطوانات جامع دمشق إذ يقول: وحمل الرأس إلى الشام واختلف في موضع رأسه، فمنهم من زعم أن رأسه في البرج الثالث من السور على باب الفراديس بدمشق، ومنهم من زعم أن رأسه على عمود في مسجد جامع دمشق عن يمين القبة الخضراء، وقد رأيت ذلك العمود.

ونقل النويري هذا الاحتمال عن الاسترباذي في كتابه الداعي إلى وداع الدنيا: عن أبي سعيد الزاهد أنه قال: قبر الحسين بكربلاء ورأسه بالشام في مسجد دمشق على رأس أسطوانة، وقال غيره على عمودين يمين القبلة. ويشير إلى هذا الموطن ياقوت الحموي في معجم البلدان ولكن بشكل مقتضب جداً ويقول:(وفي باب الفراديس مشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما وإن كانت كلمة المشهد لا تعني بالضرورة وجود الرأس، فقد يقام المشهد على الموضع أيضاً. وقد أرود المؤرخون بالإجماع قصة تاريخية على أن وجود رأس الحسين عليه السلام في باب الفراديس أمر شائع والقصة تتعلق بمقتل الكامل صاحب ميافارقين محمد بن غازي بن محمد بن أيوب، حينما قتل على يد التتار وقد طيف براسه في البلدان ثم دفن في دمشق وفي باب الفراديس تحديداً، وقد استغل الشعراء هذا (الاتفاق) المتقارب لرأس الحسين وهذا الأمير لينظموا ذلك بقصائدهم الرثائية مظهرين لهذا التوافق وآملين أن يكون الأمير مع الحسين (عليه السلام) وهذا نص الخبر كما أورده الصفدي في الوافي بالوفيات: (الكامل صاحب ميافارقين محمد بن غازي بن محمد بن أيوب... استشهد بأيدي التتار بعد أخذ ميافارقين وقطع رأسه وطيف به في البلاد بالمغاني والطبول، ثم علق بسور باب الفراديس سنة ثمان وخمسين وست مائة، وقد دفنوا رأسه في مسجد داخل باب الفراديس، فقال الشعراء في ذلك:

لم يشنه أن طيف بالرأس منه



فله اسوة برأس الحسين وافق السبط في الشهادة والحمــ

ــل لقد حاز أجره مرتين ثم واروا في مشهد الرأس ذاك الـ

ـــــــرأس فاستعجبوا من الحالتين وارتجوا أن يجيء لدى البعث

رفيق الحسين في الجنتين

وقال ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار: وفي هذا المشهد دفن راس الكامل صاحب ميافارقين، وفي ذلك قال ابن المهتار الكاتب: وفي تاريخ ابن الوردي: وعلق رأسه في شبكة بسور باب الفراديس إلى أن عادت دمشق إلى المسلمين فدفن بمشهد الحسين رضي الله عنه داخل باب الفراديس،

ب‌- بقاء الرأس على عهد سليمان بن عبد الملك:

هناك مجموعة من الروايات تؤكد أن رأس الحسين عليه السلام، وضع في خزائن السلاح في الشام وبقي إلى زمن بعيد في الخزائن منهم من انتهى به إلى زمن سليمان بن عبد الملك، ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث بلغ به إلى زمن الوليد بن يزيد، وثالث نقل غير ذلك مما سوف نقف على تفاصيله في إيراد نص الروايات والاخبار المتعلقة بهذا الاحتمال:

1- أنه دفن في زمن سليمان بن عبد الملك، وهذه الرواية مردها إلى ريا حاضنة يزيد بن معاوية، وقد نقل الكثير من المؤرخين هذه الرواية منهم ابن عساكر في تاريخ دمشق والذهبي في سير أعلام النبلاء، والنص له: قال حمزة: وحدثتني ريا أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان، وبعث فجيء به، قد بقي عظماً أبيض فجعله في سفط وطيبه وكفنه ودفنه في مقابر المسلمين، فلما دخل المسوّدة سألوا عن موضع الرأس، فنبشوه وأخذوه، فالله أعلم ما صنع به، ولنحتفظ بهذه الجملة الأخيرة لأنها تفتح لنا نافذة على احتمال آخر يأتي تفصيله إن شاء الله. وفي الوافي بالوفيات: ثم مكث الراس في خزائن السلاح حتى ولي سليمان الخلافة فبعث فجيء به وقد بقي عظماً ابيض، فجعله في سفط، وطيّبه وكفّنه ودفنه في مقابر المسلمين.

وذكره الشجري في الأمالي بشيء من الاختلاف وفصل في ذيل الخبر بشكل أوسع فقال في الأمالي: فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى الخازن، خازن بيت السلاح: وجه لي برأس الحسين بن علي عليه السلام، فكتب إليه الخازن أن سليمان أخذه مني، وكتب إليه (أي عمر): إن لم تحمله فتجيء به لأجعلنك نكالاً، فقدم عليه، فأخبره أن سليمان أخذه فجعله في سفط، وصلّى عليه ودفنه، فصح ذلك عنده، فلما دخلت المسودة سألوا عما صنع به. وإذا علمنا أن سليمان ولي الخلافة سنة 96هـ فهذا يعني أن رأس الحسين بقي 36 عاماً لم يدفن. وروى الحسن البصري أن سليمان بن عبد الملك رأى النبي (صلى الله عليه(وآله) وسلم)يلاطفه ويبشره فلما اصبح سليمان سأل الحسن عن ذلك فقال الحسن: ولعلك صنعت الى أهل بيت النبي معروفاً، قال: نعم، وجدت رأس الحسين بن علي (رض) في خزانة يزيد فكسوته خمسة أثواب وصليت عليه مع جماعة من أصحابي وقبرته.فقال له الحسن: أن رضا النبي عنك بسبب ذلك. ونقل ابن عساكر في ترجمة ريا قولها: فلما جاءت المسودة – يعني بني العباس – نبشوه وأخذوه معهم.

2- دفنه أبو كرب (بعد مقتل الوليد بن يزيد). ونقف هنا أمام رواية فيها كثير من الغموض لأن (بطلها) شخص غير معروف بشكل واضح وصريح وهو ما اطلقت عليه الروايات اسم (أبو الكرب)، وقد ذكر الخبر مفصلاً في تاريخ دمشق لأبن عساكر، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ونختار نص ابن عساكر الذي ترجم لأبي كرب في الجزء السابع والستين من تاريخه: حكى عنه أبو أمية الكلاعي أنه كان فيمن نهب خزائن الوليد بن يزيد بن عبد الملك، قال: كنت فيمن نهب خزائنه بدمشق، فدخلت إلى خزانة لهم، فرأيت فيها سفطاً مرفوعاً فأخذته قلت في هذا غناي، فركبت فرسي وجعلته بين يدي، وخرجت من باب توماً، فعدلت عن يميني وفتحت قفله، فإذا أنا بحريرة في داخلها رأس مكتوب على بطاقة فيها هذا رأس الحسين بن علي، فقلت ما لكم لا غفر الله لكم، فحفرت له بسيفي حتى واريته.

وحيث أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك، قتل في دمشق سنة 126 ه فمعنى ذلك أن الرأس بقي في الخزانة ما يقارب 65سنة. وفي محاولة لمعرفة ابي كرب هذا وجدنا عدة أشخاص يُسمّون بهذا الاسم، ولكن بعضهم لا يمكن أن يكون هو المعني بهذه الرواية لبعد زمنه عن الحادثة، والجدير بالذكر أن أبا كرب لم يذكر له اسم ولا اسم أب ولا موطن وإنما يذكر مجرداً، وإذا صح ما احتملناه من بين الأسماء المشتركة فقد ذكر الكثير من الرجاليين أنه مجهول، كما في تقريب التهذيب لابن حجر وغيره. وهكذا، فاحتمال كون الرأس في الشام ضعيف بلسان الروايات وتعددها واختلافها.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


موقع العتبة الحسينية المطهرة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/11/17



كتابة تعليق لموضوع : رأس الإمام الحسين والمصير المختلَف عليه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net