محرّم بين السّنة والشيعة ..محرّم لمن لا يعرفه
كاتيا البيروتي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

شهر محرّم،شهر الله، وهو أول شهر في الأشهر الإسلامية.
في هذا الشهر تبدأ السنة الهجرية الجديدة عند جميع المسلمين من مختلف المذاهب، وفيه أيضاً تبدأ عند المسلمين من مذهب الشيعة إحياء ذكرى العزاء لآل بيت الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم، الذين استشهدوا في معركة تاريخية بقيادة الإمام الحسين عليه السلام، نصرة لرسالة جدّه المصطفى، فعن الإمام الحسين أن قال : "لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً بل خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أريد ان آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر"، وهذه  المعركة أطلق عليها العلماء معركة بين الخير والشر، واصفيها بالمعركة التي انتصر فيها الدم على السيف. هذه المناسبة المسماة بعاشوراء نسبة إلى "العشرة أيام" وهي أيام المعركة التي يستشهد في آخرها، في العاشر من محرّم، آل بيت الرسول في كربلاء العراق، وتسبى نساءه على أيدي رجال يزيد إلى الشام.

وتستمر المجالس المسماة بالمجالس العاشورائية أي مجالس العزاء وقراءة القرآن، وقراءة سيرة المعركة طوال شهر محرّم، فلكل يوم حادثة ترويها المجالس لأخذ العبر والمعرفة، فهي لا تنتهي في اليوم العاشر بل على العكس تبدأ منه.
لهذا الشهر فضائل، مستحبّات وسنن من أبرزها الصوم، فعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنه سمع رجلاً يسأل رسول الله ،صلى الله عليه وسلم، وهو قاعد فقال: يا رسول الله، أي الشّهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ فقال: إن كنت صائماً بعد شهر رمضان فصم المحرّم، فإنه شهر الله، فيه يوم تاب الله على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين، وتقول الأحاديث الدينية أنه يصادف أيضاً في يوم عاشوراء ،أن نجى الله تعالى نبيّه موسى عليه السلام من فرعون ، فصام موسى عليه السلام شكراً لله وحمداً له.

وهنا يجمع المسلمين على استحباب وأهمية الصوم في هذا الشهر، لكن الاختلاف يكمن في صيام اليوم العاشر، فالمسلمين الشيعة يحرمون صوم العاشر وفقط يمسكون عن الطعام حتى آذان الظهر، فيما يحلّل السّنّة صيام هذا اليوم.



تحرّم في هذا الشهر مظاهر الفرح ، فيصبح أشبه بحداد عام بين صفوف المسلمين عموماً والشيعة خصوصاً، فيتّشحون باللباس الأسود وهو لباس الحداد المتعارف عليه تاريخياً وعالمياً.

لا يختلف المسلمون على إحياء ذكرى استشهاد آل بيت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلّم، لكن لكل منهم طريقته في التعبير، وانطلاقاً من أن الشيعة هم "شيعة اهل بيت الرسول" ومن هنا أتت التسمية فهم من مبدأ موالاتهم لهذا النهج الحسيني يحيون عاشوراء لينشروا سيرة أهل بيت الرسول لكل العالم لما فيها من تضحيات وعبرة، بشهادة أهل المعرفة والعلماء من مختلف الأديان والمذاهب.

الخلاف الوحيد في عاشوراء والذي يختلف فيه أيضاً علماء الشيعة، ضربة حيدر، وهي ضرب الرؤوس حتى تنزف الدّماء، منهم من حرّمها لأذية صورة الاسلام عموماً والشيعة خصوصاً، كما لأذية النفس لا سيما ان من "يضرب حيدر" يضربها بشكل عشوائي قد يؤدي إلى وفاته،في حين يرى آخرون ان فيها استحباباً لأن السيدة زينب عليها السلام، حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلّم وأخت الحسين عليه السلام، عندما رأت أخاها تقطع رأسه ويشال على الرمح بعد ذبحه على أيدي الشّمر أحد قيادي جيش يزيد بن معاوية، بدأت تضرب رأسها وتصيح باسم أبيها "حيدر" أي إمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وفي هذه الرواية معلومات لم يؤكّدها العلماء مئة بالمئة، فمن المعروف عن السيدة زينب قوتها وصلابتها في مواجهة أهوال المعركة ومواجهة قاتل أهلها وأخيها يزيداً، كما تناولت سيرتها الكتب الدينية والسير النبوية.

وفي هذه "البدع" كما يسميها أهل السنة وبعض المذاهب الأخرى إساءة للدين وهي مبتدعة، كما يعتبرون؛ لذلك يهاجمونها وهنا يبرز الصراع بين السنة والشيعة على واقعة كربلاء في كيفية وأسباب إحيائها.

عاشوراء واقعة كربلاء هي ملحمة تاريخية وليست مجرّد واقعة دينية تعني طائفة من الناس أو جماعة محدّدة، وهذا ما عبّر عنه الكثيرون من الفلاسفة والكتاب ورجال الدين التاريخيين والمعاصرين من العرب والأجانب، نستذكر منهم :

"- غاندي، زعيم الهند: لقد طالعت حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الإمام الحسين.

- شارلز ديكنز، كاتب إنجليزي معروف: إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام.

- توماس كارليل، الفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي: أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء هو أن الحسين وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله، وقد أثبتوا بعملهم ذاك أن التفوق العددي لا أهمية له حين المواجهة بين الحقّ والباطل.

- فردريك جيمس: نداء الإمام الحسين وأي بطل شهيد آخر هو أن في هذا العالم مبادئ ثابتة في العدالة والرحمة والمودّة لا تغيير لها، ويؤكد لنا أنه كلّما ظهر شخص للدفاع عن هذه الصفات ودعا الناس إلى التمسّك بها، كتب لهذه القيم والمبادئ الثبات والديمومة.

- موريس دوكابري: يقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلط ونزوات يزيد. إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة

- ماربين ، مستشرق ألماني: قدّم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيّته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام له. وأنّ صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر إلاّ أنّه لا يعدو أن يكون أمام الحقّ والحقيقة إلاّ كريشة في مهب الريح.

- بنت الشاطئ: أفسدت زينب أخت الحسين عليه السلام على ابن زياد والأمويين نشوة النصر وكان لزينب بطلة كربلاء دور المحفّـز في جميع الأحداث السياسية التي أعقبت عاشوراء مثل قيام المختار، وعبدالله بن الزبير وسقوط الدولة الأموية وتأسيس الدولة العباسية وانتشار المذهب الشيعي.

- جورج جرداق، عالم وأديب مسيحي: حينما جنّد يزيد الناس لقتل الحسين وإراقة الدماء، كانوا يقولون: كم تدفع لنا من المال؟ أما أنصار الحسين فكانوا يقولون لو أننا نقتل سبعين مرّة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرة أُخرى أيضاً.

- انطوان بارا، مفكّر مسيحي: لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين.

- طه حسين، عالم وأديب مصري: كان الحسين عليه السلام يتحرق شوقاً لاغتنام الفرصة واستئناف الجهاد والانطلاق من الموضع الذي كان أبوه يسير عليه؛ فقد أطلق الحرية بشأن معاوية وولاته، إلى حد جعل معاوية يتهدده. إلا أن الحسين ألزم أنصاره بالتمسك بالحق."


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاتيا البيروتي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/11/21



كتابة تعليق لموضوع : محرّم بين السّنة والشيعة ..محرّم لمن لا يعرفه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net