الثواب العظيم لمنتظري المهدي « عج »
د . أنطون بارا

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
  الوعد الإلهي بإرسال منقذ للبشرية المبتلاة بالظلم والضراوة المتملية في الصدورالشريرة .. وعد سوف يتحقق بعد اكتمال بشائره التي تحددت في تراث الشعوب الديني على اختلاف عقائدهم , وإن كان العديد من هذه المعتقدات تحلم بمخلص إلا أن حلمها طوباوياً غير محدد ببشائر وعلامات , وهو حلم قديم قدم البشرية على الأرض ويعتبر من أكبر القواسم المشتركة بين العقائد كافة .
  وقد اتخذت تسمية المخلص مصطلحات عدة في أدبيات الأديان السماوية والعقائد الأخرى غيرها , وبدا واضحاً جلياً أن العالم كله يتطلع إلى قدومه في آخر الزمان , حيث أجمعت على أن عودته سوف تحقق الوعد الإلهي برفع الظلم وإحقاق الحق وملء الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً .
  ولعل السؤال الذي يطرحه البعض : لمَ يأتي المهدي .. وهل ستتغير ممارسات البشر بعد قدومه .. وما إشارات هذا القدوم .. هل ستأتي دفعة واحدة أم على مراحل .. وهل ستهل بشائرها بنوع أم بكم ؟
  ولمواجهة هذا التساؤل ثمة إيمان راسخ في أن نزول المهدي من أجل إقامة عدل الحكومة الواحدة ما هو إلا تدبير من العناية الإلهية الرؤوفة بخلائقها .. أما بشأن الإشارات لقدومه فيمكن أن نعرج عليها بعجالة كما وردت في معتقدات الشعوب بمختلف نحلها , ثم نركز على أوضحها وأحكمها تلك التي حفلت بها رسالتا المسيحية والإسلام بما عقدتاه من تلازم ورباط بين نزول عيسى والمهدي عليهما السلام وما سوف يؤديانه سويا من تكاليف إلهية تعتبر كما دونتها الأسفار .. الحتمية السرمدية لنزول المخلص على اعتبار أن عيسى والمهدي هما مشكاة العدل في رسالتي السماء اللتين نزلتا على البشر ، والقادرين على هذا التكليف الخطير الذي سيغير مصائر البشر ويرفع الظلم من ظهرانيهم .
  إذن فالبشر ينتظرون .. انتظار صبور يحرك مخيلاتهم وأرواحهم الضنكة لتحمل المزيد من الألم والظلم .. وتدفعهم فضيلة الصبر والانتظار إلى احتمال هذه المظالم أملاً في عهد الخلاص  .
  فالمخلص لدى الهنود القدماء هو ( مظهر ويشنو العاشر ) الذي سيأتي ويهلك الأشرار ويعيد الطهر للحياة في نهاية العالم , ويقول ( شاكمون ) نبيهم إن العالم سينتهي بعد حكومة ابن سيد الخلائق ( كشن العظيم ) الذي سيوحد دين الله ويحييه وسيحكم في المشرق والمغرب، يمتطي السحاب وترافقه الملائكة ويخدمه الإنس والجن فيحيى دين الله واسمه ( القائم ) .
  أما في عقيدة الزرادشت فإنهم ينتظرون ( أسوشيانس ) المنقذ الكبير منجي الصالحين وموحد الناس .. بينما تسمي البراهماتية منقذها ( ممتاطا ) مهدي الخلائق 
  وقد أورد ( جاماسب)  في كتابه أن رجلاً يخرج من أرض الفرسان من أولاد هاشم يكون على دين جده بجيش عظيم يتجه إلى إيران فيملأها عدلاً .
  وهكذا فإن أتباع المعتقدات كافة ينتظرون مخلصهم ، وفي الكثير من أدبياتهم يرد اسم ( القائم ) على أنه هذا المخلص , فاليهود يسمون مهديهم الأكبر ( ماشيع ) وعند شعوب اسكندنافيا يسمى ( أودين ) وفي أوروبا يطلقون عليه ( بوخص ) وفي الصين ( كرشنا ) وفي أمريكا اللاتنية ( كوتز لكوتل ) ولدى المصريين القدماء(ممفيس ) وفي البرتغال ( سبتيانوس ) .
  ولكن الإجابة على السؤال السالف ذكره : متى سينزل المخلص وما هي إشارات ظهوره ؟ تظل عصية على ربطها بمفهوم بشري ذي أبعاد محددة لأن هذه الغيبة ظلت سراً  إلهياً ألزم منتظريه قدسية الصبر على قدومه كدلالة على إيمانهم بما ترتبه لهم العناية الإلهية , ولعل واقع حال البشرية الذي تسارعت وتيرة انحداره خلال القرنين الماضيين قد تعتبر بعضاً من إشارات هذا القدوم , فالملاحظ جيداً أنه منذ بداية الخليقة كانت علوم العقل البشري تتفتح ببطء جعل السنين والقرون متشابهة لا تقدم يذكر فيها , لكن منذ منتصف القرن قبل الماضي نفحت العناية الإلهية نذراً من إلهاماتها في رؤوس الصفوة المختارة من العلماء ومكنتهم من اكتشاف الفيروسات الفتاكة وأدويتها القاضية عليها , وتوالت الإختراعات التي دفعت بالبشرية إلى الأمام ، فكانت الذرة والهيدروجين والبارود والطيران وارتياد الفضاء والنفط والتصنيع والزراعة الحديثة فكثرت الخيرات والمحاصيل , إلا أن الشيطان الموسوس وحلفاؤه البشر من صنائع الشر حولوا هذه الإلهامات إلى لعنة على البشر .. فنشبت الحروب نتيجة تفاقم القوى وامتلاكها الأسلحة الفتاكة فاقتتلت بلا هوادة وهدم المتحاربون مدناً بأكملها كما حصل في ناجازاكي وهيروشيما بالمادة الرهيبة التي سخرت للشر إذ لو استحسن استغلال ما في كل قنبلة من القنابل التي ألقيت وقوداً ذرياً يكفي لألف باخرة عملاقة تنخر المحيطات لعشر سنوات , فلم تهنأ البشرية بثمار ما نفحته العناية الإلهية من إلهامات في الرؤوس .. وصار السلام بين الدول والشعوب مجرد راحة قصيرة بين حربين ضروسين .. وتحول إلى فترة استراحة واستعداد للتناحر الدموي .
  وعلى إيقاع هذه الممارسات الخاطئة قامت الدول الكبرى التي مثلت دور المجرات الهائلة .. بسحب الشعوب الضعيفة إليها كأجرام صغيرة لا جاذبية لها وشكلت معها تحالفات دموية واستغلالية .
  فعلى المستوى الإقتصادي استغل حلفاء الشيطان وفرة الغذاء فعمدوا إلى إتلاف الفائض منه بحجة المحافظة على الأسعار .. وسكب الحليب في المجاري وأطعمت البهائم المجترة غذاء البشر .. رغم وجود الملايين جوعى في شرق الأرض ومغربها .
  ولأجل الأطماع لعب أصحاب المصانع بسنن الطبيعة فأطعموا أنعامهم لتسمينها بسرعة أسماكاً ميتة وأجنة ساقطة بدل الحشائش فأصيبت بجنون البقر وإنفلونزا الطيور والخنازير وحمى الوادي المتصدع وصار الغذاء سموما نتيجة لجشع مصنعيه .
  ولم يكتف أشرار البشر باستغلال نعم الخالق .. بل تسلم أساطينهم الحكم في العديد من البلدان ودفعوا بشعوبهم إلى الموت تحت شعارات مزيفة وأطلقوا عليهم لقب شهداء وهم قتلى فطيس لأن الشهادة تكون دفاعاً عن الأرض والعرض والعقيدة لا استرخاصاً لها تحقيقاً لنزوة عسكري وديكتاتور .
   واقع هذا الوضع البشري ألا يقدم جواباً عن حتمية نزول المهدي ؟ ألم يوسوس الشيطان لضعيفي الإيمان فحولوا إلهامات الله لخلقه إلى استغلال منكر فإذا حفل قرن واحد ( القرن العشرون ) بكل هذه الصراعات والحروب والدمار فكيف ستتطور هذه الإنحرافات فيما يلي من قرون ؟
  في المسيحية تؤكد الإشارات قبل نزول عيسى المسمى ( المجيء الثاني ) أنه ستقوم كل أمة على أمة وكل مملكة على مملكة وتحدث زلازل وعلامات عظيمة وسيجوع خلق عارم ويتخم أكثرهم ويطمس العدل ويعلو الظلم وتتحكم قوى شريرة بمصائر الشعوب ولا يتعرف الإبن على أبيه وأمه , وتترك الأم رضيعها , وتسري الشهوات , وتزداد الضراوة والإقتتال .. ويتقرح تراب الأرض ولا ينتج ثمراً , وينقطع ندى ضروع الأغنام , وتعقم أرحام الماعز ، وفي هذه الأوقات سيظهر مسحاء كثيرون ويدعون أنهم المسيح , وأكبرهم المسخ  الدجال ذو العين الخارجة من محجرها , ساعتها سيعمي أبصار الناس بأفاعيله وألعابه .. فيقول للأرض انبتي زرعك فتخرج الزروع وتطرح الأشجار ثمارها , ثم يقول للأرض : أخرجي كنوزك فتخرجها بما فيها كنوز سليمان الحكيم .. وعجائب هذا المسيح هي اختبار لإيمان الناس ليغربل الله غير المصدقين المنتظرين المسيح الحقيقي , ولكن كثيرين يخرجون راكضين خلفه مصدقين خزعبلاته حتى أن النساء صرن يربطن أزواجهن حتى لا يلحقنه .
  أما في الإسلام فإن الإشارات لظهور المهدي ( عج ) مرتبطة برابط سببي واقعي كظهور السفياني في الشام , والخرساني في إيران , واليماني في اليمن , وروى الصدوق بسنده عن أبي عبدالله قال : ( قدام القائم موتان : موت أحمر وموت أبيض , فالأحمر السيف والأبيض الطاعون ) وظهور قوم ( الموطئون ) لتعريف قضية المهدي ( ع ) وطلوع الشمس من المغرب , والصيحة ، والخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية , وبعض الرواة أضاف إليها : المرواني وشعيب بن صالح وكف في عين الشمس , وكسوف الشمس في رمضان في 14 منه .
  وهنا يثور سؤال عن سر إجماع كافة الديانات وكل البشر على انتظار مخلص منقذ .. وما هي وسائل المهدي حين نزوله في محاربة الظلم والظالمين والإنتصار على أهل القوى والنفوذ .. هل سيمده الله بوسائل سابقة لعصر البشرية التي ستزامن نزوله ؟ ففي زمن أبو الأنبياء ابراهيم الخليل ( ع ) حينما أوقد النمرود النار لحرقه أمده الله بمعونة خلصته من النار وأعانته على تكوين جيش جرار مشى به إلى الشام كما بنى الكعبة , وموسى ( ع ) هل كان سيحارب مثل ابراهيم وبذات وسائله ؟ لقد أمده الله بوسيلة ليحارب بها الفراعنة الذين كانوا يؤسسون لدولة ربوبية في ذلك الوسط المعتز بالسحر , فألقى موسى عصاه وإذا بها حية تسعى ، وفلق ماء النهر بضربة منها ليعبر قومه هربا من فرعون , وحينما جاء عيسى ( ع ) أعانه الله بمعجزات بز بها تلك التي كانت منتشرة في زمن نزوله مثل إحياء الميت بعد ساعات من موته  , فأحيا ( ع ) الأموات الذين مضى على موتهم عشرات السنين وصارت عظامهم رميماً ، وشفى البرص بلمسة وأنطق الأكمه وأبصر الأعمى .. ولما جاء محمد ( ص ) كانت البلاغة مقياساً للفخر فأنزل الله تعالى قرآنه العظيم عليه ببلاغة فاقت كل بلاغة أجبرت الشعراء على إنزال معلقاتهم من على أستار الكعبة خجلاً من بلاغة الكلمات القدسية التي أنزلت بها الآيات , وأمد الله اليتيم الفقير المصطفى ( ص ) بالقوة لتسفيه أحلام قريش وسب آلهتهم وحمل الرسالة المحمدية والإندفاع بها شرقاً وغرباً مهدداً كسرى وقيصر .
  فحيال هذه الحقائق الربانية كيف ستكون نصرة الله للمهدي ( عج ) إذا كان زمننا هذا يعج بكل هذه الأسلحة الفتاكة المدارة بالليزر والتكنولوجيا التي ترصد كل ما فوق الأرض وفي الفضاء وتقتل عن بعد .. فإن أسلحة القائم ( عج ) ستخترق قوانين العلية والمعلولية وستسخر له العناية الإلهية عللا كونية لم تسخر قبلاً كالأرواح والنور والجن والإنس والشمس والقمر والرياح والمغناطيسية الكونية والمذنبات والسحاب والرعد والبرق والأفلاك وأقطاب الأرض وسدرة المنتهى , وعدد لا يحصى من العلوم والطاقة والمادة التي يجهلها البشر والقوى العظمى المتآمرة على حقوقهم وإنسانيتهم ، وبمساندة عيسى ومعجزاته له سوف يتحقق للبشرية وعد الله بإنقاذ العالم , فكلا هذين المختارين سيكون نزولهما الميمون صاعقاً كبرق ، مقبلاً كشهاب ثاقب , وفي هذا الصدد يقول عيسى ( ع ) : وكما أن البرق يخرج من المشرق ويلمع حتى المغرب فكذلك يكون مجيء ابن الإنسان , وهكذا يصف عيسى المهدي المنتظر , وقد ورد مثل هذا الوصف على لسان النبي محمد ( ص ) حيث قال : المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم , ثم يقبل كالشهاب الثاقب ويملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
  وساعة مجيء وعد الله الحق يظل مجهولاً لحكمة ربانية , وفي ذلك يقول عيسى ( ع ) : ( فأما ذلك اليوم وتلك الساعة فما من أحد يعلمها من ملائكة السموات ويعلمها الله ) ويقول النبي محمد ( ص ) : ( لا تقوم الساعة حتى يقوم القائم بالحق)  ويقول الله تعالى في قرآنه الكريم : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) سورة القصص .
  إلا أن مجمل البشارات السماوية تقدم مواصفات للمخلص العالمي تنطبق على المهدي المنتظر ( عج ) وهو الذي سيقيم الحكومة الإلهية التي ستقطع دابر الشر وتصلح المجتمعات , ففي أسفار الأنبياء جاءت الإشارة واضحة للإمام الحجة بهذا المعنى : ( المهدي ما في عمله عيب ) وفي سفر الرؤيا إشارة لامرأة يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً ، ويقصد بها السيدة فاطمة الزهراء ( ع ) ثم إشارة لإمرأة أخرى تلد الرجل الأخير من صلب جدته ويقصد بها السيدة نرجس بنت رياض ، فتقول : هذه المرأة ستحيط بها المخاطر والتنين الذي يقف أمام المرأة العتيدة حتى تلد ويبتلع ولدها , والعناية الإلهية غيبت هذا الولد حتى يحين موعد ظهوره المبارك هو خاتم الأئمة الإثني عشر ( ع ). 
وثمة إشارة أخرى في سفر أشعيا إلى لقب اختص به المهدي ( عج ) ونعني به لقب ( القائم ) تقول : يحل عليه روح الرب وروح الحكمة والـفـهم ، وروح المشورة والقوة ، وروح المعرفة ومخافة الرب ، ولا يقضي بحسب مرأى عينيه ، ولا يحكم بحسب مسمع أذنيه , بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف للبائسين ، ويضرب الأرض بقضيب فمه ، ويميت المنافق بنفخة شفتيه , ويُـسـكـن الـذئب والـخـروف ، ويربض النمر مع الجدي ، والعجل والشبل معاً , وصبي صغير يسوقها , وفـي ذلـك اليوم سيرفع ( القائم ) راية للشعوب والأمم التي تطلبه وتنتظره , وفي سفر أرميا 46 يصف المنتقم لدم الحسين (ع) المستشهد عند مشرعة الفرات .
 إن مـن الـواضـح لـمـن يمعن النظر في نصوص تلك البشارات السماوية أنها تقدم مواصفات للمصلح الـعالمي لا تنطبق على غير المهدي المنتظر (عج) طبقاً لعقيدة مدرسة أهل البيت (ع) لذلك فإن مـن لـم يـتعرف على هذه العقيدة لا يستطيع التوصل إلى المصداق الذي تتحدث عنه .
  إن أصل فكرة الإيمان بالمصلح العالمي في آخر الزمان وإقامة الدولة العادلة التي تحقق السعادة الحقة للبشرية جمعاء تستند إلى جذور فطرية في الإنسان تنبع من فطرة تطلعه إلى الكمال ، وهذا ما يفسره إجماع مختلف التيارات الفكرية الإنسانية حتى المادية منها على حتمية تحقق هذا اليوم الـمـوعـود , أمـا الفكر الديني فهو مجمع عليه تواتر البشارات السماوية في كتب الأديان المختلفة .
ولم يقتصر هذا الشعور الغيبي على المؤمنين دينياً بل امتد إلى أشد الإيديولوجيات والإتجاهات رفضاً للغيب كالمادية الجدلية التي فسرت فيه التاريخ على أساس التناقضات وآمنت بيوم خلاص موعود تتجانس فيه التناقضات ويسود السلام .
والإيمان بالمهدي المخلص ما هو إلا تجسيد لحالة إنسانية هيولية والإيمان بفكرته هي الأكثر انتشاراً بين بني الإنسان وقد وصفها المفكر برنارد شو بقوله : أن الفكر الإنساني لا يرفض مبدئياً الإيمان بالغيبة .
ويرى السيد محمد باقر الصدر بأن فكرة المهدي عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها ومثلت صياغة إلهام فطري أدرك الناس من خلاله على تنوع عقائدهم أن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقق فيه رسالات السماء مغزاها الكبير وهدفها النهائي وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مر التاريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل .
ولقد أبرزت إشارات النصوص الإسلامية والمسيحية العديد من المتشابهات الدالة على علائم المخلص , ففي قول للنبي (ص) :
إبشروا بالمهدي يخرج على حين إختلاف من الناس وزلزال شديد .
وقال عيسى (ع) : وستسمعون بالحروب وبإشاعات عن الفتن وهذا كله بدء المخاض .
وقال الإمام الباقر (ع) : لا يقوم القائم إلا على خوف وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس .
ويتزامن مع هذه الفتن القاهرة ظهور أنبياء كذبة , وفي هذا يقول النبي (ص) : لا تقوم الساعة حتى يخرج نحوٌ من ستين كذاباً كلهم يقولون .. أنا نبي .
وعيسى عليه السلام قال : ويظهر كثير من الأنبياء الكذابين ويضلون أناس كثيرين .
وحول مشاركة العلل الكونية يقول الإمام الباقر (ع) : ( آيتان تكونان قبل القائم , لم تكونا منذ هبط آدم إلى الأرض : تنكسف الشمس في نصف شهر رمضان والقمر في آخره )
ويقول عيسى(ع) : وعلى أثر الشدة في تلك الأيام تظلم الشمس , والقمر لا يرسل ضوءه .
إن إجـمـاع الأديان السماوية على الإيمان بالمصلح العالمي وغيبته قبل الظهور والعودة اقترن بـالاخـتـلاف الشديد في تحديد هويته ، وهو اختلاف ناشىء من جملة عوامل ، منها أن البشارات الـواردة فـي الكتب المقدسة بشأنه تتحدث عن قضية غيبية ، والإنسان بطبعه ميال لتجسيد الحقائق الغيبية في مصاديق محسوسة يعرفها , ومنها أن التعصب المذهبي والرغبة في الفوز بافتخار الإنتماء لـصـاحـب هـذا الـدور الـتـاريخي المهم ، دفعا أتباع كل دين إلى تأويل تلك البشارات أوخلطها بـالبشارات الواردة بشأن نبي ووصي معين غير المصلح العالمي ، أو تحريفها لتطبيقها على الأقرب مـن الـمـواصـفـات التي تذكرها من زعمائهم ورموزهم الدينية , فالاختلاف ناشئ من سوء تفسير وتطبيق البشارات السماوية ، وليس من نصوص البشارات ذاتها .
  إن فـي الاسـتناد إلى بشارات الأديان السابقة في إثبات صحة عقيدة أهل البيت عليهم السلام في المهدي الـمـوعود , وإضافة إلى الأدلة الشرعية والعقلية الأخرى ، ثمار عديدة منها : الكشف عن أهمية هذه العقيدة وترسيخ الإيمان بها لدى أتباعها , ومنها إعانة أتباع الديانات والمذاهب الأخرى على الإهتداء لـمـعرفة هوية المصلح العالمي الذي بشرت به نصوص كتبهم المقدسة .
ويـقـول الـعلامة السيد محمد باقر الصدر: إذا كانت فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه ، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام جاءت أكثر إشباعاً لكل الطموحات التي أنـشـدت إلى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني ، وأغنى عطاء وأقوى إثارة لأحاسيس المظلومين والـمـعـذبـين على مر التاريخ , ذلك لأن الإسلام حوَّل الفكرة من غيب إلى واقع ، ومن مستقبل إلى حـاضـر , ومن التطلع إلى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول ، إلى الإيمان بوجود الـمـنـقـذ فـعـلاً , وتطلعه مع المتطلعين إلى اليوم الموعود حينما تكتمل الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم .
وأضيف على هذا الرأي أنه آن الأوان لنا مسلمين ومسيحيين حاملي الفكرة الإيمانية بقدوم المصلح العالمي , وبشراكة المهدي وعيسى (ع) بتكريسها في آخر الزمان .. أن نعرِّفها واضحة شفافة بلا تعصب لأولئك أتباع المذاهب والأديان غير السماوية لجلاء قلوبهم بمعنى أن يكون هذا المخلص معلوماً بأوصافه القدسية التي حددته وحددت تكليفاته الإلهية الرسالتان الأعظم أثراً في تاريخ البشرية .
وإنها لراحة قلب وفؤاد لكل المؤمنين من البشر كافة ومن أتباع رسالتي السماء المتعاقبتين للدين الكلي الواحد الذي اختتمت رسالاته الثلاث بالإسلام الحنيف بأن البشارات الإلهية وحدت بين مشاركتي المهدي وعيسى (ع) في تكليفهما إنقاذ البشرية في آخر زمانها وتطهير الأرض من الفاسدين حينما ينزل عيسى (ع) فيراه المهدي ويتراجع ليتقدم ابن مريم مزكياً إياه بخلقٍ رسالي قائلاً له أمام الناس : تقدم يا روح الله فصل بنا , وحينما يضع عيسى (ع) يده بين كتفيه ويقول للمهدي : إنما أقيمت الصلاة لك فكن إمامها .
وسيكون هذان العظيمان قدوة قدسية تؤكد على وحدة الإيمان بين الإسلام والمسيحية ومشاركتهما في حتمية الخلاص للبشر بعون رباني من خالقهم لتضمحل الفتن ويتوحد بني الإنسان على أساس الأخوة العقائدية والتناظر الإنساني كما وردتا على لسان أمير المتقين الإمام علي (ع) بقوله : الإنسان إما أخٌ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق , فأوجد من هذه المناصفة الفريدة توازن مساواة لا يطغى فيه إنسانٌ على آخر .
فكم من حكم إلهية يتوجب علينا الإصغاء إليها وانتظار مدلولاتها بصبر نجزى عليه , وما انتظار نزول آخر أوصياء الرسول المصطفى (ص) .. المهدي القائم (عج) إلا إحداها , والمجيء الثاني لعيسى (ع) إلا إحدى مراحلها المؤيدة لخاتمتها , لذا فإن ثواب الصابرين المنتظرين لذلك اليوم مدونٌ في صحائفهم الخضر على قدر صبرهم وتشوقهم النزَّاع لهذا القدوم الميمون , وتقبُّل طول أمده قبل حلول ساعته سيكون فيه خلاصهم وفلاحهم .
وختاماً : نأمل أن نكون وإياكم من الصابرين المنتظرين لذلك الوعد الإلهي المشمولين بظفره ونعمه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
                                                              
                                                             د . أنطون بارا
                                                           الكويت  4/7/2012
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . أنطون بارا

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/11/30



كتابة تعليق لموضوع : الثواب العظيم لمنتظري المهدي « عج »
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net