صفحة الكاتب : د . محمد سعيد الأمجد

التغيرات السياسية لتنظيم القاعدة في العراق
د . محمد سعيد الأمجد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ان من المسلم به عدم وجود منهج واحد لكل مجتمع فالتغير وعدم التماثل بين الافكار والمناهج الحياتية ينتج افكاراً وإتجاهات متعددة ، ولفكرة واحدة  احيانا، فمن أسس فكره ومنهجه على قسر الآخرين لإتباع فكره ومنهجه لا بدّ ان نتوقع حدوث التناقض مع بيئة القسر و الضغط داخلها ، الأمران اللذان سيولّدان الانفجار والرفض فيما بعد لأصحاب المنهج القسري والخطاب أحادي النظرة..
وهكذا فان القوى المتصارعة التي تطمح الى السيطرة على العالم الآن – حسب آلفن توفلر – والمعارك المتزايدة العنف التي تشكل موضوع تحول السلطة ينحسر فيها تأثير عاملي القوة والمال ليبرز فيها تأثير عامل المعرفة ، وبعبارة أخرى إن الأخيرة هي التي ستنتج المال والقوة وليس العكس .
وهذا بدوره يخلق نمطاً خاصاً للحياة الاجتماعية ، و يسعى لابراز ذاته ووجوده عبر تمظهرات مختلفة كل حسب طاقته وقدرته ، ففي الوقت الذي كان فيه للدولتين العظميين ادواتهما المعرفية ( اقتصاديا ًوعسكرياً ) والتي تجلت في ( حرب باردة ) او بروز كتلة اوربية او سوق عالمية مشتركة ، تكون للدول والشعوب في العالم الثالث المسماة بالنامية ، أدوات معينة تتفاوت في مرجعيتها الثقافية والسياسية ، تنطوي ضمنها تيارات العنف والتطرف والارهاب ظناً منها بان هذه الادوات هي اللافتة الوحيدة لمجابهة القوى المتصارعة اقتصادياً وعسكرياً ومعرفياً ، كما تنطوي ضمنها تيارات الانفتاح والحداثة والتي تؤمن بالحوار والعمل السياسي والكدح الاجتماعي والجدل الفكري وعياً منها بان هذه الأدوات انجع في الحل وأعمق في الطرح والتناول واكثر تأثيراً في عالم اليوم .
وهذا بطبيعة الحال يخلق ردة فعل نفسية لدى المنتسبين الى الهوية الاسلامية فيعبّر كل عن تذمره بما يتلاءم مع وعيه وثقافته ، فمنهم من يناهض ذلك سياسياً ومنهم من يناهضه اعلامياً ومنهم من يجابهه بقوة السلاح ، ومنهم من يشتطّ في ذلك او يلغي الرجوع الى قاموس قيمي معيّن فيسمى بالـ ( ارهابي ) ، لكن تبقى المعارضة السياسية السلمية هي الوجه الحضاري للتعبير عن الرأي..
وبما ان الارهاب مبدأ مرفوض انسانياً واسلامياً وقانونياً ، وان اللاعنف والتسامح والحوار هي السمات والخصائص والمنطلقات الفكرية لكل القوانين والاعرف والاديان السماوية ، فان اغلب الجماعات الاسلامية في العراق احزاباً وتجمعات ومؤسسات ونخبا وجماهيرا انتهجت اسلوب العمل السياسي في اغلب تحركاتها داخل المجتمع ..
وبقيت التكتلات والاحزاب والجماعات الاخرى تتماهى مع تنظيم القاعدة وتستمد منه الشرعية والقوة، الأمر الذي انتج مساحة تدميرية واسعة للبنية التحتية والبشرية في العراق لم يكن نصيب (الاحتلال) منها –اللافتة التي رفعتها القاعدة في حربها داخل العراق- إلا اليسير من الخسائر.
و ايضا بقيت القيادات الاسلامية في العراق ترفض اتهام جماعتها وحركتها بالعنف لأن الإسلاميين لا يرون ان العنف هو الاسلوب الوحيد للصراع اما العمليات التي تبنتها القاعدة في العراق وغيره من البلاد كالتفجير وخطف الاشخاص والطائرات والاغتيال والتهجير القسري ، فليست من الوسائل المتبناة للحركة الاسلامية العراقية الجديدة والتي تعاملت مع راهن مابعد السقوط بطريقة العمل السياسي وجعلته من اولويات خياراتها، وان خلقت القاعدة في العراق تيارا دينيا مسلحا راح يتذرع بوجود القاعدة واسلوبها التكفيري لممارسة ردود افعال عسكرية متشنجة تشابه في كثير من مقاطعها اعمال القاعدة واساليبها..
ومع هذا فالكيان الاسلامي السياسي في العراق كان يتبنى مفهوم المقاومة منذ امد طويل من مقارعة الديكتاتورية والطغيان ، وكان لا بد له الآن ان يؤسسس لمقاومته السلمية لان عسكرة هذه المقاومة قد انتفت الحاجة اليها في ظل تجربة العراق الجديدة وانتخاب الشعب للحكومة مع تحفظنا على جملة من ممارساتها .
تصادمت هذه الحقيقة مع ما ارتكبه تنظيم القاعدة في العراق من أخطاء كبيرة أدت الى ترويع وقتل الابرياء واخافتهم مما هو خارج خط المواجهة ، ولاصلة له بـ(التحرير)، فاتخذ الوعي الاسلامي العراقي بأغلب انتماءاته ومناهجه من هذا مستندا قويا لرفض القاعدة وعدم التعاون مع قياداتها فتفتت حواضنها وتعرقل سير اهدافها الستراتيجية المعدة..
أعان على ذلك كثرة الفتاوى والاحكام التي صدرت من علماء العراق بمختلف مذاهبهم وهي تحرم العنف واراقة الدماء وتخريب البنى ، وايضاً المواقف السياسية التي تستعمل الاسلوب النقدي في رصد ممارسات حكوماتها والمعارضة السلمية ، كما انه في الجانب المقابل وفي قراءة سريعة للطبيعة الاجتماعية العراقية و الثقافية تجد تأريخية التعايش والحوار هي الغالبة عليها..
بالاضافة الى ان تنظيم القاعدة في العراق لم تكن تمتلك برنامجا سياسيا واضحا للوصول للسلطة ولا يملك اصحابها غير إعتمادهم على الهجمات الانتحارية والتي يموت القائمون عليها جميعاً ولايشكل قادتهم في الخارج بديلاً للنظام القائم! ..فأخذ الصراع في العراق يدور بين الارهاب في اوجه وفي مختلف تسمياته ومظاهره ومصادره..والجمهور الذي تدعمه الحكومة بوسائلها المادية والمعنوية والاعلامية..
وهذه التغيرات في نظرة المجتمع العراقي الى تنظيم القاعدة لم تقتصر على الواقع السياسي العراقي ، بل تعدّت الى كثير من الدول العربية والاسلامية اذ يقول بحث دولى أجراه مركز "بيو" للأبحاث بواشنطن شمل 47 دولة منها 9 دول إسلامية فضلا عن الأراضي الفلسطينية لاستطلاع الرأى العام إن نسبة المسلمين الذين يرون أن الهجمات الانتحارية ضد المدنيين مبررة استنادا لأسباب دينية ، قد انخفضت بحدة فى الأعوام الخمسة الماضية..جاء ذلك في بحث..وتقول الدراسة إن التأييد للهجمات الانتحارية تراجع في 9 دول إسلامية عما كان عليه الوضع عام 2002 .
إن حرب الشعب العراقي انما هي ضد الإرهاب وهي حرب شرسة كانت الساحة الفعلية والميدانية لتحولات تاريخية وبنيوية قدر للشعب العراقي فيها أن يتحمل تكاليفها وتبعاتها وتضحياتها، ولطالما دعا الشعب العراقي أشقاءه العرب والمسلمين لتحمل دورهم في المسؤولية والتضامن العملي والمعلن والصريح معه في دحر الإرهاب وإجتياح معاقله وتدمير خلاياه!، إلا أن تلك الدعوات لم تجد للأسف صداها الحقيقي وتجاوبها الصريح من تلك الشعوب.
من هنا ولهذه الخريطة من الاسباب والتغيرات لم يكن العراق ارضية دائمية مهيئة لاحتضان استراتيجية تنظيم القاعدة، ونجاح مشروعها فيه، الأمر الذي يفسر اعتراف زعيم القاعدة اسامة بن لادن في شريط له عام 2008م بأن القاعدة في العراق ارتكبت (أخطاء كبيرة)..
لكن جملة من الملفات العراقية الساخنة لا زالت هي المحك الاصعب امام الحكومة العراقية لاستكمال بناء الدولة وفق معايير الديمقراطية والمجتمع  المدني ، وبعيدا عن مفهوم العسكرتاريا ومفهوم الطائفية الذين احتضنا يوما ما ومازالا؛ النشاط القاعدي:
• الابتعاد عن المحاصصة الطائفية والحزبية، من خلال فسح المجال للتكنوقراط العراقي في اخذ فرصته للتنمية الشاملة وبناء دولة القانون بالكفاءة والمهنية اللازمين للبناء.  
• فسح المجال امام المعارضة والعمل السياسي الناقد لسياسات الدولة ومؤسسساتها , من اجل اتاحة الفرصة للمطالبة بالتعبير عن الهوية الفكرية والوطنية الخاصة للجماعات الاسلامية الحقيقية وغير الاسلامية..لفرزها عن الجماعات التي تمارس العنف والارهاب بحجج مختلفة..
• التوعية بدور الغرب في قطف ثمار الارهاب واستثمارعوامل التطرف في العالم الاسلامي من خلال الكشف المنطقي عن وثائق سياسية موجودة هنا وهناك والعمل على الربط الموضوعي بين الحيثيات الموجودة في هذه الوثائق..ومن ثم تجنب الصدام معه في الوقت الحاضر ما دام متذرعا بلافتة القضاء على الارهاب..
• المصالحة الحقيقية مع الشعب بأكمله من خلال مراجعة جادة وواعية وصريحة لمسيرة الدولة العراقية الجديدة بعد التغيير السياسي الذي حدث عام 2003م وتقويم هذه المسيرة بمايتلاءم مع حاجات الشعب العراقي ومتطلبات عيشه الكريم وبما يلاءم مع استحقاقاته ومعاناته الطويلة في صراعه مع الظلم..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد سعيد الأمجد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/12



كتابة تعليق لموضوع : التغيرات السياسية لتنظيم القاعدة في العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net