صفحة الكاتب : هادي جلو مرعي

إبراهيم لم يعد موجودا
هادي جلو مرعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يتحدثون عن الشعوب الحية القادرة على التأثير وتغيير مجرى الأحداث وصناعة التاريخ،وهل إن العراق صانع المجد الحضاري التليد واحد من تلك الشعوب، ولديه القدرة والرغبة على تحقيق منجز حضاري متقدم كلما واجهه إمتحان ما كالذي يمكن أن يواجهه كل شعب ،يتسلط عليه سلطان أو تأخذه عصابة من السياسيين الفاشلين الى هاوية لاقرار لها ؟

يظل أثر الحضارة المادي شاخصا،وقد يذهب مع الريح ،وربما يرمم في عهد لاحق تبعا لظروف سياسية وتحولات سلطانية كما كان يفعل بعض الزعماء من الدكتاتوريين حين يعمدون الى الأماكن الأثرية المتهاوية بفعل عوامل الزمن ويغيرون من شكلها ويقللون من قيمتها المعنوية والمادية ويدخلون عليها تصاميم وتشكيلات ليست منها  تخرجها في الغالب من دائرة الإهتمام العالمي كما حصل لحضارة وادي الرافدين التي شوهت بالكامل نتيجة تغييرات مبهمة في عهد النظام السابق، وكما في آثار مدينة بابل العظيمة حيث لم يتم التعاون مع اليونسكو في هذا المجال وكانت عمليات الترميم والتأهيل للمعابد والمدارج والحدائق والبوابات والطرق وسواها من بقايا الحضارة تتم على أيدي مايمكن وصفهم بالمقاولين أو كالذين رست عليهم مناقصات تأهيل شبكات الصرف الصحي بعد الإحتلال الأمريكي الذي جعل من بابل معسكرا لقواته حتى رحيله.

 قد نجد أثر الحضارة في العمران وفي البوادي والحفر العميقة وفي بقايا معابد ومسارح وبيوت ولقى أثرية كالأختام والأوان والمصوغات الذهبية والتوابيت الملكية والمقابر الخاصة ،لكن هذا لاينعكس بالضرورة على الناس الذين قد يكونوا من أخلاف حضارة لم تنشأ على هذه الأرض فلايمكن تصور نوع من التأثير الحضاري على مواطن جاء من اليمن قبل خمسمائة عام ،بينما معظم حضارات العراق إنما إزدهرت قبل ثمانية آلاف عام ،وبعضها في فترات زمنية متفاوتة بعد هذا التاريخ وهي بذلك لاتؤثر في هذا المواطن الذي بنى أسلافه سد مأرب مثلا ،وحين جاء أجداده الى العراق تأثروا بالحضارة الجديدة ،فلاهم نقلوا تجارب حضارتهم القديمة، ولاهم تأثروا أو إستفادوا من طبائع وصنائع الحضارة الجديدة، فيصير المثل الشهير( بين حانة ومانة ضاعت لحانا) منطبقا بالفعل على حالهم المنكود.

ولأنهم أخلاف حضارات من شتى الأنحاء فهم غير قادرين على وضع خارطة طريق تقيهم التيه الذي هم عليه الآن، وأقصد العراقيين الذين سألني مصور في قناة فضائية عن سبب غياب الموقف الموحد لديهم تجاه القضايا العامة؟ وعدا عن ذلك فهم بالإضافة لحالهم الماضي وماورثوه وجدوا إنهم الآن في خضم إنتماءات مذهبية وقومية لاتتيح لهم حرية الإختيار دون ضغوط عاطفية أو سياسية أو  ترهيبية من هذا الطرف أو ذاك بل إنهم توزعوا داخل القومية الواحدة وداخل الطائفة الواحدة وإختلفوا على قضايا عديدة لاحصر لها أخذتهم وبلادهم الى طريق غير واضح المعالم ،وربما أدى بهم الى تهلكة ما.

ملاحظة أخيرة.العراقيون توزعوا كطيور إبراهيم، لكن الفرق إن تلك الطيور وجدت من يعيد الحياة إليها ويصرها إليه ،ولكن من يصر العراقيين ويجمعهم ؟فليس من إبراهيم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هادي جلو مرعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/12/22



كتابة تعليق لموضوع : إبراهيم لم يعد موجودا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net