تاملات في القران الكريم ح81
حيدر الحد راوي

سورة  الانعام
بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ{11}
الاية الكريمة من الايات التي تدعو للنظر في التاريخ , والاطلاع على احوال الامم السابقة , والنظر في امورهم , واخذ العظة والعبرة , والاستفادة من تجاربهم .

قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ{12}
هناك اربعة مواقف للتأمل في الاية الكريمة :
1)    (  قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ ) : يأمر النص المبارك الرسول الكريم محمد (ص واله) ان يوجه سؤالا للناس (  قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) , وفي نفس الوقت , يؤمر ( ص واله) بالاجابة (  قُل لِلّهِ ) , الغريب في الموضوع , ان النص المبارك تضمن السؤال والاجابة معا , لذلك عدة منحنيات , نذكر ابرزها :
أ‌)    لم يكن المشركين خاصة والناس عامة يملكون الجواب , فأجاب النص المبارك . 
ب‌)    ان المشركين خاصة والناس عامة , كانوا يعلمون الجواب الصحيح , فاذا نطقوا به , كان اعترافا وتأييدا لرسالته (ص واله) , فيكون عندها جوابهم حجة ضدهم .
2)    (  كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) : تفضلا وتحننا منه جل وعلا , ان تسبق رحمته عذابه , ولك ان تتأمل رحمته عز وجل في بعثة نبي الرحمة محمد (ص واله) ! .
3)    (  لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ) : اجمل النص المبارك , ان الله جل وعلا سيجمع الموجودات ليوم , اسماه ( يوم القيامة ) , وهذا اليوم لا محال واقع (  لاَ رَيْبَ فِيهِ ) .
4)    (  الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) : يصف النص المبارك من وقع في العذاب , انه قد خسر نفسه , ويذكر النص المبارك سبب تلك الخسارة (  فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) ! .
          
وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{13}
تضمنت الاية الكريمة سياقا لطيفا , جميلا وموجزا , فيه ثلاثة مواقف للتأمل :
1)    (  وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) : ملكية الكائنات والاشياء له جل وعلا .
2)    (  وَهُوَ السَّمِيعُ ) : الله عز وجل يسمع كل ما يصدر من اصوات واقوال .
3)    ( الْعَلِيمُ ) : العليم بالافعال والاحوال .   
للاية الكريمة فضائل وخصائص كثيرة , قراءة , او تكتب وتحمل , نذكر منها :
1-    للحمى .
2-    للصداع .
3-    لبكاء الاطفال .
( مكارم الاخلاق ) .

قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ{14}
نستقرأ الاية الكريمة في عدة نقاط :
1)    (  قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) : يؤمر النبي (ص واله) ان يقول بنحو الاخبار والتبليغ .
2)    (  وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ) : يلحق النص المبارك بالامر ( قل ) في اعلاه .
3)    (  قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ) : امر ثان .
4)    (  وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ ) : يلحق بالامر الثاني , الملاحظ ان النص المبارك موجه للناس كافة , والا فأن النبي محمد (ص واله) لم يكن مشركا بالله تعالى حتى قبل بعثته (ص واله) .  

قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{15}
تستمر الاوامر الالهية ( قل ) له (ص واله) على نحو الاخبار والتبليغ والانذار للناس كافة , وتضمنت الاية الكريمة موضوع رئيسي (  قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ ) , في عدة موارد ( المعصية – العذاب – يوم عظيم ) .     
الملاحظ في الاية الكريمة , عدة نقاط نذكر منها :
1-    معصية الله جل وعلا , هي المسبب للخوف من العذاب في يوم القيامة ( يوم عظيم ) .
2-    ان الرسول الكريم محمد (ص واله) لا تصدر منه المعصية , لذا فمن المستبعد ان يكون معنيا بنص الاية الكريمة , وبذلك يكون معناها وايرادها على نحو ( اياك اعني , واسمعي يا جارة ) .
 
مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ{16}
الاية الكريمة مكملة لسابقتها , الا انها سلطت الضوء على الجانب الاخر من يوم القيامة , الا ان الملفت للنظر فيهما , ان سابقتها الكريمة ذكرت العذاب , وذكرت سببه ( المعصية ) , اما الاية الكريمة ذكرت الفوز المبين , واضمرت اصحابه , وشروط نواله , طالما وان موجبات حلول العذاب المعاصي , لابد ان تكون مستلزمات الفوز المبين اجتنابها ! . 

وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ{17}
اوجزت الاية الكريمة موارد ( الضر و الخير ) , ونسبتها له جل وعلا , يصيب بها من يشاء من عباده , للبلاء والاختبار , للانتقام والعذاب , حسب ما تقتضيه حكمته عز وجل .

وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ{18}
تضمنت الاية الكريمة ثلاثة اسماء من اسمائه عز وجل الحسنى :
1)    (  وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) : الموضوع الرئيسي .
2)    (  وَهُوَ الْحَكِيمُ ) : في شؤون خلقه , فيضع الاشياء في مواضعها , حسب ما تقتضيه الحكمة الالهية .
3)    (  الْخَبِيرُ ) : الخبير ببواطن وظواهر الاشياء .     
يلاحظ في الاية الكريمة عدة امور , نذكر منها :
1-    (  فَوْقَ عِبَادِهِ ) : ليست بمعنى فوقية المكان , بل بالمعنى الذي يليق بجلاله عز وجل .
2-    منطوق الاية الكريمة , ان ربا يتصف بهذه الصفات , يجب ان يؤمن به , وتخضع له الكائنات .  

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{19}
يذكر السيوطي في تفسير الجلالين , ان سبب نزول الاية الكريمة ( ونزل لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائتنا بمن يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروك ) , فنزلت الاية الكريمة ردا عليهم , ونستقرأها في عدة نقاط :
1)    (  قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) : لا شهادة اجل واسمى , افضل واكبر من شهادته عز وجل .
2)    (  وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) : يلاحظ في النص المبارك امرين جديرين بالوقوف عندهما :
أ‌)    ذكر النص المبارك هدفا من اهداف القرآن الكريم (  لأُنذِرَكُم بِهِ ) .
ب‌)    القران الكريم ليس حجة على العرب والمسلمين فقط , بل (  وَمَن بَلَغَ ) من وصل اليهم من الامم الاخرى , ولا يقتصر على الانس فقط , بل يشمل الجن ايضا .     
3)    (  أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى ) : ما اتخذوا من معبودات بأشكال مختلفة ( اصنام – ظواهر جوية – وغيرها ) .
4)    (  قُل لاَّ أَشْهَدُ ) : رفض لكل ما يعبد سواه سبحانه وتعالى .
5)    (  قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ ) : الله جل وعلا واحد احد , لا شريك له ولا ند .
6)    (  وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) : البراءة موضوع لابد منه , فعلى المؤمن ان يتبرأ من اثنين :
أ‌)    البراءة من المشركين والكفار .
ب‌)    البراءة من كل ما يعبد من دون الله جل وعلا .         

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ{20}
تكشف الاية الكريمة , ان اهل الكتاب يعرفونه (ص واله) , كما يعرفون ابنائهم , الاب يعرف أبناءه جيدا , ولا يمكن ان يصدر الاشتباه منه بهم , ومحمد (ص واله) موصوف بكافة نعوته في كتبهم , لكنهم مالوا الى اهوائهم , فلم يؤمنوا به , لاسباب كثيرة , نذكر منها :
1)    انه (ص واله) من امة العرب , وكانوا يتمنون ان يكون من اممهم .
2)    عرف اهل الكتاب ببغضهم وحقدهم على العرب , حتى انهم احلوا دمائهم واملاكهم .
3)    عرف عن اهل الكتاب رفضهم لكل ما جاء به انبياءهم ورسلهم , لانه لا ينسجم مع ما تهوى انفسهم , لذا فعدم الايمان بمحمد (ص واله) ليس بالامر الجديد ! .  

 

الموضوع السابق زحف الشكر.. جريدة صدى الروضتين

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat