صفحة الكاتب : ماجد عبد الحميد الكعبي

الى الشاعرة الكردستانية /عضو البرلمان العراقي : بريزاد برواري
ماجد عبد الحميد الكعبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في البدء لا بد من الثناء على الشاعرة لتكرّمها بالرد على ما زعمته انه (مقال اتهجم ) فيه على الاخوة الكرد ، فأقول : من دواعي سروري  ان تردّ على مقالي شاعرة وبرلمانية كردستانية تحمل كل هذا الوعي والثقافة بالتحليل والتأويل وحسن التأمل ، فهي بحق  اصدق مثالا على نموذج القارئ العليم والذكي والفطن والضمني والغيبي  ، لانها استطاعت تفكيك النص بعقلية رزينة ونظرة ثاقبة في ادراك المعاني العميقة قبل السطحية للنصوص  بحيث قلبت كل المعاني والمفاهيم رأسا على عقب ، فخلقت بذلك صنفا جديدا من القرّاء لم يعرفهم (ياوس) في جماليته ، ولم يعرّج عليهم ( ايزر) في ضمنيته ، ولم يحط بهم علما الروائي الايطالي (ايتالو كالفينو) بروايته ، بل لم يمر ذلك بخلد( فرجينيا وولف) عندما ألّفت كتابها ( القارئ العادي) ، ولكن عتبي عليها يأتي بسبب تشبيه الكاتب بواحد من عتاة الأعراب والذين جعل الكاتب كشف ثقافتهم وتعريتها من اشد اهتماماته في القراءة والكتابة ، لان ثقافة الأعراب  اساءت للعرب والمسلمين على حد سواء.

وبعد هذه المقدمة المدحية ، ارى من واجبي توضيح سوء الفهم الذي رافق قراءة المقال ( على الرغم من انني قلت في مكان سابق : ان المؤلف ليس مسؤولا عن جهل القارئ) ، لكني الان امام جهل مركّب ، فلا حول ولا قوة ولا مناص من الشرح والتفسير  مع شيء يسير من التأويل.

يبدو ان علامات الترقيم لا تشغل اهتمام كثير من القراء الذين تغريهم  لغة العنونة الاعلامية  البرّاقة والعبارات الخاطفة للأبصار، فتسقط انظارهم مباشرة على ما يثير الحفيظة المخزونة من الاحكام المسبقة في دواخلهم ،  (وهنا لا يزعم الكاتب انه  لم يقصد بذلك العنوان اثارة القارئ وتحفيزه) ، فالعنوان كان مشاكسا ومستفزا ، لكن هذا العنوان – ايضا - يكشف بسهولة صاحب الاحكام المسبقة ، لان القارئ المؤدلج  يستجيب تلقائيا لذلك التحفيز ودون وعي منه ، بسبب ذلك التراكم للأحكام المسبقة والتي تسهم في تعمية البصيرة فلا يلتفت الى التشكيل الكلي للنص  سواء أ كان هامشا او علامات ترقيم والتي قد  تشكل بؤرة دلالية اكثر وقعا على الوعي مما يعكسه المتن نفسه. لقد جاء عنوان المقال  بالرسم الاتي : ( الاكراد..هم أعراب الفرس !) ، فالعنوان مذيّل بعلامة التعجب ، فالكاتب كان متعجبا من تلك المقولة ومندهشا كيف يكون للفرس أعراب ؟ ،  كما تعجب التابعي مجاهد عند سماعه بتلك القصة من الصحابي عبد الله بن عمر. ومن هنا فالتعجب يحتمل المعنى المضاد اذا ما اتحد مع المعنى العام للنص والذي يشخص سلبيات الأعراب من العرب ، وبتوضيح اسهل : الكاتب كان محتجا على تلك المقولة من جهة التأويل العنصري الذي تحمله ، فلماذا نحمّل الاقوام الاخرى تبعات ثقافة يعاني منها العرب ، وعندها يمكن تشكيل قول الصحابي بطريقة اخرى : ( ليس للعرب وحدهم أعراب بل الفرس ايضا لديهم أعراب ) ولا شك في ان هذا التوصيف يحمل معاني عنصرية ، اذا اردنا ان لا نحسن الظن بالصحابي ، اما اذا اردنا ان نأخذ بظاهر القول ، فنقول : ان ما يصح على العرب يصح على غيرهم ، لان المقصود بالأعراب :  كل قوم يعيشون حياة بدائية منقطعة عن التمدن و التحضر ، وهذا امر لا تختص به امة دون غيرها ، فهو امر معروف لدى كل الامم ، فالذي يسكن الصحراء  يختلف عن الذي يقطن المدن والذي يعيش في جبال السليمانية و اربيل ودهوك  يختلف عن الذي يسكن مدن السليمانية و اربيل ودهوك ، ولا يشك احد في  ان الذي يسكن في جنوب انكلترا يختلف كـ( ثقافة)  عن الذي يسكن في اسكتلندا او في جبال ايرلندا.

وبالعودة الى معجم لسان العرب يجب ان  لا يثير المصطلح  حفيظة أحد : كن متمدنا ومتحضرا تكن عربيا ( سواء أ كنت تركيا ام كرديا ، فارسيا ام صوماليا ) لان مصطلح العرب مقترن بسكان المدن .

 واليكِ ايتها الاخت الشاعرة البرلمانية الكردستانية العزيزة ما ورد في المعجم وما نقلته سابقا في مقالات اخرى ، متمنيا ان لا يُساء الفهم مرة اخرى :    قال ابن منظور مستشهدا بما حكاه الازهري الذي قال : ( رجل عربي اذا كان نسبه في العرب ثابتا ، وان لم يكن فصيحا ، وجمعه : العرب ،...ورجل أعرابي ، بالألف ، اذا كان بدويا ، صاحب نجعة وانتواء وارتياد للكلأ ، وتتبع لمساقط الغيث ، وسواء كان من العرب او من مواليهم (( سواء أ كنت تركيا ام كرديا ، فارسيا ام صوماليا ))  ..و الأعرابي اذا قيل له : يا عربي ! فرح بذلك وهش له ، والعربي اذ قيل له : يا أعرابي ! غضب له ، فمن نزل البادية ، او جاور البادين وظعن بظعنهم ، وانتوى بانتوائهم : فهم أعراب (( سواء أ كنت تركيا ام كرديا ، فارسيا ام صوماليا )) ، ومن نزل بلاد الريف واستوطن المدن والقرى العربية وغيرها ممن ينتمي الى العرب : فهم عرب وان لم يكونوا فصحاء(( سواء أ كنت تركيا ام كرديا ، فارسيا ام صوماليا )) .  وقول الله عز وجل : ( قالت الأعراب امنا ، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا : اسلمنا ) فهؤلاء قوم من بوادي العرب قدموا على النبي ، صلى الله عليه وسلم المدينة ، طمعا في الصدقات ، لا رغبة في الإسلام ، فسماهم الله تعالى الأعراب ، ومثلهم الذين ذكرهم الله في سورة التوبة ، فقال : ( الأعراب اشد كفرا ونفاقا ) .

اذن الربط واضح بين المكان والتسمية والذي بدوره يحيلنا الى علاقة التسمية بالعيش والسلوك والقيم المعروفة في المدن و الحواضر واختلافهما اختلافا واضحا عن قيم الصحراء ، وضرب الازهري امثلة تعزز ذلك الفهم عندما قال رادا على الذين لا يفرقون بين العرب والأعراب فقال : (والذي لا يفرق بين العرب و الأعراب والعربي و الأعرابي ، ربما تحامل على العرب بما تأوله في هذه الاية وهو لا يميز بين العرب والأعراب ) .

وقد اكتسب المصطلحان بعدين جديدين عندما ارتبطا بهجرة الرسول الكريم (ص) الى المدينة ، اذ يشير الازهري مرة اخرى الى الفرق الكبير بينهما بقوله : ( ولا يجوز ان يقال للمهاجرين والأنصار أعرابا ، انما هم عرب ، لانهم استوطنوا القرى العربية ، وسكنوا المدن سواء منهم الناشئ بالبدو(( سواء أ كنت تركيا ام كرديا ، فارسيا ام صوماليا )) وثم استوطن القرى ، والناشئ بمكة ثم هاجر الى المدينة ، فان لحقت طائفة منهم بأهل البدو بعد هجرتهم} تركيا او كرديا او فارسيا او صوماليا{  ، واقتنوا نعما ورعوا مساقط الغيث بعدما كانوا حاضرة او مهاجرة قيل : تعربوا اي صاروا أعرابا بعدما كانوا عربا ).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ماجد عبد الحميد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/01/07



كتابة تعليق لموضوع : الى الشاعرة الكردستانية /عضو البرلمان العراقي : بريزاد برواري
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net