صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح83 سورة الانعام
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
 
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{32}
تضمنت الاية الكريمة ثلاثة مواقف للتأمل : 
1) (  وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) : النص المبارك يعرف الحياة الدنيا على انها (  إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) , لو تأملنا جيدا , لوجدناها كذلك . 
2) (  وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) : يمدح النص المبارك الدار الاخرة , ويفضلها على الحياة الدنيا , لانها المصير الادوم بقاءا واستمرارا , عندها يكون الانسان مخيرا في عدة مجالات , له الحرية في اختيار احدها , نذكر منها : 
أ‌) ان يعمر دنياه , ويخسر اخرته . 
ب‌) ان يعمر دنياه , ويعمر اخرته في ما يرضي الله تعالى . 
ت‌) ان يخرب دنياه , ويعمر اخرته . 
ث‌) ان يخرب دنياه , ويخرب اخرته ايضا . 
3) (  أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) : الانسان العاقل سيختار الاختيار الافضل , او ما يراه مناسبا .       
 
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ{33}
تذكر الاية الكريمة , ان الرسول الكريم محمد ( ص واله) كان يحزن لتكذيب القوم له , فتطمئنه الاية الكريمة (  فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ) , في قرارة انفسهم يعلمون صدقه (ص واله) , لكن اعلان ذلك يضر مصالحهم , ويساويهم بمن استعبدوهم وترفعوا عليهم , ويدعوهم الى التنازل والتنزل عن مكانتهم في المجتمع , ويجعلهم اشخاص عاديين , وغير ذلك , (  وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ) , الجحد بمعنى التكذيب , لكن له معنى اخر في الاية الكريمة , حيث ان هؤلاء لم يكونوا يكذبون بايات الله تعالى في قرارة انفسهم , لكنهم اخفوا صدقها وحقيقتها عن الملأ , واظهروا خلاف ذلك ! .   
الملاحظ في الاية الكريمة , تأييده عز وجل لرسوله الكريم (ص واله) , بكشف ما اضمره المكذبين ( الظالمين ) . 
 
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ{34}
نستقرأ الاية الكريمة في عدة محاور : 
1) (  وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ) : تضمن النص المبارك شيئا من التسلية والتخفيف عنه (ص واله) . 
2) (  فَصَبَرُواْ ) : ما كان من اؤلئك الرسل الا الصبر على امرين : 
أ‌) (  عَلَى مَا كُذِّبُواْ ) : ما لاقوه من تكذيب القوم . 
ب‌) (  وَأُوذُواْ ) : وصبروا ايضا على ما لاقوه من انواع الاذى .         
3) (  حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ) : حتى جاءت لحظة الانتصار الرباني لرسله , حسب مقتضيات حكمته جل وعلا . 
4) (  وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ) : لا مغير لها على الاطلاق , ولكن ما هي ( كلمات الله ) ؟ , هل هو مصطلح لشيء معين ومحدد ؟ , من جانب اطلاق العموم , نلاحظ ان ( كلمات الله ) كانت لدى كافة الرسل , ومنهم الرسول الكريم محمد (ص واله) , فلابد ان تكون على مستوى معين من القداسة والاهمية , اما من ناحية الخصوص , تكون ( كلمات الله ) خاصة به (ص واله) دون الرسل والانبياء , فتكون عندها القداسة والاهمية اعظم واخطر ! . 
5) (  وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ) : لقد اطلع الرسول الكريم محمد (ص واله) على اخبار المرسلين (ع) , ولهذا الامر العديد من النواحي , نذكر منها  : 
أ‌) ذكر المرسلين وما جرى عليهم من احداث فيه شيئا من التسلية والتخفيف عنه (ص واله) . 
ب‌) العظة والعبرة للمسلمين . 
ت‌) تقوية وتعزيز الجانب الروحي والمعنوي للاسلام والمسلمين .
 
وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ{35}
الاية الكريمة من الايات التي لا يجب ان يتأملها المتأمل البسيط , من خلال معلوماته المتواضعة , وارائه القاصرة , وافكاره المتذبذبة , بل ينبغي الرجوع فيها الى اصحاب الرأي والرأي السديد . 
 
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ{36}
تضمنت الاية الكريمة وصفا دقيقا وجميلا للمؤمنين والكافرين : 
1) (  إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ) : هم المؤمنون الذين يسمعون كلامه (ص واله) سمع اعتبار وتفهم , ادراك وتبصر , يدل على انهم احياء , عندها تكون النجاة والحياة في الايمان , عكس من سواهم ! . 
2) (  وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ) : الميت هنا من لا يسمع سماع مبصر ومدرك واع , مع مثول الحقائق امامه كالشمس في وضح النهار .     
الملاحظ في الاية الكريمة , انها اختتمت بــ (  ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) , نطرح فيها اطروحتين :    
1) انها اشارت الى كلتا الفئتين , الاحياء ( المؤمنون ) و الاموات ( الكافرون ) . 
2) اشارة الى الاموات ( الكافرون ) فقط , كون المؤمن ( الحي ) مع الله تعالى متصلا به في كل حركاته وسكناته , اما يوم القيامة بالنسبة للمؤمن تمثل مرحلة انتقالية .    
 
وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{37}
تروي الاية الكريمة قول المشركين لرسول الله (ص واله) ( هلا انزل الله اية من الايات الخارقة كناقة صالح (ع) وعصا موسى (ع) , ومائدة عيسى (ع) وغيرها تكون مبرهنة لصدق نبوته (ص واله) ) , فتخبر الاية الكريمة النبي محمد (ص واله) ان يخبرهم (  قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً ) , لكن المشكلة (  وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) , نطرح اطروحتين للنص المبارك :  
1) (  وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) : ان تنزيل الايات يكون وفقا لمقتضى حكمته عز وجل . 
2) (  وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) : اذا انزلت اية وكفروا بها , ستكون سببا لهلاكهم , كما اهلك الذين كفروا بالايات السابقة ! . 
 
وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ{38}
نستقرأ الاية الكريمة في عدة نقاط : 
1) (  وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ) : للنص المبارك الكثير من الاطروحات , البعض منها نجده في اراء المفسرين , واخرى نجدها في العلوم الحديثة , فما على المتأمل الى ان يتابع ويبحث , ليكتشف المعاني السامية للنص المبارك ! . 
2) (  مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) : لم يترك الله عز وجل شيئا الا وبينه , ووضع له ابعاد وحدود خاصة , و موازين وقوانين تحكمه . 
3) (  ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) : يشير النص المبارك , الى ان يوم القيامة يشمل جميع الكائنات الحية , العاقلة كالانس والجن , والغير العاقلة كالدواب والطيور وغيرها .     
 
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{39}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة مواقف : 
1) (  وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ) : يشبه النص المبارك الذين كذبوا بآيات الله تعالى بأنهم (  صُمٌّ ) عن سماعها سماع قبول واتعاظ , (  وَبُكْمٌ ) لا يمكنهم النطق بالحق والحقيقة , (  فِي الظُّلُمَاتِ ) الكفر , لك ان تتخيل انسانا اصم وابكم في ظلمة دهماء , ماذا سيفعل ؟ , وستلاحظه كيف يتخبط  ! . 
2) (  مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ ) : في الواقع , ان جهنم نار مستعرة , موقدة ومتقدة , وتحتاج الى وقود , ليستمر لهيبها واتقادها , ولا يكون الوقود الا ممن اضله الله تعالى والحجارة كما اشارت الاية الكريمة { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }البقرة24  
3) (  وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) : يلاحظ في النص المبارك عدة امور للتأمل , نذكر منها : 
أ‌) (  وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ ) . 
ب‌) (  عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) : لحرف الجر ( على ) خصوصية في هذا المكان , ولو استخدمنا حرف الجر ( في ) لتغير المعنى .  
ت‌) (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) : كلمتا  ( صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) غير معرفتين , ولو ادخلنا ( ال ) التعريف , لتغيرت معاني النص المبارك المنشودة .                 
 
قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{40}
الاية الكريمة في مورد المثل قبل وقوع الاحداث , تخبره (ص واله) ان يقول للمشركين , اذا جائكم عذاب الله او قامت القيامة , هل ستدعون آلها غير الله عز وجل , ليدفع عنكم العذاب والاهوال , الفزع والهلع , الرعب والرهبة ؟ , (  إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) , ان كنتم صادقين فيما تدعون لالهتكم التي تعبدونها من دون الله تعالى , وتنسبون لها جلب النفع ودفع الضر ! .    
 
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ{41} 
تخبر الاية الكريمة المشركين , انكم ستدعون الله تعالى في ذلك الموقف , وتـنسون ( من شدة الفزع ) اصنامكم والاوثان , وله عز وجل ان يكشف العذاب ويهدأ الروع عمن يشاء .
 
وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{42}
تروي الاية الكريمة لرسول الله ( ص واله) , انه عز وجل قد ارسل رسله الى الامم السابقة , فكذبوا الرسل , فسلط  الله عز وجل عليهم البأساء ( شدة الفقر والبلاء وضيق المعيشة ) , والضراء ( المرض والالم ) , لعلهم يبتهلون متذللين لله تعالى , وينيبوا اليه ! .  
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/01/13



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح83 سورة الانعام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net