صفحة الكاتب : د . حامد العطية

هل حرض المالكي متظاهري الأنبار؟
د . حامد العطية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  اتصور المالكي جالساً بين أعوانه ومريديه، في مقره المنيف داخل المنطقة الخضراء، ينعم بكافة وسائل الراحة والترف، وقد انحسر القناع الجامد من على وجهه ليكشف عن ابتسامة، ولعله يفرك يديه ابتهاجاً بمنظر المظاهرات المؤيدة في العاصمة وغيرها من مدن الجنوب، وهو قبل اسابيع لم يكن يحلم بهذا التأييد العارم في الشارع الشيعي، وهو يدري وكلنا ندرك بأنه لولا مظاهرات الأنبار وشعاراتها الطائفية المقيتة ومطالبها الوقحة الفجة لما استطاع حشد عشر هذا العدد من المؤيدين في الشارع.

     نوري المالكي هو أحد المحرضين لمظاهرات الأنبار وغيرها من مناطق السنة، وهو يقف صفاً واحداً مع بقية المحرضين، وأولهم التركي العنصري أردوغان وحكام قطر والسعودية، ولكن مع اختلاف الغاية والوسيلة والادراك، فمن المؤكد بأن المالكي لم يتقصد تحريض السنة على التظاهر ضده، بينما بقية المحرضين متهمون بذلك مع العمد والترصد، وغاية الأتراك والقطريين والسعوديين وأدواتهم في العراق والمنطقة من التحريض هو ادخال العراق في أزمة طائفية تفضي لصراع دموي يأملون بنهايته لصالحهم ويكفل لهم بسط نفوذهم على العراق وضمه إلى محور الاعتدال المتهادن مع أمريكا والكيان الصهيوني وربما افراغه من معظم سكانه من الشيعة.

     يذكرني المالكي بسياسي بريطاني، لا يذكره كثير من مواطنيه بالخير، ففي 1937م انتخب نيفيل تشامبرلن رئيساً لوزراء بريطانيا، وهو المعروف بسياسة الإرضاء appeasement مع النظام النازي ورئيسه أدولف هتلر. في 1938م ضم هتلر النمسا التي أصبحت  مجرد مقاطعة ألمانية، وغضت بريطانيا الطرف عن الأمر الواقع، وفي ايلول من نفس العام رضخ رئيس الوزراء البريطاني لإملاءات هتلر مؤيداً مطالبته تشيكوسلافاكيا بالتنازل لألمانيا عن مساحة شاسعة من أراضيها بدعوى أن سكانها ذوي أصول ألمانية، وكان المبرر الذي تعذر به رئيس الوزراء البريطاني هو درأ نشوب حرب أوروبية مدمرة، ولكن ما حصل هو العكس بالضبط ، إذ حفزت التنازلات مطامع هتلر للهيمنة على أوروبا بأكملها، وبعد عام بالضبط احتلت الجيوش الألمانية بولندا وبدأت الحرب العالمية الثانية، فما أشبه المالكي بالبريطاني تشامبرلن.

    حرض المالكي متظاهري السنة، من غير قصد، وبطريقة غير مباشرة، والأدلة على ذلك واضحة في سجل المالكي الحافل بالتنازلات. أول مطر سوء التنازلات كان إلغاء قانون اجتثاث البعث، ثم توالت التنازلات المهينة لمنصب رئاسة الوزراء والشيعة أجمعين، ونكتفي بذكر بعض الأمثلة من الأمس القريب، فالمالكي تنازل لأهل الأنبار عندما ألقت قواته القبض على متهمين بالإرهاب فتوعد أحد شيوخ الأنبار بقطع أيدي المسؤولين عن ذلك فأذعن واستسلم المالكي وأفرج عن المتهمين، كما يدرك أهالي الأنبار وممثلوهم في البرلمان والوزارة بأن سلطة وهيبة رئاسة الوزراء وبسبب المالكي في الحضيض، وهو وجماعته يقرون بذلك في شكواهم المتكررة من عدم قدرتهم على تمرير مشاريع القوانين ومن أن حبل الوزارات غير التابعة لحزب الدعوة على الغارب، حتى أن بعض هؤلاء الوزراء في حكومة المالكي لا يكترثون للأوامر والقرارات الصادرة من مجلس الوزراء، ويفعلون ما يشاؤون.

    لكن الاختبار الأكبر والأخطر للمالكي جاء على يدي برزاني، الذي تحدى السلطة المركزية، واصر على بقاء قواته في ما يسمى بـ"المناطق المتنازع عليها"، وهذا المصطلح المتداول دليل كاف بحد ذاته على أفول السلطة المركزية، وعندما نضيف إلى الصورة القاتمة تعدي قادة الأكراد على الموارد النفطية والرد الهزيل للمالكي على هذا التحدي  نتيقن بأن الدولة العراقية كما نعرفها اضمحلت بالقوة والفعل  de facto  في عهد المالكي ولم يبق للأكراد الإنفصاليين سوى اختيار الوقت المناسب ليعلنوا دولتهم المستقلة قانونياً.

     أمام المالكي فرصة ضئيلة لتدارك الموقف قبل تدهور الوضع،  تتطلب منه موقفاً شجاعاً وجريئاً، واستعداداً للتضحية بمكاسب آنية مقابل فوائد أعظم له وللعراقيين كافة على المدى الأبعد، والمطلوب تحديداً اجبار قوات البشمركة بالتهديد والإكراه إن تطلب الأمر على التراجع عن كافة المناطق التي تمددوا فيها خارج محافظتي السليمانية وأربيل وتولي الحكومة المركزية مهام إدارة وتصدير الموارد النفطية في الشمال بصورة كاملة ومباشرة، ولو كلف المالكي ذلك التصويت بعدم الثقة على حكومته، فليكمل المهمة أثناء قيامه بمهام رئاسة وزارة تصريف الأعمال.  فقط عندما يدرك برزاني وأمثاله بأن رهانه على ابتزاز رئاسة الوزراء والساسة الشيعة قد خاب سيعود لصوابه ويرضى باستحقاقه الدستوري، حينئذ ستنتهي تلقائياً مظاهرات الأنبار، أما الحل النهائي لمنع تكرار مثل هذه الأزمات فيكمن في تعديل الدستور بإعادة النظر في مفهوم وتطبيق الفدرالية وإلغاء الطائفية السياسية والتحاصص وحكومات التوافق الوطني والاهتمام بتلبية احتياجات العراقيين الملحة للتنمية والوظائف والخدمات الراقية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حامد العطية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/01/15



كتابة تعليق لموضوع : هل حرض المالكي متظاهري الأنبار؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net