صفحة الكاتب : اياد السماوي

على خلفية قرار المحكمة الاتحادية العليا القاضي بربط الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء
اياد السماوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من الطبيعي جدا أن يكون احتمال خطأ المجموعة أقل بكثير من احتمال خطا الفرد , ولذلك فإن القرارات المتخذة بشكل جماعي هي الأقرب للصواب من القرارات المتخذة بشكل فردي , ولا أحد يمكنه القول إن المجموعة معصومة من الخطأ أو أنها لا تتأثر بالعوامل والظروف التي تحيط بها . بل إن الأكيد هو أن قرارات المجموعة هي الأقل تأثيرا بالعوامل والظروف التي تحيط بها .
ومن خلال هذه المقدمة نريد أن نسلط الضوء على قرار المحكمة الاتحادية العليا الأخير القاضي بربط الهيئات المستقلة ذات المهام التنفيذية بمجلس الوزراء العراقي , حيث أن هذا القرار جاء بناءا على خطاب ورد إلى المحكمة الاتحادية العليا من رئيس الوزراء السيد نوري المالكي , يطلب منها رأي المحكمة بتحديد مرجعية هذه الهيئات المستقلة كالمفوضية العامة للانتخابات وهيئة النزاهة العامة وديوان الرقابة المالية وهيئة الإعلام والاتصالات وغيرها والتي كانت تخضع لرقابة البرلمان .
وأثار هذا القرار ردود أفعال لدى جميع الكتل السياسية , حتى إن بعضها وصف هذا القرار بالانقلاب على الديمقراطية , والبعض الآخر اعتبره محاولة من رئيس الوزراء لبسط سلطته على هذه الهيئات التي تتميز بطبيعة عملها الرقابي على الحكومة العراقية , كما إن بعض الأوساط السياسية تعتقد إن رئيس الوزراء افتتح عهده الجديد بمشكلة خطيرة تنذر بصراع جديد , فيما يبدي مجلس النواب موقفا متشددا داعيا إلى التشكيك بشرعية المحكمة الاتحادية العليا , لأنها لم تتشكل بقرار برلماني , إنما بقرار جمهوري , وليس من حقها بصيغتها الحالية إصدار قرارات دستورية .
فعندما يحصل مثل هذا الخلاف القانوني , فلابدّ لكل الأطراف من الرجوع إلى الدستور باعتباره المرجعية العليا لكل السلطات , والدستور العراقي خصص الفصل الرابع من الباب الثالث وأدرجه تحت أسم الهيئات المستقلة وخصص له سبعة مواد يهمنا منها المادة 102 والمادة 103 من هذا الدستور , والتي تتعلق بموضوع الخلاف .
فالمادة 102 من الدستور تقول (( تعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا للانتخابات وهيئة النزاهة , هيئات مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب وتنظم أعمالها بقانون )) , ولم يحدد الدستور مرجعية هذه الهيئات ماليا وإداريا , بينما في المادة 103 من هذا الدستور وفي الفقرة أولا أعتبر كل من البنك المركزي العراقي وديوان الرقابة المالية وهيئة الإعلام والاتصالات ودواوين الأوقاف , هيئات مستقلة ماليا وإداريا , بينما جاءت الفقرة ثانيا من المادة 103 مبهمة وغير واضحة حيث لم تحدد طبيعة ارتباط المفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا للانتخابات وهيئة النزاهة بمجلس النواب, أما الفقرة ثالثا من هذه المادة فقد جاءت متناقضة تماما مع الفقرة أولا من نفس هذه المادة والتي اعتبرت أن دواوين الأوقاف هيئات مستقلة ماليا وإداريا .
خلاصة القول إن هذه المشاكل والخلافات الدستورية سببها الأساس هو الدستور العراقي وليس المحكمة الاتحادية العليا , والقول بعدم حيادية هذه المحكمة وانحيازها , هو قول مجحف ويحتاج إلى دليل واضح , هذا لا يعني أن هذه المحكمة معصومة من الخطأ , لكن الدستور العراقي هو سبب كل هذه المشاكل , فالطريقة التي كتب بها هذا الدستور المشوه والقوى السياسية التي عهد إليها بكتابة هذا الدستور هي التي تتحمل المسؤولية كاملة عن كل مشكلة ظهرت أو ستظهر مستقبلا . وهذه ليست المشكلة الأولى في هذا الدستور , والجميع يتذكر مشكلة الكتلة الأكبر في البرلمان والخلافات التي حول النفط أو حول صلاحيات الأقاليم أو حول المواد 140 و 142 من هذا الدستور , فكل هذه المشاكل وهذه الخلافات مردها طبيعة مواد الدستور العائمة والمبهمة والتي تحمل أكثر من معنى وأكثر من تفسير . وفي تقديرنا إن هذه المشكلة قد أضافت مشكلة دستورية جديدة , إضافة إلى المشاكل المعروفة , مما يستوجب الدعوة لإعادة كتابة هذا الدستور بطريقة وأسلوب مختلفين عن الطريقة والأسلوب الذي كتب بهما .
وعودة إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي ربط الهيئات المستقلة ذات المهام التنفيذية بمجلس الوزراء وردود الأفعال التي نتجت عن هذا القرار , فنحن لا نرى إن هذا القرار سواء كان صحيحا أو خاطئا من الناحية القانونية وهذا متروك لفقهاء القانون وخبرائه , منحازا لرئيس الوزراء أو إنه محاولة لبسط سلطاته على هذه الهيئات المستقلة , فرئيس الوزراء هو صوت واحد من أصوات مجلس الوزراء الذي يضم كل الوزارات , وهذه الوزارات تضم كل الكتل السياسية في البرلمان العراقي وبالتالي فكتلة رئيس الوزراء لا تمثل كل مجلس الوزراء , فإذا كان الأمر كذلك فعلام هذه الضجة ؟ وهل يستطيع السيد رئيس الوزراء أن يفرض رأيه على مجلس الوزراء ؟ وهل سيمنع هذا القرار مجلس النواب من ممارسة سلطاته الرقابية على هذه الهيئات المستقلة ؟ وهل سيخدم التشكيك بشرعية المحكمة الاتحادية العليا القضاء العراقي المستقل ؟
ختاما نقول إن هذه المشكلة الدستورية قد أعادت إلى الواجهة أهمية إعادة كتابة الدستور العراقي من جديد وبأيادي مهنية وقانونية تضمن إزالة كل هذه التناقضات والألغام التي زرعت فيه لأسباب قومية وطائفية , وكتابة دستور يضمن وحدة هذا البلد أرضا وشعبا .
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اياد السماوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/26



كتابة تعليق لموضوع : على خلفية قرار المحكمة الاتحادية العليا القاضي بربط الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net