صفحة الكاتب : د . آمال كاشف الغطاء

الطريق إلى مكه
د . آمال كاشف الغطاء

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الطريق من المدينة إلى مكة ست ساعات  موحشاً مقفراً خالياً من نبض الحياة يمتد حتى نهاية الأفق وزاد الليل من تجهم المكان فقد جثم على الصحراء ولفها بردائه ولكن السماء أبت الرضوخ للظلام فقد كانت صافية تزينها النجوم هذه النجوم التي افتقدتها منذ أيام طفولتي عندما كنا ننام في سطح الدار نتطلع نحو السماء بأفقها الرحب وأتساءل وأنا طفلة عن السر الكامن وراء هذا كله هذا اللغز الذي لم يجد لدي حلاً سوى أيماني بالله . كان الكل يفكر في عناء الساعات الستة ولكن هنالك سؤال أخر دار في مخيلتي وعصف بأفكاري فقبل ألف وأربعمائة سنة أجتاز هذه الصحراء المتمردة على أرادة الإنسان وهذه التلال التي تشكل عائق طبيعي للسير والجبال بصخورها الناتئة وأخاديدها العميقة سار ليتحدى الزمن والتاريخ والتوحش والنزعات البشرية المدمرة أجتازها دون كلل وملل ليرسم للبشرية طريقاً أخر أنه الإنسان عندما يرتقي إلى أعلى مصاف الكمال لقد أنطلق من مبدأ أن مصالحه مرتبطة بمصالح الآخرين ولا تنفصل عنها هؤلاء هم العظماء الذين مصالحهم لا تفترق عن مصالح الآخرين في طعامهم في معيشتهم في مستقبلهم ولذلك قارع دون خوف ووجل بقوة أرادة لا تلين الطبيعة الضارية لأفراد تعج بهم الحياة مصالحهم فوق كل شئ كانوا يتجولون في الصحراء ينظرون إلى دقائق الرمال وهي تتجمع لتأخذ أثار الأقدام يحملون الرماح  ليطفوا النور الذي يريد أن يشق حجب الظلام كانت أعينهم تشع ببريق متوحش مخيف .

كنت أسير الطريق وكل هذا يجول في مخيلتي لقد رأيته عظيماً مجيداً رغم أني جردته من القداسة أردت أنظر إليه على أنه خارج التاريخ والزمن من عوالم أخرى .

 كانت السيارة تسير وكأني أتلمس موطأ قدم الناقة وهي تحمل صاحب الصوت المدوي (لا تخف أن الله معنا) ألهمتني هذه العبارة الشيء الكثير بأن الانتماء إلى الكون إلى الإنسانية إلى الله رب العالمين وليس رب فئة محددة لقد وصفه المؤرخون بأنه أعظم العظماء لأنه أمن برب العالمين رب القبائل والشعوب ليتعارفوا ليعملوا معاً من أجل الوصول إلى الجنة التي تعني العيش بسلام ومحبة وتقاسم الثروات دون امتياز لأحد على آخر . واجه قصور الأكاسرة وتيجان الروم وأعمدة هرقل بالمسجد الذي بناه من سعف وطين ليكون الانطلاقة نحو عالم يمتد من المحيط الأطلسي إلى أقاصي الصين .

عندما دخلت الكعبة ثارت الأسئلة داخلي لماذا أقدس هذا المكان ؟ ما هو السر الكامن فيه ؟ كيف توحدت هذه الجموع البشرية في تقديمها فروض الطاعة له .لا بد أن الكل يعلم أن هذا البناء البسيط تغلب على فيل أبرهة ومنجنيق الحجاج وهلوسة القرامطة 

من قراءتي للتوراة استنتجت أن اليهودية وصفت بعداً هرطقيا تبرر به هجرة هاجر وابنها إسماعيل (ع) وان الدافع غيرة سارة منهما ولكن النبي إبراهيم (ع) كان يعرف أن هذه المهمة لا يمكن أن تقوم بها سارة لكبر سنها ولم يكن غير هاجر اهلا لتقوم بهذا العبء ثم أن بناء بيت الله يجب أن يتم بعيداً عن الأموريين والكنعانيين والأرامين. هذه الأقوام الموغلة بالوثنية رأيت الكعبة وهي قائمة وسط صحراء خالية من الحياة تحيطها الجبال لتصمد أمام التاريخ وبعيداً عن أطماع فارس وهجمات الأحباش الضارية وتغلغل أصحاب القلاع ورؤوس الأموال .

على الرغم من أن المكان خالي من النقوش والرسوم والألوان والمنحوتات والزخرفة التي نراها في القصور القديمة والمعابد ونتطلع أليها لنرى آيات الفن القديم ولكن ما يميز المكان جلالته ومهابته وشموخه وأنه أقوى من كل أصحاب التيجان والعروش والأفكار الطوبائية والنزعات المادية . هنالك شعور لا يعرف كنهه يدفعك للجلوس دون كلل وملل مأخوذة بالمعاني الكامنة فيه أنه يدعونا إلى نهتم بالصورة بدلاً من الإطار والكتاب بدلاً من الغلاف والمضمون بدلاً من الموضوع 

أن الجموع البشرية التي تطوف حول الكعبة المشرفة تنتمي إلى أمم شتى تختلف في لغتها في طموحاتها في جغرافيتها السياسية في ملامح الوجه كأفراد لهم سمات طيبة فالاندنوسيون كنت أتحدث معهم كأفراد ودودين هادئين الجزائريون يتصفون بالخلق الطيب والحب للكل ما هو عربي وخاصة العراق. السوريون الأخلاق الرفيعة والود المتبادل ولكن الأمر يكون مختلفاً في حال الطواف حول البيت حيث يسود العقل الجمعي ويصبح الهدف أن يبقى ضمن مجموعته ليواصل أداء طقسه دون اهتمام بما يتلقاه الأخر من ضربات هنا يجب أن نتذكر (رب العالميين) وأن حكمة الإسلام توحيد الجموع البشرية التي عجز عنها الأسكندر وأتلا وجنكيزخان هو أن يطغي شعور المحبة وتوجيه وعقلنه العقل الجمعي 

لقد شعرت بالأسى والألم فقد كان الكثير من الجموع البشرية تفترش الأرض ببطون خاوية وعظام صدر ناتئة ووجوه كالحة مكفهرة وملابس شبه مهترئة كانوا يشكلون أغلبية. أنه العالم الإسلامي الذي ينعدم فيه عدالة توزيع الثروات هؤلاء وقود للثورات البائسة والكلمات البراقة والنفوس المتطلعة نحو السلطة والمجد 

هؤلاء البشر يملكون حقوق كثيرة منها 

حق الموت بسبب المرض السجن التشرد 

حق العيش تحت حد الكفاف 

حق المرض دون الرعاية الكافية 

حق الجهل لعدم توفر آليات التعليم 

حق الذهاب إلى حروب لا معنى لها ولا غاية 

كنت أتساءل أين منظمة الدول الإسلامية إلا يمكن وضع صندوق مالي إسلامي لمساعدة هؤلاء السئ الطالع أليس من الأفضل أن نساعد هؤلاء بدلاً من أنفاق الأموال على مؤتمرات واجتماعات جانبية لا فائدة من ورائها ؟.

متى يتعود الفرد المسلم أن لا ينام على الأرض مع زوجته وأطفاله ؟

الشعوب الإسلامية المرفهة هي الماليزية والأندنوسية والإيرانية أما العراقي فيعتقد أنه يخرج من العراق ليتلقى معاملة أخرى ولكن ليس هنالك سكن جيد والطائرات الأردنية هي الأخرى تستهين بالعراقي من ناحية الزمن والباصات التي كأنها علبة سردين وكأن العراقي حكم عليه أن يسير المسافات تلو المسافات ليصل إلى الطائرة . ويذكرني بقول أمرئ القيسي  

     كأني لم أركب جواد للذة     ولم أتبطن كاعب ذات خلخال

     ولم اسبأ الزق الروى         ولم أقل لخيلي كرى كرة بعد اجفال 

 العراقي صاحب التاريخ العريق الذي أحتضن الجميع وقدم للجميع يعامل بمهانه .التقيت بأفراد سعوديين ولهم هدف هو توفير الراحة للحاج على الرغم من أن هذا أضر بهم فتوسيع الحرم أدت إلى استيلاء الدولة على ممتلكاتهم وبالتالي تعويضهم ولكن هذا لا يكفي فهناك ورثة والمال يقسم على الورثة والفرد لا ينال ما يكفي لإقامة دار ولكنهم يعتقدون أن من واجبهم المساهمة مع الدولة ومساندتها في توفير الراحة للحاج أن الفرد السعودي ودود ومحب ويرحب بالعراقي دون أن يبالي بأنه يختلف معه في المذهب فالمبدأ نحن (عرب إسلام) سألني أحدهم هل لديكم مصحف آخر أجبت بالنفي قال هل هذه تقية أقسمت بأن من يدعي ذلك فاسق والآية الكريمة (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) صدق الله العلي العظيم     


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . آمال كاشف الغطاء
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/03/28



كتابة تعليق لموضوع : الطريق إلى مكه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net