صفحة الكاتب : بشرى الهلالي

دعوة حمّال
بشرى الهلالي
وهو يسقط أرضا، زحفت الاصوات بعيدا عنه واختلطت في ضجيج سافر أبعد من مدى سمعه، بينما لمحت عيناه سماءً تخللت زرقتها الصافية خيوط شمس راحت تتلاشى امام هجوم سواد البارود. فكر في انه لم يرنو الى السماء ولم يستشعر دفء الشمس ولا نورها منذ زمن طويل برغم أنه يذرع هذا الشارع يوميا، فقد اعتادت عيناه النظر الى الأرض تحت ثقل الاحمال التي ينوء بها ظهره. تلمست يده الجرح فغمرتها حرارة الدم وشعر ببعض الراحة، أخيرا.. وجدت مثانته الفرصة لتتخلص من حملها حين اختلط البول بالدم.. فمنذ الصباح الباكر وهو يحبس حريتها حتى تورمت غضبا فثارت عليه في لحظة انفجار. في الليلة الاخيرة التي قضاها في المستشفى قبل ان يغادر حياة الشقاء، نطق كلماته الاخيرة أمام ولده: الحمد لله الذي جعلني اذهب فداءً للملك ونائبه ووزراءه بل وحتى معارضيه (بيّ ولا بيهم). رحل الحمّال الفقير الى الدار الآخرة، وصارت جملته حديث الناس، فسمع بذلك الملك وحاشيته بل وحتى معارضه، فقرروا تكريمه في مثواه، واستدعيت زوجته التي اضطرت لطلب عباءة الجارة للمثول بين يدي الملك وهي تحلم بشراء عباءة جديدة بالهبات التي ستغدق عليها، رافقها ابنها صامتا، وكان ان انهالت الاموال على عائلة الفقيد الذي حمد الله ان الانفجار اصابه ولم يطال اي فرد من افراد الحكومة. وسارعت وسائل الاعلام لنشر الخبر، فكرم الحكومة ليس له حدود عندما يتعلق الامر بمن يفديها بحياته. وكان السؤال الاول الذي سال له لعاب الاعلاميين هو: لماذا؟ هل حقا أحب هذا الحمّال الفقير حكومته لهذا الحد حتى يحمد الله على تناثر أشلاء جسده بدلا عن افرادها، ام انه كان يطمع في تكريم عائلته من بعده وانتشالهم من الفقر؟
 وبالطبع.. لم يكن الحمّال واثقا من حصول عائلته على التكريم، اذن ما السبب؟ أجاب الابن الصامت بابتسامة ساخرة: كان أبي لا ينام ليلة دون أن يسب الحكومة ويلعن كل أيامها، فهو كان يشقى طيلة النهار ونشقى معه للحصول على خبز يومنا. بهت الاعلاميين من هذا الجواب غير المتوقع. إذن؟ أجاب الابن بسخرية أكبر: قبل موته في المستشفى العام أسر لي أبي بسر دعواه وقال: من غير العدل أن أتمنى للملك ووزراءه ومعارضته هذا المصير، فما فعلوه بنا أكبر من أن ينهي حياتهم انفجار ليموتوا ميتة سهلة، بل دعوت الله على ان يبقيهم محصنين ضمن أسوارهم ليشهدوا يوما أكثر سوادا كما حصل للعديد من قبلهم.
كان جواب الابن أشبه بصاعقة سقطت على رؤوس الاعلاميين، فكيف ستنقل كاميراتهم وكلماتهم هذا الجواب الذي لو عرفته الحكومة فقد تجعل ايامهم أكثر سوادا من حبر أقلامهم. وحاولوا الحصول على جواب يشفي غليلهم من الابن الذي كان يستمتع بنظرات الرعب في أعينهم، لكن لماذا؟ أجاب: انه الحقد.. ألم تفكروا يوما بالحقد الذي ينمو في قلب الفقراء وهم يجودون بكل ما يملكون (دماؤهم) بينما تبخل عليهم حكوماتهم وهي ترفل بخيراتهم حتى بحقهم في الحياة؟!
ساد الصمت على الحاضرين ولم يجدوا سؤالا ينقذهم من حيرتهم بينما تحررت دمعة من عين الابن لأول مرة وهو يشعر بزهو النصر...
 
ملاحظة: هذه فكرة قارئ صديق فقد ساقه في انفجار.. فلم يعد يملك الا الحقد!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بشرى الهلالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/04/03



كتابة تعليق لموضوع : دعوة حمّال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net