صفحة الكاتب : فلاح السعدي

عاش خادما ومات سيدا
فلاح السعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
شبيه نبي الله موسى عليه السلام في قصته وعيشه وهجرته وزواجه ....
الفرع الزكي من فروع النبوة ونفحة قدسية من نفحات الإمامة وحيد عصره في صلاحه وتقواه ومحنته وبلائه بعد أخيه الامام الرضا (عليهما السلام)
ولد سنة 150هـ في المدينة المنورة على رواية يزيد بن السليط عن ابي الحكم الارمني وتوفي سنة 192 هـ في ارض سورى عند حي باخمرا حيث مرقده الطاهر ومشهده المقدس الآن بقبته الذهبية ومنائره الشاخصة وأنواره القدسية وكراماته الباهرة التي شهد بها القاصي والداني حتى لهجت بتبجيله الألسن وصدحت بمدحه الحناجر وأجلسه الناس على منبر الفخر في سويداء القلوب، هو القاسم بن الامام موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم أجمعين ) سيد عالم فاضل زاهد فقيه عابد.
أخوه الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) غريب خراسان الذي اخبره الشاعر دعبل الخزاعي بقصيدته الشهيرة بوفاة أخيه القاسم (ع) بقوله :
 
وقبر بارض الجوزجان محله ...وقبر بباخمرا لذي الغربات
 
أخته السيدة الجليلة الفاضلة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (عليها السلام) المعروفة بمعصومة قم المقدسة. أمه السيدة الجليلة تكتم الملقبة بأم البنين وهي من أهل المغرب.ابن أخيه الإمام التاسع من أئمة الهدى التقي محمد بن علي الجواد (عليه السلام) .
هاجر السيد القاسم (عليه السلام) من مدينة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) صوب العراق مع القوافل التجارية التي فارقها عند مشارف الكوفة ليسير بمحاذاة نهر الفرات قاطعاً المسافات الطوال تاركا كل قرية أو مدينة يمر بها حتى وصل إلى منطقة سورى إذ وجد بنتين تستقيان الماء فقالت أحداهن للأخرى ( لا وحق صاحب بيعة الغدير ما كان الأمر كذا وكذا فسر لسماع هذا القسم وتقدم باستحياء ليسأل التي أقسمت (من تعنين بصاحب بيعة الغدير ؟) وهذا شبيه بما مر به نبي الله موسى عليه السلام (....وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)  فسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24(...)
فأجابته انه سيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام ) عندها أطمأن قلبه وهفت نفسه لأهل هذا الحي الذي يسمى (حي باخمرا ) نسبة الى كثرة خمار الطين (وهو التراب المخلوط بالماء والتبن المستخدم في البناء والملج واللبخ ) .
فاخذ منهما السقي وسقى لهما ....
وطلب القاسم (ع) من البنت صاحبة القسم ان تدله على مضيف رئيس الحي واستجابت لطلبه قائلة (إن رئيس الحي هو أبي ) والذي رحب بدوره بالقاسم (عليه السلام) وأحسن ضيافته وانتظر القاسم (ع) حتى مضت ثلاثة أيام فبادره بقوله ( ياعم ما عُبِد الله بأفضل من العمل فهلا وجدت لي عملا يكون لي مغنماً ؟ فقد طاب لي العيش بين ظهرانيكم ) ؟
أبدى الشيخ استعداده لاستضافة السيد القاسم (عليه السلام) مدى عمره ، إلا انه أمام إصراره (عليه السلام) طلب إليه أن يختار عملا بنفسه... عندها اختار السيد القاسم (عليه السلام) أن يكون ساقيا للماء لما في سقاية الماء من اجر عظيم ولما للماء من أهمية في الحياة ولكي لا تذهبان بنات هذا الرجل المتفضل عليه لسقي الماء سترا لهن وخدمة .
فجذب السيد القاسم(ع) بورعه وتقواه وعبادته وعلمه أنظار أهل الحي وفي مقدمتهم رئيسهم الذي يوليه اهتماما بالغا.
وكان كلما تفقده ليلا وجده صافا قدميه قائما قاعدا راكعا ساجدا ونوره ساطع الى عنان السماء ثم انه يمضي نهاره صائما غالب الأيام ، لذا استقر في نفسه أن يزوجه إحدى بناته فعرض الأمر على قومه فأنكروا عليه ذلك لأنهم لم يعرفوا له حسبا ونسبا (إذ إن السيد القاسم (عليه السلام) لم يعرفهم بنفسه سوى انه سمى نفسه الغريب ) ولم يوقفهم على نسبه الشريف مخافة بطش السلطة الغاشمة , لم يكترث الشيخ لاعتراض قومه فمضى في مشيئته ليعرض أمر الزواج على السيد القاسم (عليه السلام) .
 
كن ابن من شئت واكتسب أدبا... يغنيك محموده عن النسب
 
استجاب السيد القاسم (عليه السلام) لعرض الشيخ مفضلا البنت صاحبة القسم التي دلته على مضيف أبيها يوم قدومه الحي وبهذا تشبه قصة السيد القاسم (عليه السلام) قصة نبي الله موسى (عليه الصلاة والسلام) في خروجه من المدينة المنورة وتوجهه صوب العراق ولقائه البنتين عند سقاية الماء والدلالة على البيت ثم الزواج من إحداهن .
تجتمع الروايات تقريبا على عدم وجود عقب للقاسم (عليه السلام) من الذكور فيما تشير أخرى إلى انه أعقب بنتا اسمها (فاطمة ). 
وظهرت من السيد القاسم (عليه السلام) كرامات وصفات لم تجتمع لشخص خلال وجوده في الحي فقد وفرت مياههم وزادت غلتهم وبورك في مجهوداتهم إضافة إلى ماتمتع به (عليه السلام) من حسن شمائل وطيب معشر وسمو أخلاق وغزارة علم أفاضت على أهل الحي .
ناهيك عن شجاعة السيد القاسم (عليه السلام) التي وصلت أن يرد بمفرده ما سلبه الغزاة من الحي بعد ان قاتلهم وشتت جمعهم إذا وقعت الحادثة بغياب رجال الحي واستنجاد النسوة بالسيد القاسم (عليه السلام) الذي تبع الغزاة واسترجع ما بأيديهم لتقص النساء ما حدث للرجال عند عودتهم وما كان من شجاعته ونخوته فاكبروا مقامه وأجلّوا شخصه أكثر .
رحيله من الدنيا : 
ولما مرِض السيد القاسم واشتد به المرض خرجت زوجته لأبيها فقالت يا أبه لقد اشتد المرض بالغريب أدخل عليه واسأله عن حسب هذه الطفلة ونسبها لئلا تكون بلا حسب ونسب.
فقال : لها بنية سألته قبلا فلم يجيب.
فقالت : لا هذه المرة لا بد أن يخبرك.
فلما دخل عليه قال له السيد القاسم : ياعم انك ستحج في هذا العام فإذا وصلت المدينة أوصل ابنتي الى اهلها فأنهم هناك بلا رجال في بيت الارامل والأيتام فإني أبن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم ), فلما سمع الرجل هذا النسب انزل عمامته برقبته لاطما على رأسه انت سيدي وابن سيدي ومولاي, وفعلا في نفس العام حج بيت الله الحرام ولما وصل المدينة ودخل اليها وقرب من بيوتاتها انت الطفلة وقالت جداه اتركني لأذهب لأهلي فكانت تقف عند البيوت بيتا بيتا وكأنها تشمها الى ان وصلن بيتا طرقت بابه فكلمتها إمرأة من خلف الباب قالت من الطارق لبيت الارامل والأيتام بيت الثكالى والفاقدات للإخوان والآباء...
بكت الطفلة بصوت مرتفع فقالت انا ابنتكم اليتيمة بنت القاسم فاطمة ... واخذن بالعويل والبكاء واحتضننها ... والرجل مذهول من الموقف وكيف ان البنت قد عرفت اهلها ... هكذا عاش السيد القاسم خادما يخدم الناس ومات سيدا عالما ....
وما يسعني الا ان اكتب بيتا ليكون لي ذخرا وشفاعة عن السيد القاسم بن الكاظم (عليهما السلام) :
 
وكم من خادم عاش يخدم ..... وبعد الموت سيد الاسياد
 
( فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا )
 
جمادي الأولى /1434هـ   

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فلاح السعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/04/10



كتابة تعليق لموضوع : عاش خادما ومات سيدا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net