صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح107 سورة الاعراف الشريفة
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
 
وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ{132}
تروي الاية الكريمة كلاما لفرعون وقومه لموسى (ع) , أيما اية سوف تأتينا بها , لتثبت صحة وسلامة دعوتك , وتبطل بها ما نحن عليه , سيكون جوابنا الرفض وعدم الايمان بها .  
 
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ{133}
تروي الاية الكريمة ان الله تعالى ارسل لقوم فرعون خمسة انواع من العقوبات العاجلة :
1- (  فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ ) : سيل اغرق البيوت والمزارع , وقيل انه استمر سبعة ايام . 
2- (  وَالْجَرَادَ ) : الجراد فأكل الزرع والثمار .  
3- (  وَالْقُمَّلَ ) : قيل انه السوس , فأتي على ما تبقى من الجراد , وقيل انه البراغيث او القراد , فهاجم الماشية .  
4- (  وَالضَّفَادِعَ ) : اعدادا كبيرة منها , غزت كل مكان . 
5- (  وَالدَّمَ ) : تحولت مياه الانهار والابار الى دم , لكن للكافر فقط , اما المؤمن فلا يجد فيها شيئا من ذلك , فيشرب منها حتى يرتوي ! .              
ثم تصف الاية الكريمة هذه الايات الخمسة ( العقوبات ) بأنها ( آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ ) , مبينات ظاهرات لا يقدر لغيره سبحانه وتعالى ان يأتي بمثلها , لكن بالرغم من كل ذلك (  فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ) .    
يلاحظ ان ترتيب الايات الخمسة على التوالي فيه حكم خاصة , ينبغي التوقف عندها والتأمل في تواليها ! .  
 
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ{134}
تروي الاية الكريمة ان قوم فرعون لما وقع عليهم العذاب , توجهوا الى موسى (ع) (  ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ), لم يؤمنوا بالله تعالى , فقالوا ( ربك ) , ولم يقولوا ( ربنا ) , ( بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ) , ومنه رفع العذاب بالتوبة والاستغفار , (  لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ ) ( لئن ) لام قسم , يقسمون عند رفع العذاب فسوف يوفون بأمرين : 
1- (  لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ) : الايمان . 
2- (  وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) : اطلاق سراح بني اسرائيل من الاسر والاستعباد .                
 
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ{135}
تروي الاية الكريمة ان الله تعالى رفع عنهم العذاب بدعاء موسى (ع) , فنقضوا عهودهم . 
يلاحظ ان رفع العذاب لم يكن بشكل دائم , بل كان مؤقتا ( إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ ) , ومن هذا النص المبارك يمكن ان نلاحظ عدة امور , منها :     
1- في علمه تعالى ان قوم فرعون سينقضون عهودهم , فكشف عنهم العذاب الحالي لابطال حجتهم , ثم يحل بهم عذابا اشد واكثر تنكيلا . 
2- نزول العذاب ورفعه  بحد ذاتهما دليلين وايتين تدعمان وتؤيدان دعوة موسى (ع) .
 
فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ{136}
تروي الاية الكريمة عقابا صارما تعرض له فرعون وقومه , بعد ان نقضوا عهودهم مع موسى (ع) , وبعد ان اعرضوا عن كل ما جاء به (ع) من ايات ومعجزات , فكان الغرق في اليم ( البحر ) .  
 
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ{137}
تروي الاية الكريمة , ان الله تعالى اورث بني اسرائيل بعد ان كانوا مسترقين ومستعبدين في مصر والشام , اورثهم ارضا فيها خيرات كثيرة , وتمت كلمته عز وجل عليهم بالتمكين لهم فيها ( بِمَا صَبَرُواْ ) , والسبب صبرهم على الاذى , ودمر الله تعالى ما كان يصنع فرعون وقومه من المباني ( القصور ) والمزارع وغيرها .     
 
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ{138}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد : 
1- ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ) : يروي النص المبارك ان الله تعالى وفق ومكن بني اسرائيل من عبور البحر , الملفت للنظر , ان الاية الكريمة السابقة ( 136 ) عندما تكلمت عن اغراق فرعون وقومه اطلقت على البحر تسمية ( اليم ) , اما في النص المبارك اسمته ( بحرا ) , وردت كلمة ( اليم ) في القران الكريم ثمانية مرات , اغلبها تشير الى العذاب , اما كلمة ( البحر ) فقد وردت 36 مرة , اغلبها تشير الى المنافع والخيرات ! . 
2- ( فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ ) : يروي النص المبارك ان بني اسرائيل وخلال مسيرتهم ( رحلتهم ) الى الشام , مروا بقوم يعبدون الاصنام , قائمين على خدمتها . 
3- ( قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) : يروي النص المبارك انهم طلبوا من موسى (ع) ان يصنع ( يجعل ) لهم آلهة , كما لدى هؤلاء الوثنيون آلهة , يفترض ان بني اسرائيل قد آمنوا بالله تعالى , فما الداعي والدلالة لهذا الطلب ؟ ! , هذا يدل على عدة امور , نذكر منها : 
أ‌) انهم لم يؤمنوا بالله تعالى , او انهم حديثي عهد بدعوة ( رسالة ) موسى (ع) . 
ب‌) لا تزال رواسب عبادات اهل مصر تسكن في قلوبهم , التخلص منها يحتاج الى ايمان اقوى , ومدة اطول . 
4- ( قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) : يروي النص المبارك رد موسى (ع) عليهم , ( قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) تجهلون عظمة الله تعالى , وان العبادة لا تنبغي لغيره جل وعلا .                             
 
إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{139}
تصف الاية الكريمة على لسان موسى (ع) حال هؤلاء القوم الوثنيين بأمرين : 
1- (  إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ ) : مدمر هالك ما هم فيه من الشرك . 
2- (  وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) : يحكم النص المبارك على عملهم بالبطلان .         
 
قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{140} 
يستمر خطاب موسى (ع ) في الاية الكريمة , وفيه امرين : 
1- ( قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً ) : يتضمن النص المبارك سؤال استنكار , هل اطلب لكم آلها غيره سبحانه وتعالى ! .
2- ( وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) : يكشف النص المبارك , ان الله تعالى فضل بني اسرائيل على العالمين في زمانهم , وذلك في عدة امور , كما يراها بعض المختصين , نذكر منها مع مناقشتها بشكل موجز : 
أ‌) بكثرة الانبياء منهم , في واقع الحال , ان كثرة انبياء بني اسرائيل تدل على كثرة جحودهم , فلو كانوا مؤمنين لما تكاثرت عليهم الانبياء , ولما اتتهم الرسل  , فلا يعتبر ذلك فضيلة لهم ! . 
ب‌) ان انزل الله تعالى عليهم التوراة , وكانت بلغتهم . 
ت‌) خصّ الله تعالى بني اسرائيل بآيات كثيرة , لم يخص بها غيرهم , ولكنها تدل ايضا على عظمة كفرهم وجحودهم لنعمه عز وجل , فلو انهم آمنوا الايمان المطلوب , لما تكاثرت وتوالت اياته عز وجل عليهم , وهذه الفقرة تضاف الى فقرة كثرة الانبياء عليهم , فهي ليست فضيلة لهم ابدا ! . 
ث‌) خصّ الله تعالى بني اسرائيل بأهلاك اعدائهم , في تلك الازمنة , ومنها اغراق فرعون وجنوده , وهذه علامة وآية كبيرة لهم , رجاء ان يؤمنوا ويسلموا لأنبيائهم ورسلهم , فردوا على هذه النعمة ان طلبوا آلهة ( اصنام ) يعبدونها كما لدى القوم الوثنيين الذين وردهم ذكرهم في الاية الكريمة السابقة .        
لابد من الاشارة الى ان بني اسرائيل فضلهم الله تعالى على العالمين في زمانهم , اما امة الاسلام فقد فضلها الله تعالى على كافة الازمنة { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110! . 
 
وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ{141}
يستمر خطاب موسى (ع) لبني اسرائيل مذكرا لهم بالنجاة والخلاص من قوم فرعون , الذين اذاقوهم الويلات ومنها : 
1- (  يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ ) : ينزلون بكم ويذيقونكم اشد انواع العذاب . 
2- (  يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ ) : يقتلون الذكور . 
3- (  وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ) : ويستبقون النساء للخدمة .        
لتختتم الاية الكريمة بــ ( وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ) , النجاة من عذاب ال فرعون ينطوي على امرين :       
1- نعمة النجاة . 
2- اختبار من الله تعالى لهم . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/04/14



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح107 سورة الاعراف الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net