صفحة الكاتب : د . رافد علاء الخزاعي

حلم الطيران نحو الشمس رسالة إلى عباس بن فرناس
د . رافد علاء الخزاعي

 (لا تلؤمن الشمس ولكن اللوم على محدودية العقل)

 
 إن الإنسان خلق بفطرته على الاكتشاف والاستنباط والتحليل ومعرفة المجهول من خلال الخوض في المعلوم والتجربة ,
 
وهكذا كان ديدن العلماء والفلاسفة والمستكشفين ولكن هنالك مبدعين حقيقيين لم يعتمدوا على الكلام النظري فقط وإنما دعموه بالتجربة العملية الفعلية حتى على أنفسهم ولوا كلفهم ذلك حياتهم , ومن هولاء العلماء ابن سينا وعباس بن فرناس ,وهو أبو القاسم عباس بن فرناس بن فرداس مخترع وفيلسوف وشاعر أندلسي من قرطبة(ولد عام 194 هـ الموافق لسنة 810 م من أصول أمازيغية ناكرتا، ترعرع بقرطبة وتوفي عام 271 هـ الموافق لعام 887 م). عاش في عصر الخليفة الأموي الحكم بن هشام وعبد الرحمن الناصر لدين الله ومحمد بن عبد الرحمن الأوسط في القرن التاسع للميلاد. كان له اهتمامات في الرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء. اشتهر أكثر ما اشتهر بمحاولته الطيران إذ يعده العرب والمسلمين أول طيار في التاريخ.
 
وهذه الرغبة في الطيران والتحليق لم تأتي بصورة مستعجلة أو حلم أني  وإنما نمت عبر عشق متواصل للتحليق في فضاء الله والتحرر من الأرض نحو السماء, اخترع ابن فرناس ساعة مائية وهي عن أهمية الوقت والزمن في تحديد المهام وان وضع إلة قياس للزمن هي البداية الحقيقية للمحاولة لتجاوز السرعة في الإنجاز ، وأطلق عليها اسم " الميقات "، واستطاع أن يتوصل إلى صناعة الزجاج الشفاف " بلا ألوان"، واختراع أنواع متعددة من الخرائط الورقية والنصف كروية ( وهي خريطة لنصف الكرة السماوية أو أكثر ذات أداء تشير إلى الجزء المنظور منه في وقت معين). ومن عشقه للفضاء وشغفه الشديد  أنه بنى غرفة في أسفل داره، وصنع فيها آلة طوّرها بنفسه" القبة السماوية " يجتمع فيها الناس فيشاهدون النجوم والكواكب والغيوم والسحاب والرعود والبرق وكما أنه صنع عدسات طبية وعدسات للتكبير. كما أنه اخترع آلة صنعها بنفسه لأول مرة تشبه الإسطرلاب في رصدها للشمس والقمر والنجوم والكواكب وأفلاكها ومداراتها ترصد حركاتها ومطالعها ومنازلها والتي عرفت بذات الحلق . هو مبتكر بعض الأنواع من بندول الإيقاع (وهي آلة لتحديد الأوقات بالصوت أو التكّات(الدقات)، وقد استخدمها لتحديد أوقات الصلوات والشروق والغروب).وقام بتطوير عملية قطع صخور الكريستال مما جعل أسبانيا تستفيد من هذا وتتوقف عن إرسال معادن المرو إلى مصر لكي يتم تقطيعها هُناك, أن عباس بن فرناس ابتكر آلة اسطوانية تتغذى بحبر سائل يستخدم للكتابة، وهي أول قلم حبر سائل في العالم، وذلك في القرن الثالث الهجري، ثم نُسب هذا الابتكار إلى العالم ستيلو بعد عدة قرون .
 
من خلال هذه المسيرة الزاخرة بمحاولة اكتشاف الفضاء نمى الحلم لدى عباس بن فرناس للطيران وقد بداء يحدث الناس عن حلمه وعن تجاربه  التي درس من خلالها ثقل الأجسام ومقاومة الهواء لها، وتأثير ضغط الهواء فيها إذا ما حلقت في الفضاء، ودرس شكل الطيور الخارجي وطريقة طيرانها وتشريحها  وكان له خير معين على هذا الدرس تبحره في العلوم الطبيعية والرياضة والكيمياء فاطلع على خواص الأجسام، واتفق لديه من المعلومات ما حمله على أن يجرب الطيران الحقيقي بنفسه, انه الحلم والإرادة والمغامرة  لتخط محاولة الإبداع , ، واتفق لديه من المعلومات ما حمله على أن يجرب الطيران الحقيقي بنفسه، فكسا نفسه بالريش الذي اتخذه من سرقي الحرير (شقق الحرير الأبيض) لمتانته وقوته، وهو يتناسب مع ثقل جسمه، وصنع له جناحين من الحرير أيضاً يحملان جسمه إذا ما حركاهما في الفضاء، وبعد أن تم له كل ما يحتاج إليه هذا العمل الخطير وتأكد من أن باستطاعته إذا ما حرك هذين الجناحين فإنها سيحملانه ليطير في الجو، كما تطير الطيور ويسهل عليه التنقل بهما كيفما شاء.
 
فقد ذكر ابن حيان(أنه نجم في عصر الحكم ألربضي، ووصفه بأنه حكيم الأندلس الزائد على جماعتهم بكثرة الأدوات والفنون، وكان فيلسوفاً حاذقاً، وشاعراً فذا، وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فك بها "كتاب العروض للخليل، كثير الاختراع والتوليد، واسع الحيل حتى نسب إليه عمل الكيمياء، وكثر عليه الطعن في دينه، واحتال في تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش على سرق الحرير، فتهيأ له أن استطار في الجو من ناحية الرصافة، واستقل في الهواء، فحلق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة).
 
بعد أن أعد العدة أعلن على الملأ أنه يريد أن يطير في الفضاء، وأن طيرانه سيكون من الرصافة في ظاهر مدينة قرطبة، فاجتمع الناس هناك لمشاهدة هذا العمل الفريد والطائر الآدمي الذي سيحلق في فضاء قرطبة، وصعد أبو القاسم بآلته الحريرية فوق مرتفع وحرك جناحيه وقفز في الجو، وطار في الفضاء مسافة بعيدة عن المحل الذي انطلق منه والناس ينظرون إليه بدهشة وإعجاب وعندما هم بالهبوط إلى الأرض تأذي في ظهره، فقد فأته أن الطائر إنما يقع على ذنبه، ولم يكن يعلم موقع الذنب في الجسم أثناء هبوطه إلى الأرض، فأصيب في ظهره بما أصيب من أذى.(و قيل أيضا انه أصيب بكسر في ضلعه)
 
وقد تناقل المؤرخون مقولة إنه: لم يدر أن الطائر إنما يقع على زمكه (ذيله) ولم يعمل له ذنبًا.. وذكروا قول مؤمن بن سعيد أحد شعراء عصره.. وهو الذي يسخر فيه منه:
 
بطم على العنقاء في طيرانها إذا ما كسا جثمانه ريش قشعم
 
وقد أكدت الكثير من  المصادر التاريخية أن بن فرناس صنع آلة للطيران بعد دراسة وتشريح ميكانيكا الطيران عن الطيور وأفلح في طيرانه ولكنه بعدما نزل حوكم بتهمة التغيير في حلقة الله وتم عزله في بيته وهكذا هو حال العلماء والباحثين وغيرة الناس التي تقف في  عوائق كثيرة في طريق الأحلام حتى في العراق الحاضر كم من حالم بالطيران وصنع الطائرات والتحليق في فضائنا المخترق والمنتهك عذريته ولكنهم  لم يسمحوا لطيور الوطن الحالمة في التحليق بحجة القانون.
 
وتبع ابن فرناس، عالمان عربيان آخران، الأول أبو العباس الجوهري، العالم اللغوي صاحب معجم (تاج اللغة وصحاح العربية/ الصحاح) المُتَوَفَّى سنة 393هـ فقد قام الجوهري بتجربته الفريدة هذه في نيسابور؛ حيث صنع جناحين من خشب وربطاهما بحبل، وصعد سطح مسجد بلده، وحاول الطيران، أمام حشد من أبناء مصره، إلا أن النجاح لم يحالفه فسقط شهيد العلم.
 
 
 
إن حلم الطيران راود الإنسان منذ بدء الخليقة من خلال الرسوم والتماثيل المتروكة عبر التاريخ  وان الإله تطير ولها أجنحة وقد حاول الإنسان القديم تقليد الحيوان في جملة من أنماط حياته، والطيران من هذه الأنماط التي حاكى بها الإنسان الطير. كما وضح من كشف حضاري جديد، قام به العالم الطبيب هافير كابريردارك، الذي درس حضارة الإنسان القديم في بيرو، ورأى أن إنسان النياندرتال، قد أفلح في تدجين الحيوان الطائر المعروف بـ "الرتيلاء" حيث استخدمه في الطيران، وافترض أن تكون هناك في أراضي بيرو شوارع منظمة تشبه المطارات اليوم.. وهذه فرضية علمية لو صحَّت لغيرت معالم تاريخ الحضارة البشرية
 
وهكذا في الأساطير اليونانية الخرافية حول طيران "ديدالوس" وابنه "إيكاروس", حاولا الطيران، واستعمل كل منهما جناحين من أجنحة الطيور، وثبتاها في جسميهما بالشمع، وطار "ديدالوس" بأمان إلى أن صهر الشمع، فسقط في البحر ومات غرقاً.
 
 حيث إن هذه الأخيرة لم تكن سوى مجرد حكاية خيالية خرافية لا صلة لها بأية وقائع علمية تاريخية. وإنما الجدير بالذكر في هذا الشأن، هو ضرورة تتبع المحاولات العلمية التجريبية الشهيرة, ظهرت أول دراسة حديثة حول اكتشاف أول محاولة للطيران في أوربا، من خلال بحث علمي كتبه أستاذ التاريخ الأمريكي "لين هوايت"، وتم نشره في مجلة التكنولوجيا والثقافة (المجلد 2- العدد 2) عام (1960 م)؛ حيث أشار فيه إلى أن أول رائد للطيران في أوربا هو "إيلمر مالمسبري" الذي كان راهبًا في دير "مالمسبري" بإنجلترا، وقد قام بمحاولته المبكرة للطيران في بدايات القرن الحادي عشر الميلادي، إذ -كما يقول هوايت- إن "إيلمر" صنع لنفسه أجنحة من الريش، ربطاهما بذراعيه وساقيه وطار بها بنجاح لمسافة محدودة، لكنه سقط على الأرض وأصيب بكسر في ساقيه وكان ذلك حوالي عام (1010 م).
 
وبقى غزو الفضاء عند الإنسان ضربًا من الخرافة، وعاش في عالم الأحلام والأساطير، حتى عرفت الحضارة التي أخذت تتطور طيلة ثمانية قرون، حتى تمكن الأخوان تمكن الأخوان "أرفيل" و"ويلبور رايت" من الطيران بواسطة الطيران الآلي في (1903 م).
 
وتطور الطيران من الطيران بمحرك واحد إلى طيران أسرع من الصوت وطيران أمن ومريح  وتحقق حلم الإنسان في اختراق الفضاء والنزول على القمر وإرسال مسبار إلى المريخ عبر مركبات وكبسولات الفضاء المختلفة وكانت الشمس وحرارتها التحدي الأصعب للعلماء ولرواد الفضاء  ولكن ما سجله العلماء الأمريكان موخرا في تحليق طائرة صديقة للبيئة  وقودها من الطاقة الشمسية هو حلم جميل   ورسالة فلسفية وعلمية إن الإنسان قادر على تجاوز العقبات وتحويلها إلى ايجابيات وتسخيرها لمصلحته الحياتية , إن الشمس التي أذابت الشمع وأسقطت الريش للحالمين في  الطيران هي نفسها اليوم تساعد على الطيران  من خلال الاستفادة من طاقتها واشعاعتها الحرارية

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رافد علاء الخزاعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/05/09



كتابة تعليق لموضوع : حلم الطيران نحو الشمس رسالة إلى عباس بن فرناس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net