الطبقة الوسطى ودورها في النهوض والبناء ..

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في التسعينات وفي اوج وحشية الحصار الاقتصادي زار العراق انذاك مبعوث الامم المتحدة الابراهيمي نفسه الذي زار العراق قبل فترة واتذكر جيدا صرخته انذاك عندما قال  (انقذوا العراق لانه لا يملك طبقة وسطى ) وكان محقا في ذلك فلقد اختفت الطبقة الوسطى وانقسم العراق وقتها الى طبقتين لا غير هما طبقة الحاكم واعوانه وهم قلة مترفة وطبقة المسحوقين وهم الغالبية ولم تعد هناك طبقة وسطى بعد ان انسحبت طبقة الموظفين وصغار الكسبة والعمال الى الطبقة المسحوقة وشلت حركة البناءوالتقدم ، ويكاد علماء الاجتماع السياسي يجمعون على ان اهم سمات المجتمع المتمدن المتنور والمتطور يكمن في وجود طبقة وسطى فاعلة.  بيد ان الاجماع على اهمية دور الطبقة الوسطى في مختلف المجتمعات، لم يؤد الى تعريف شامل جامع مانع للمصطلح، ويعود السبب الى اختلاف المدارس الفكرية التي تناولت هذا الموضوع، فعلماء الاقتصاد يشيرون عادة الى ان الطبقة الوسطى هي التي يتم تحديدها في ضوء مستوى الدخل، وبالتالي فان الدخل هو الذي يحدد التقسيم الطبقي للمجتمعات. ومع فائدة هذا التقسيم الذي اتت به المدرسة الاقتصادية، فانه يبقى قاصرا عن فهم واستعياب وتفسير دور الطبقة الوسطى، وعليه فقد ذهبت المدراس الحديثة الى ضم مجموعة من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، كالمستوى التعليمي، مستوى الدخل والانفاق، عدد افراد الاسرة، نوعية النمط الاجتماعي السائد، وضع مؤشر لمدى الانغماس في الحياة الاجتماعية والسياسية.. الخ من المعايير.ويبدو ان هذا التيار الثاني حاول تجاوز النمط الاحادي لتقسيم الطبقة الوسطى، لان العلماء وجدوا ان مؤشر الدخل لايعبر تعبيرا فعليا عنها، ومن هنا كان لابد من الاعتماد على معايير اخرى أعطت لمفهوم الطبقة الوسطى ابعادا اخرى اكثر شمولا.  ومنذ تأسيس الدولة العراقية، فان محاولة تمدين المجتمع العراقي، وصناعة طبقة وسطى فاعلة كانت تمر بين مد وجزر، وهي وان أخذت مسارا تصاعديا منذ بدء الثلاثينيات الى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، فانها شهدت تراجعا مع عسكرة المجتمع في الثمانينيات، وتآكلا شديدا في فترة التسعينيات نتيجة الحصار مع ترييف واضح للمدن اتضحت معالمه بشدة في هذه الفترة، وازداد حدة مع انكفاء دور الطبقة الوسطى وانشغالها بتوفير لقمة العيش، بحيث لم يرى لها دور في الحراك المجتمعي في ذلك الوقت، ومن هنا يسهل علينا تفسير التعبير العنفي الشديد داخل المجتمع العراقي في فترة لاحقة، إذ لم يأت نتاج صدفة بل هو امتداد طبيعي لعسكرة المجتمع ليتبعه حصار اخذ كثيرا من المنظومة القيمية الايجابية للمجتمع العراقي، لينتج لنا مجتمعا فقد الكثير من نقاط تماسكه وقوته، وبدء يتجه شيئا فشيئا نحو تفضيل العنف كاولوية في حل النزاعات او التعبير عن رفض اي موقف، سواء على مستوى الانماط الفرعية داخل الاسرة او القبيلة أو المحلة او المدينة، او على مستوى الانماط الرئيسة داخل المجتمع. ولو عدنا الى المعيار الاقتصادي، فان فترة السبيعينات شهدت ازدهارا مضطردا للطبقة الوسطى، مع ازدياد حالة المدنية، ومحاولة تمدين الريف، مع حملة محو الامية ووصول الكهرباء والماء  والخدمات الصحية، ومعها الاساليب المدنية، وكان للموظفين النصيب الاكبر من الدخل والحضوة الاكبر في الحراك الاجتماعي، انتقلت فيما بعد في فترة الثمانينات الى العسكر لنشهد عصر العسكر فقد استحوذت المؤسسة العسكرية على معظم الناتج القومي بسبب الحرب العراقية الايرانية، واضحى العسكر اكثر الطبقات مدخولية، في حين مالت فترة التسعينيات الى صالح الفلاحين فاصبحوا اكثر الطبقات حصولا على الدخل، مع تنامي ترييف واضح للمدينة، أما بعد الاحتلال فقد اصبحت الطبقة السياسية والادارية الجديدة،بالتحالف مع طبقة المنتفعين  هم اكثر الناس دخلا، وشاعت ما اطلق عليه ابن خلدون قبل عقود بريع المنصب، أي ان المنصب في العراق اصبح طريقا للغنى والحصول على دخل عالي دون عناء يذكر او كفاءة حقيقية، غير انه تزامن ايضا عودة وان كانت بطيئة نوعا ما للطبقة الوسطى من ناحية الدخل، أو محاولة نحو احياء دورها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. والسؤال المطروح هنا ما الذي يعيق احياء دور الطبقة الوسطى في العراق، والجواب هنا يحمل اوجها معقدة ، إذ ان الطبقة الوسطى وهي تحاول إعادة احياء نفسها، تواجه سلسلة من العقبات الداخلية والخارجية، فالطبقة الوسطى نفسها منقسمة بذاتها، ومنغمسة احيانا في صراع جهوي أو طائفي أو فئوي، وبالتالي هذه الطبقة تخلت الى اجل غير منظور عن دورها الريادي في احياء المجتمع المدني، لانها انشغلت في ميادين هي ابعد بكثير عن مهامها الحقيقية، اما العامل الخارجي فيتسم بضغوط البنى التقليدية والبنى الاخرى التي تعتقد بأن نهوض الطبقة الوسطى يعمل بالضرورة نحو ازاحتها عن المشهد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، فتعمل على تحجيم هذا الدور وتكبيله والتقليل من شأنه والتحذير منه تحت مسميات شتى. لاشك ان عودة الطبقة الوسطى يكاد يكون امرا مفروغا منه، لكن هناك عدم يقين بأن هذه العودة ستؤدي الى إحياء الانماط المدنية او الانماط الايجابية داخل المجتمع العراقي، وهي عودة رهينة بمتغيرات داخلية وخارجية. ونأمل في قادم  الايام ان نقول: عادت طبقتنا الوسطى وهي ممتلئة بالافكار البناءة التي تؤهلها ان تعود لقيادة المجتمع والسير به نحو حياة مطمئنة كريمة ..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/06/14



كتابة تعليق لموضوع : الطبقة الوسطى ودورها في النهوض والبناء ..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net