صفحة الكاتب : صالح الطائي

من وحي الشيعوفوبيا
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مع الساعات الأولى لموت الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله مر المجتمع المسلم بلحظات حرجة أنضوت على خلافات حدية في الرأي بما ينذر بالخطر، ولكن تلك الخلافات ـ مهما كانت شدتها وقسوتها والأحداث التي رافقتها ـ لم ترق لأن تتحول إلى اختلاف عقدي بين المسلمين، وإنما بقيت محصورة في أطر الخلاف الفكري الذي أسهم فيما بعد في تكون المذاهب الإسلامية، وأعطى لكل منها هويته العقدية التي تتمايز قليلا أو كثيرا عن باقي الهويات.
ومن محصلات هذا التمايز ولد فيما بعد الفكر السني ليلحق بمسيرة الفكر الشيعي الذي ولد قبله بزمن طويل، ومع أن هناك من قال أن الخلاف الإسلامي انحصر في هذه المرحلة بين التشيع والتسنن، إلا أن حقيقة وجود خلاف بين أتباع المذاهب السنية فيما بينهم لا يمكن نكرانه أو إغفاله، ويكفي دليلا أن هناك في مبانيهم الفكرية العقدية خلافات جوهرية تصل إلى حد التناقض الصارخ، بل وتجد أن في الفقه الشيعي الذي ينسبون إليه "الاختلاف" مع مجموعهم، مبان تتفق وتتطابق كليا مع مبان من جوهر عقيدة هذا المذهب أو ذاك من المذاهب الأربعة، بما لا تجد تطابقا مثله فيما بينها، وقد تكون الإمامة والنص على خلفاء النبي الاثني عشر الذين ورد ذكرهم في الصحاح والمصنفات والسنن، الخلاف الأكثر أهمية من بين كل الخلافات الأخرى. 
الخلاف تحول بعد عصر الخلافة الراشدة إلى اختلاف حقيقي دوافعه سياسية بغطاء ديني، لكن تسخير الحكومات لأجهزتها الإعلامية، ومصادرة حق الآخر ومنعه من استخدام الإعلام والتضييق عليه، أتاح للفكر القريب من السلطة فسحة الانتشار والذيوع، وصور الفكر المقابل الآخر على أنه فكر مختلف معاد ومعارض وشاذ أيضا، بكل ما تشتمل عليه كلمة الشذوذ من معان قاسية، بما في ذلك الخروج على أسس وقواعد الدين.
وحتى في هذه المرحلة لم يكن الاختلاف بين المدرستين قد تمكن من حياة الأمة كليا بعد، ولذا تجد خلاف فقهيات المذاهب الأربعة يدفعها إلى التنازع فيما بينها دون أن تشرك التشيع في هذا النزاع.أي أن علاقة كل منها مع التشيع كانت في بعض المراحل أقوى من العلاقة بالمذاهب الصديقة الأخرى!
لكن دخول الأعاجم إلى الإسلام وتمكنهم من شغل مواقع حساسة في دولة المسلمين وتمكنهم العلمي، ودواعم موروثات حضاراتهم القديمة التي كانت سابقة للتأخر العربي الموروث، سمحت لهم بتطوير الخلاف وتحويله إلى اختلاف ونزاع مدرسي، وكان الأعاجم أشد وأقسى من العرب مع من يختلف معهم بالمذهب. ولذا تجد أشد المعارضين للتشيع وأكثرهم قسوة عليه، هم من الأعاجم حصرا!
ثم لما تمكنوا من قيادة العملية السياسية في الإمبراطورية الإسلامية وظفوا نهجهم الاختلافي بشكل أسهم في إيقاع القطيعة بين المسلم وأخيه المسلم، ووصل هذا النشاط في بداية القرن العاشر الهجري إلى قمته حينما كانت إحدى القبائل التركية (الصفويون) تسيطر على مقاليد حكم بلاد فارس وتستعمرها، وشاءت الأقدار أن تغير معتقدها المذهبي من التسنن إلى التشيع وتبعها الشعب الفارسي فأعتنق التشيع مثلها، مما أغضب أبناء عمومتهم الأتراك السنة الذين اعتبروا ذلك تحديا لسلطانهم وانشقاقا عن إمبراطوريتهم وإضعافا لهيبتها، ومن هذا الجانب بالذات جاء تأثرهم وغضبهم من تشيع الصفويين، وليس لأن الصفويين تركوا  التعبد بمذاهبهم السنية. 
الصفويون من جانبهم اعتبروا الموقف تحديا لوجودهم وتهديدا لدولتهم فتمسكوا بمعتقدهم الجديد ليكسبوا تأييد الشارع، واخذ كل من الجانبين يضخم العداء ويسّوقه إعلاميا بعد أن يضفي عليه أطرا دينية عقدية من موروثاته حولته من حراك سياسي محض إلى حراك ديني عقدي. وقد شعر "نادر شاه" بواقع وحقيقة أسباب التناحر فأراد العودة بالفرس إلى التسنن، ولم يفلح في مسعاه، لأنه جوبه بمعارضة رسمية وشعبية شديدة كانت تعرف حلاوة التشيع.
جاءت المماحكة العدوانية السياسية ذات الأصول الأعجمية في وقت كان الجهل والفقر يسيطران على المجتمع العربي كله، وكان الإنسان العربي مسلوب الإرادة، فتمكنت تداعياتها من التوغل إلى أعماق العقائد المذهبية، وتحول فهم الدين إلى فهم مؤدلج سياسيا، وأصبح كل مسلم على استعداد لمناقشة، ومجادلة، ومقاتلة المسلم الآخر عند أي خلاف في تفسير آية قرآنية لا أكثر، أو نص حديثي، مع أن كلا الجانبين لا يعرفان الكثير من أسس العقيدة الإسلامية الصحية، ويجهلان الكثير من أصول دينهم ومذاهبهم.
وحتى بعد زوال الحاكميات الأعجمية وتحرر البلدان العربية، وانتهاج بعضها للمذاهب السياسية العلمانية، وتسارع مسيرهم للحاق بركب الحضارة، وانبهارهم بحضارة الغرب وتقليدها، والمناداة بضرورة تطبيق مناهج الغرب فيما يخص الحرية الفردية وحرية المعتقد والدين وتداول السلطة ديمقراطيا وانتخاب مجالس النواب، وتساهلهم مع ما يبدو تشددا دينيا تراهم لا يريدون التخلص من رواسب العداء التركي التركي التي يختزنها عقلهم الباطن، وبعض الكتب الصفراء، وقليل من رجال يعملون في القطاع الديني، ويرتدون الأزياء الدينية (الرسمية) كانوا ينظرون لهذا الخلاف ويضخمونه.
ومع خبو أضواء هذه المظاهر في عصر تنامي دعوات القومية العربية والدعوة للوحدة العربية ووحدة المصير العربي وغيرها لدرجة أن الآخر بات عاجزا عن تمييز الشيعي عن السني كليا، اعتقد بعض المتفائلين أن عهد التناحر الطائفي ولى ولن يعود إلى الوجود ثانية، وأن التقارب المذهبي سيحول المعتقدات الدينية إلى اعتقاد واحد فيه بعض الاختلافات التي تسببها القراءات والفهم الشخصي لا أكثر، ولكن خوف الغرب والماسونية والصهيونية من هذه الوحدة المرتقبة التي تنذر بالخطر الماحق، دفعهم إلى توظيف الخزين الموروث بمساعدة بعض رجال الدين المأجورين الذين يحملون استعدادا فطريا للعدوانية، ودافعا موروثا لكره التشيع لأنه لا يحترم بعض الرنوز التي يقدسها الجانب الآخر مثل معاوية وابنه يزيد، وأسهم هذا التوظيف في إيقاد النار التي خبت جذوتها ليعود توهجها واستعارها فيحرق أول ما يحرق أسس تلك الوحدة وقواعدها، ثم ليحرق القائمين عليها وينتقل ليحرق كل مذاهب الإسلام لأن صناع السياسة الغربية أدركوا أن التخلص من منافسة الإسلام وخطره لا يمكن أن ينجح من خلال المواجهة المباشرة، وإن تدمير الإسلام لا ينجح إلا من داخل الإسلام!
وكما تجد هناك بين المسلمين من أدرك أبعاد هذه اللعبة القذرة وبدأ بمحاربتها والوقوف بوجهها، تجد كذلك من انغمس فيها حتى أذنيه وبات يغذيها بكل إمكانياته ولاسيما أن هناك حكومات إسلامية وظفت كل جهدها لتغذية هذا الخلاف وتأجيج  ناره، ومثقفون استغلوا ملكتهم الأدبية والفكرية لدعم هذا التوجه وترصين طروحاته.
المخيف أن الأمر تحول مؤخرا إلى خوف مرضي من التشيع وتحت تأثير الفوبيا الشيعية بات بعض المسلمين المتطرفين ينظرون إلى التشيع على أنه أشد خطرا من الصهيونية والماسونية، وتحولت دعوات الحوار إلى دعوات للإبادة الجماعية في وقت تجاوز عدد الشيعة أكثر من أربعمائة مليون شخص مما يعني أن الإسلام سينقسم إلى معسكرين كبيرين لا توجد فرصة لأحدهما أن ينتصر على الآخر أو يبيده من الوجود وستتحول المواجهة بينهما إلى قتال في حلبة رومانية لا يخرج منها أحد حيا، وحتى لو سنحت له الفرصة لينجو سيكون حينها مثخنا بالجراح، وطعم الهزيمة في فمه أشد مرارة من طعم العلقم، فيتحول إلى كيان هزيل خطر، وفيروس معدٍ يهب العالم الغربي للتخلص منه حماية لمجتمعاتهم من خطر الإصابة بما يحمله من أمراض. 
إن كون تعداد الشيعة قد تجاوز اليوم أكثر من 20 % من مجموع المسلمين، ولما كانت النسبة المتبقية تضم أتباع المذاهب الأربعة فإن نسبة كل مذهب منها ستكون مساوية لنسبة عدد الشيعة،وهي بهيئتها اليوم تشبه أصابع اليد، أربعة مصفوفة مع بعضها هي المذاهب الأربعة، ويقابلها الإصبع الخامس (الإبهام) الذي يمثل التشيع، ولن تنجح باقي الأصابع بإنجاز عملها ومسك الأشياء إذا تخلت عن الإبهام أو قطعته وأزالته! فحاجتها إليه أكثر أهمية من أي واحد من بينها! 
إن عودة التناحر بشكله القديم إلى الساحة، إن كان قد تم بدعم من بعض الأطراف المسلمة فإنه بالتأكيد كان بتأثير فعل الأعاجم الغربيين ورثة الحضارات الأعجمية الشرقية القديمة. والمطلوب منا إذا ما كنا ندعي الإسلام ونؤمن بما جاء به نبينا الأكرم صلى الله عليه وعلى آله، أن ننتبه لهذا الأمر ونعمل سوية على تجاوز الأزمات التي يضعها الآخرون في طريقنا، ونسير سوية نحمل فكر الإسلام الواحد ونهتدي بهدي الإسلام الواحد ونستنير بقبسات أنوار الإسلام الواحد، وثقوا أن مذاهبنا كلها أغصان في شجرة الإسلام الوارفة، فهل رأيتم أغصان شجرة تتقاتل؟ 
وكياناتنا لبنات في حائط الإسلام إذا نزعت إحداها يتهاوى الأساس أمام أتفه النسمات. وانه لا يحق لأي منا أن ينصب نفسه قيما ليحكم على هذا الفكر أو ذاك بالكفر والردة، ويجعل من حكمه بديلا لحكم الله سبحانه وتعالى، أو يتخوف من الفكر المقابل لمجرد أنه يخالفه في الرأي، مع أننا جميعنا نؤمن أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية!
إن التشيع كان موجودا منذ عصر البعثة المشرفة، ولا يوجد في تاريخنا الطويل كله ما يمكن أن يعتبر خطرا شيعيا يتهدد المذاهب الأخرى، باستثناء تلك المواقف التصحيحية التي أتخذها الشيعة في هذه الحقبة أو تلك لحماية الإسلام من الانهيار، وفي أحلك أيام المسلمين سوادا كان التشيع بعافية وخير ولم يبد منه ما يعد عدوانا أو إقصاء أو تهميشا لأحد، وحتى الحقب التي نجح فيها التشيع بالسيطرة على حكم بعض الجغرافيات الإسلامية تعامل خلالها بالحسنى مع المذاهب كافة ومنحها حرية لم تكن تحلم بالحصول عليها عند غيره، وكانت مدارسهم ومساجدهم ومنابرهم عامرة في زمن الفاطميين الشيعة، فما حدا مما بدا ليتخوف الأخوة اليوم من التشيع كل هذا الخوف المرضي؟ وماذا ممكن أن يفعلوا بهذا الخوف أكثر من تفريق وحدة المسلمين وإضعاف شكيمتهم؟
إن العالم يحمل اليوم دعوات حرية المعتقد والدين والرأي والكلام والتفكير ويعدها قوانين ملزمة لا يجوز الخروج عليها، ولو تصرفت أي حكومة إسلامية مع قسم من رعاياها بخلاف ذلك تثور ثائرة الغرب كله عليها، ولكن الغريب في الأمر أن كل الويلات التي كانت ولا زالت تصب على رأس الشيعة لا تجد من يستنكرها أو يدين القائمين بها وكأن الشيعة جاءوا إلى الأرض من كوكب آخر. 
إن مجرد رؤية هذا السكوت تثبت أن هناك أجندة غربية ماسونية تشجع المسلمين لخوض غمار هذا التناحر لكي يضعف الإسلام كله، وعليه أرى أن من يتعاون مع المخطط الغربي لضرب التشيع بدوافع الفوبيا إنما هو عميل للغرب ومتعاون معه على تدمير الإسلام كله، وعمله المخزي هذا يخرجه من ربقة الإسلام
ألا هل بلغت ... أللهم اشهد
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/14



كتابة تعليق لموضوع : من وحي الشيعوفوبيا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net