صفحة الكاتب : محمد كاظم الموسوي

المشهد الأمني العراقي بين الإهمال وغياب الوعي
محمد كاظم الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

حذرنا سابقاً وفي مقالات عدة من التطورات الجارية في سوريا وآثارها السلبية المستقبلية على العراق, وتوقعنا كغيرنا بفشل المشروع القطري في سوريا, ونبهنا غير مرة بأن سوريا مع قوة وتماسك المؤسسة العسكرية والأمنية فيها ومع خبرة وتقادم جهاز المخابرات ومع يقظة وقوة وسطوة المؤسسة الإعلامية السورية فقد نالتها نيران وسموم الفتنة السلفية ومؤامرات قطر والسعودية بإثارة الفتنة الطائفية والإقتتال الداخلي بين أبناء الشعب الواحد, وأصبحت سوريا بين يوم وليلة دار الهجرة والجهاد ومحلاً لتطبيق الشواذ من الفتاوى كفتوى جهاد المناكحة وأمثالها من التفاهات والمهازل والتي سميت زوراً بالفتاوى الإسلامية.
واليوم وبعد التطورات على أرض الواقع في سوريا, وتعاقب الانتصارات التي يحققها الجيش السوري, وبعد تهافت المواقف الدولية الداعمة للمعارضة وللجيش الحر, وبعد سقوط دولة الإخوان في مصر, وبعد انشغال اردوغان وتصاعد حدة التوتر والتظاهرات في تركيا, وبعد تصدع جبهة المعارضة إلى حد حصول النزاع بين جنود جبهة النصرة وبين متطرفي القاعدة, وبعد الاقتتال بين الجيش الحر وتنظيم القاعدة, وبعد التمرد الحاصل من قيادات جبهة النصرة على دكتاتورية أيمن الظواهري والتصريح بعدم الانصياع لأوامره, وبعد سقوط معاقل المتطرفين الواحد تلو الآخر, فكل هذه المفردات تكشف عن أن قوة الدفع في الحرب هي لصالح الجيش السوري وأن علامات الموت للمشروع القطري باتت تلوح في الأفق, ولم يبق للمتطرفين سوى خيار الاستسلام أو الفرار وهو خيار الجبناء والذي سوف تختاره الجماعات المتطرفة كعادتها.
وهنا يبرز الدور المصيري للقيادات العسكرية والأمنية العراقية في تأمين مستقبل العراق, فعليها أن تبالغ في الحذر من الخطر المحدق بالعراق, فكل ما تقدم يعد مؤشراً إيجابياً لفشل المشروع القطري في سوريا وعلامة تبشر بانفراج الأزمة السورية وبانتصارات سوف تحققها الماكنة العسكرية والأمنية والإعلامية السورية، ولكنه في الوقت ذاته يعد مؤشراً سلبياً وخطيراً وعامل قلق بالنسبة لمستقبل العراق السياسي والأمني.
فالانتصار السوري وفشل المشروع القطري معناه أن عشرات الآلاف من اللقطاء المتطرفين ممن يحمل الفكر التكفيري السلفي بلون القتل والذبح والتفخيخ سوف يدخلون للعراق هرباً وفراراً من القصاص السوري, وليس لهم مأوى وملجأ غير العراق, بل أن مقومات دخولهم وانسلالهم للعراق موجودة ولأسباب عديدة .
الأول: أن الحدود العراقية مع سورية مشرعة من الموصل وحتى الأنبار ولم تستطع الجهات الأمنية فرض سيطرتها على الحدود حتى بنسبة النصف, وقوافل المساعدات التي تذهب من داخل العراق للجيش الحر مازالت تدخل يومياً إلى الأراضي السورية بلا رقيب ولا حسيب, وهي خير شاهد على ما نقول, وعلى هذا سيكون دخول المتطرفين التكفيريين من الحدود السورية إلى العمق العراقي سهلاً سائغاً. 
الثاني: وجود عدد غير قليل من التنظيمات الإرهابية التكفيرية داخل العراق والتي تتفق مع فكر وطريقة عمل هؤلاء الإرهابيين الفارين من سوريا, وعلى هذا فسوف تجد هذه التنظيمات عناصر جاهزة ومجانية لتنفيذ مخططاتها داخل العراق, وفي المقابل ستقدم هذه التنظيمات العون اللازم والغطاء الكامل لهؤلاء ولحين إعدادهم كبهائم بشرية جاهزة لتنفيذ مخططاتهم الدموية.    
الثالث: أن دخول هذا العدد الهائل من الإرهابيين المتطرفيين أمر خطط له ودبر له بليل وسوف لاتواجه التنظيمات الإرهابية أي مشكلة في هذا الاتجاه, فساحات الإعتصام في المحافظات الحدودية كالموصل والأنبار بل وحتى صلاح الدين هي حواضن جاهزة لاستقبال هؤلاء, وموائدهم معدة, وسوف يذوب هذا العدد الهائل في هذه المحافظات في ليلة وضحاها, وسوف يتم تمريرهم بيسر وسهولة إلى بقية المحافظات كديالى وبغداد وكركوك, وقد شهدت ساحات الاعتصام أحداثاً بالأمس القريب دلت على وجود عناصر القاعدة بين المعتصمين بل وحتى على منصات الاعتصام بل وعلى منابر الخطباء أيضاً, ووجود أمثال هؤلاء بين المعتصمين ينذر بوجود مخطط لجعل المحافظات والمدن التي تقام بها ساحات الاعتصام حواضن وملاجئ للقاعدة, وما جرى في الحويجة شاهد صدق على ذلك, ومن تابع خطابات أئمة الجمع والخطابات التي تسبقها خصوصاً خطابات سامراء يذعن بذلك.
وسوف لا يواجه هذا الأمر أي رد فعل نفسي من قبل المواطنين في هذه المحافظات حيث مهد لهذا الأمر منذ عدة شهور, فالإعلام والفضائيات وخطب الجمعة والمجالس العامة في المساجد وغيرها كان شغلهم الشاغل في خلال الأشهر الماضية هو تكرار مفردات (الاعتصام، والانتفاضة، والاقليم، والحراك، والجهاد، وعودة الحقوق المسلوبة، والمحافظة على الهوية السنية، وهويتنا ديننا، والمشروع الصفوي، والانتفاضة السنية) وغيرها من آليات غسيل الدماغ البشري وهيكليته طائفياً, وبهذا ستكون العقول البشرية جاهزة لاستقبال العناصر التي تنفذ لهم هذه المطالب, بل سيكون احتضانها حينئذٍ أمراً شرعياً مرغوباً فيه بحسب قواعد الفقه التكفيري.  
وعندها سوف تتعاظم المشكلة أمام الدوائر الأمنية العراقية، وسيتعقد المشهد الأمني, ومع غياب الإعلام الأمني التخصصي، ومع إنشغال الخبراء الأمنيين ـ إن وجدوا ـ بقناعاتهم الشخصية وتحليلاتهم الساذجة, ومع عدم وجود متخصصين في الشأن الأمني لدراسة المتغيرات والواقع والوقائع, ستكون المواجهة حينئذٍ مزدوجة, فمن جهة يجب مواجهة الجماعات الإرهابية والحد من نشاطها والقضاء عليها, ومن جهة أخرى يجب مواجهة وتجفيف الحواضن وخصوصاً التي تعتقد بضرورة ما أملي عليها زوراً وبهتاناً وتزويراً باسم الدين والشرع.
إن أمام القيادات العراقية في المستقبل القريب تحديات كبيرة, وعليها أن تقف وقفة جادة وصادقة في مواجهة مشروع طائفي إقليمي يدار من قبل أجهزة مخابرات إقليمية, وهذا بحاجة إلى تخطيط ودارسة لأدق تفاصيل هذا المشروع الذي يراد منه تدمير ما تبقى من العراق.
والواجب على القيادات العراقية أولاً كسب المعركة إعلامياً وذلك عن طريق السعي لتفريغ هذا المشروع الطائفي من شعاراته وحججه وتحجيم دوره, وتحصين الناس من مغالطات وأوهام وأكاذيب مشايخ الدجل التكفيري, وأن يتم إفشال مشروعهم الذي يهدف لصناعة عقول وحواضن طائفية متطرفة باسم الدين.
محمد كاظم الموسوي ـ بغداد
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد كاظم الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/07/24



كتابة تعليق لموضوع : المشهد الأمني العراقي بين الإهمال وغياب الوعي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net