صفحة الكاتب : حسين الركابي

رمضان وفلسفة الملوية!!
حسين الركابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الملوية منارة الجامع الكبير الذي  تم بناءه في عصر المتوكل , في مدينة المعتصم ومعسكر جيشة وعاصمة دولته المترامية الأطراف , ورائعته الحضارية  سامراء. 
وهي فن معماري إسلامي , بنفحات روحية وتعبيرات إيمانية , وتفاعلات خلاقة ما بين الأرض والسماء. 
الملوية موشح روحي يختصر الكثير من المعاني الإسلامية المكتوبة , ويضغطها في هذا الشكل الذي يلخص سعي العبد نحو  ربه , ومحاولاته الجادة للوصول إلى رحاب جنانه وفيض رحمته.
إذ تعبّر عن جهاد الإنسان لنفسه , وتشذيبها وتنقيتها وتطهيرها , مما يدنس الصفاء والحب والأخوة والإيمان والتُقى , ويمنحها الطاقات الكفيلة بتأمين وقود رحلتها إلى بارئها , وهي تتحدى قوة جذب التراب لها.
ومَن يتأمل إلتواءاتها التي تبدأ كبيرة , وتنتهي صغيرة مطلقة شاسعة بحجم الفضاء المطلق , يدرك رمزيتها العمرانية ومعانيها الإيمانية. 
والصعود إلى قمة الملوية , رحلة تعبيرية عن مسيرة الإنسان على سطح الأرض , وغاية سعيه فيها. 
فالخطوات الحقيقية للإنسان أنه يريد الصعود إلى المطلق الرباني , والخروج من سجن الكوكب الصغير الحائر في وهاد الكون السحيقة , والإنتماء إلى الأمان والسكينة والرحمة , والبهاء والنور الخلاق الأبدي الإشعاع والضياء. 
فالصعود إلى قمة الملوية فيه عناء وجهد  , يؤكد أن لكلٍّ طاقته في التفاعل مع غاياته ورؤاه وله شوطه في الحياة. 
وبعد جهد الصعود يجد المرء نفسه وقد وصل إلى فضاء بلا حدود. 
وكأن الصعود إلى قمتها رياضة روحية , تملأ الإنسان إيمانا وقوة وقدرة على الوثوب إلى العلاء.
فالفكرة التي تكمن في قلب الملوية , أن الإيمان الهادف إلى محبة الله والتكرم بجناته وفيض جلاله , يحتاج إلى جهد بشري خلاق , ومواصلة وترابط ما بين الفعل والقول , وتكون أيامه متناسقة ومتساندة كدرجات الملوية , تلتف على بعضها وتتكاثف , حتى تصل إلى منتهى ما يمكنها أن تصله , من شدة الإيمان وحرارة التوجّد والإمعان , تمتلك الطاقة العلوية , التي تؤهلها للخروج من سجن الأرض الساخن. 
هذا الكبس للطاقات الإيمانية في الأعماق الإنسانية , يوفر لها أسباب الراحة الأبدية ويمنحها تلك القوة التي يصعب مواجهتا, فأعظم الطاقات تكمن في أعماق الذرات. 
فالملوية إعصار روحي يشتد في إلتواءاته واختزاناته لطاقات هائلة , تؤهله للانطلاق كصاروخ يشق صدر الغلاف الجوي للأرض , وينتصر على قوة جذبها.
وربما أن فكرة الملوية مأخوذة من جذع النخلة العراقية, وقد تطلّب ذلك أن يكون المهندس المعماري , الذي تفتق إبداعه عنها صاحب ملاحظة دقيقة ونافذة. 
فمن ينظر إلى جذع النخلة يرى هذه الإلتواءات , التي يتركها سعف النخيل بعد تكريب النخلة. فتلاحظ أن النخلة تلتوي وهي تصعد إلى العلاء , ولا تتوقف عن الصعود حتى تموت. 
والنخلة العراقية والملوية يشتركان بذات الصفات والملامح العمرانية والرمزية لعلاقة المخلوق بخالقه.
فهل سنلتوي ونكون قوة واحدة وطاقة فائقة متلاحمة متجانسة , تريد الوصول إلى هدفها والصعود إلى بارئها , بنقاء وإخلاص وإيمان , أم أننا نريد التبعثر , فنكون هباءا تذروه الرياح , وليس إعصارا له إرادته وقوته وسلطته على الأشياء.
نحن بحاجة إلى أن ننشد إلى بعضنا , ونلتوي لكي نرتقي مثلما ارتقت الملوية , وتسامقت النخلة في ربوع بلاد الرافدين. 
ففي الالتواء قوة وفي التراخي ضعف. 
والشيئ الملوي يختزن قوة انطلاق , ويكون جاهزا للتعبير عن طاقته. 
فالإلتواء إختزان طاقات والإرتخاء تبديد لها.
"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"
والتعاون التواء الأشياء على بعضها , وإنشدادها إلى جمعها وتفاعلها بكل طاقاتها , وإمداداتها وإراداتها لكي تصل إلى مبتغاها.
إن الملوية تبقى رمزا إلهاميا واضحا , يمنح الأجيال الشعور بالقوة والتلاحم والتفاعل , ويزرع فيهم روح المحبة والتكاتف والأمل والإشراق, لأنها تقول لهم بلغة عمرانية واضحة , أن الجهد الإنساني المتفاعل الشريف , يفضي إلى فضاءات الخير والمحبة والرجاء , التي لا حدود لها ولا مدى. 
فالعمارة الإسلامية لغة رمزية , تخاطب أرواحنا ونفوسنا وقلوبنا وعقولنا , وتصب ثقافة زمنها بصيرورة فنية خلابة , لتقول أن الدين الإسلامي دين الشموخ والإرتقاء والترفع عن نداءات النفس الأمارة بالسوء , وأنه دين الرحمة والعدل والمحبة والتسامح والتحمل والإحسان , وحقن الدماء وحفظ الحقوق وتنظيم الواجبات.
فهل ندري يا رمضان؟!
 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين الركابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/02



كتابة تعليق لموضوع : رمضان وفلسفة الملوية!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net