صفحة الكاتب : الشيخ عدنان الحساني

دور الدين في تحقيق النمو الحضاري .... الضمانات وشبهات الفكر الآخر
الشيخ عدنان الحساني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
   كانت ولازالت إشكالية الثقة بقدرة الفكر الديني في تكريس النمط الحضاري المطلوب لازالت مستحكمة عند طبقات عريضة من المجتمعات البشرية وهذه الإشكالية على الرغم من فداحتها إلا أنها تمثل تعاطي تقليدي درجت عليه البشرية منذ أمد بعيد لذلك كانت بعثة الأنبياء وتنزيل الكتب نابعة عن هذا الشكل من التعاطي إلا ان هذه الشبهات أخذت مناحي جديدة بعد تخطي الفكر الديني مجمل الإشكالات التقليدية والتي ميٍَِعت ببركة تكامل الشرائع والتي وصلت إلى أوج مستويات النضوج في مرحلة النبوة الخاتمة ولعل هذا الشكل من الشبهات المتجددة لا يعود إلى صميم القدرة الدينية وإنما تبلور نتيجة تداعيات الطموح الاستكباري العالمي فكان للاستعمار دوره الريادي في تزلزل الثقة في قدرة الدين على تخطي مشاكل المجتمع إضافة إلى الخطط والأجندات المرسومة سلفا لتحييد دور الدين والتقليل من شانه والطعن في قداسته لتهوينه في عيون الناس ومن ثم سهولة الدعوة إلى التخلي عنه وإلا فان الفكر الديني ببركة التكامل التصاعدي في تحقيق حصاناته الفكرية والمعرفية لا يمكن لأي شبهة مهما كانت مستحكمة ان تزلزل عامل الثقة الفكرية فيه وذلك لتوافره على مناهج تعتمد أصول منطقية صارمة هي في الأعم الأغلب منها أصول معصومة تتمنع أمام أي طارئ فكري أو معرفي مغرض أو مشتبه ساذج وبريء هذا من جهة الأفكار والرؤى الكونية أما من جهة المنهج والصياغة فان الشريعة الخاتمة والتي هي صاحبة الحق الأول في الدفاع عن الفكر الديني تتوافر على منهج وصياغة نصية غاية في العصمة والإعجاز ولعل المصداق الأبرز لهذه الدعوى هو النص القرآني والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إلا ان المناقشة في هذه الشبهات والتي اتخذت أشكال معرفية تأسيسية بعد ان كانت الشبهات التقليدية عبارة عن تعاطي جدلي صرف كان المراد منه تحقيق أدنى مستويات الأغراض التشكيكية وهو إيجاد حالة من الإرباك في الساحة الثقافية للمتدينين أما هذا الشكل من الشبهات فهو لا يستهدف الدين صراحة وإنما حاول اختراق الفكر الديني من خلال تأسيس مناهج علمية تتوافق مع تطور الحاجة الحضارية للبشرية وبالتالي تفريغ الدين عن مضمونه من خلال الإيحاء عن عجز الدين عن مواكبة الحاجات الحضارية لا اقل من حيث التنظير التأسيسي لهذه الحاجات الأمر الذي دعا المؤسسات  الاستكبارية على كافة أشكالها حتى تلك التي تدعي التمسك بالدين تكبرا وتقليدا واقصد هنا الإنجيليين المسيحيين والماسونيين اليهود فضلا عن الوضعيين اللبراليين والعلمانيين على كافة مدارسهم الغربية والشرقية وذلك منذ أمد بعيد فبعد ان تحررت هذه المؤسسات عن سلطة الكنيسة في ما يسمى بعصر النهضة أخذت على عاتقها تأسيس مناهج على نحو الارتجال اعتمادا على مبدأ التجربة وتعميم هذه المناهج وترسيم ملامح كونية الغاية منها السيطرة على المنابع البشرية مما يشكل عائقا مهما أمام المد الديني لاسيما الإسلامي منه وهو العقبة الكأداء أمام طموحات العولمة على كافة اتجاهاتها لانه يمثل الطموح العالمي المشروع والذي يمتلك رصيدا فكريا ضخما يستوعب المشكلة الكونية وزيادة – هذه الزيادة تتجلى في إيحاءات الخطاب القرآني لعناصر خارجة عن المجال البشري كالجن وتكاليفهم الكونية والشرعية- من هنا وجدنا من اللازم التوجه إلى هذه الشبهات وملاحقة أصولها المعرفية ومناقشة تلك الأصول وما ترتبت عليها من نتائج فان النتيجة مهما كانت مرضية ومقبولة لا يمكن الاعتماد عليها بالانفصال عن أصولها ومقدماتها فما أكثر النتائج الجذابة والمقبولة إلا أنها تعتمد على مقدمات فاسدة وأصول مرتبكة ولعل فكرة عدم قدرة الدين على تلبية الطموحات البشرية هي شبهة وجدت لها أصداء واسعة بسبب عوامل فرضتها جملة من الإرباكات التي تعرض إليها المشروع الديني بسبب سوء التطبيق تارة وبسبب الخطط الاستعمارية تارة أخرى   .
 
 العلاقة بين الدين والإنسان :
يستمد الإنسان عناصره الفاعلة في الحياة من خلال جملة من الارتباطات والعلاقات منها ما يكون داخلا في تنظيم شؤونه العامة ومنها ما يرتبط بأعماق وجوده وصميم قيمه الذاتية والروحية ولعل القسم الثاني هو العنصر الأهم في ما يحقق مستويات كبيرة من الأمن الذاتي والاطمئنان النفسي والمنشأ الذي تستقي منه هذه العلاقة فعاليتها هو ذلك الارتكاز الفطري .
من هنا نفهم ان دين الفطرة يقف عند حدود لا يتجاوزها وهي حدود الذات وعلاقتها بالوجود المطلق وبتساؤلات الحياة ,من أين؟ والى أين ؟ وكيف؟ ولماذا؟.
أما ما وراء ذلك من شئون معقدة تتداخل فيها الحقائق والشبهات وتتمايز فيها عوالم الغيب والشهادة وتتقاطع فيها قيم المعرفة بالطبيعة مع ما وراءها فان مثل هذه الشؤون الدقيقة كانت منطلقا لبداية الشك والحيرة وبالتالي البحث عن مناشئ معرفية مختلفة تحقق للإنسان الضائع رؤيته الواضحة للكون والوجود والعالم , فاحتاج الانسان ان يربط بين منشاه الداخلي الروحي وبين هذه الشؤون إلا ان تحقيق هذا الرابط وهو الحد الأوسط في معادلة العلاقة بين الانسان والوجود تمنع ان يكون مبتكرا من مبتكرات الانسان وكلما حاول الانسان ان يبتكر ويوجد هذا الحد الأوسط اعتمادا على إمكاناته الذاتية وتصوراته المنفصلة كلما أصيب بخيبة أمل كبيرة لقصور ما يصل إليه عن استيعاب مشاكله الواسعة والمعقدة .
من هنا احتيج إلى البحث عن بدائل خارجية عله يجد فيها ما قصر عنه ذاتا ولان الانسان البدائي كانت مشاكله من السذاجة بمكان بحيث حاول ان يوجد حلا للمشكلة من منطلق مخاوفه وهواجسه مما اوجد في داخله حالة من الخضوع لهذه المخاوف وبالتالي عبادتها ومع مرور الوقت اوجد رموزا لهذه العبادة وليس من الضرورة ان تكون هذه الرموز مادية ومجسمة ويكفي انه اوجد في خياله آلهة متعددة كاله البحر واله الفيضان واله النار وما إلى ذلك هذا من حيث التطور المعرفي الساذج للدين أما من حيث الواقع فان الله سبحانه وتعالى حينما خلق الانسان وخلق معه عناصر التكامل لم يهمله أو يوكله إلى نفسه – تعالى الله عما يصفون- فان أول إنسان أوجده على الأرض جعله خليفة وسلحه بالمعرفة وكلفه بالنبوة يقول تعالى(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني اعلم ما لا تعلمون)البقرة:30 
 
وقال تعالى في بين ما يمتلكه هذا المخلوق من عناصر تكاملية :(وعلم ادم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين*قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم *قال يا ادم أنبئهم بأسمائهم فلما أنباهم بأسمائهم قال الم اقل لكم إني اعلم غيب السموات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون)البقرة:31-32
فلم تكن تصورات الانسان عموما نابعة عن فراغ وإنما كان لتأصيل الفكر الديني الإلهي حضورا في تصوراته إلا ان النوازع الذاتية  للإنسان خلقت فيه روح التمرد والانحراف ثم شيئا فشيئا تداعت ظاهرة التمرد مع تداعي الأجيال 
وتكونت مع مرور الزمن  أمم من المتمردين مما اقتضى تعدد الشرائع وتواليها وتناسخها وبالتوازي مع ذلك كان الانسان يعتمد على عناصره الذاتية في فهم وجوده وتنظيم علاقته مع المحيط والطبيعة وفق مكتشفاته على علاّتها ونواقصها  .
     
 
الشيخ عدنان الحساني  /كاتب ومحقق نصوص اسلامية 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عدنان الحساني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/18



كتابة تعليق لموضوع : دور الدين في تحقيق النمو الحضاري .... الضمانات وشبهات الفكر الآخر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net