الذَكر في المجتمع الذكوري ـ الجزء الأول
محمد جعفر الكيشوان الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد جعفر الكيشوان الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لطالما كان يراودني السؤال التقليدي الشائع: لماذا يحق للذكر في مجتمعنا مالايحق للأنثى المحترمة الملتزمة من ممارسة حقوقها المشروعة التي تنسجم مع أوليات الدين القويم.مّن أعطى الحق للذكر أن يفعل مايشاء منذ اليوم الأول من بلوغه بينما تبقى الأنثى أسيرة أرث دخيل فاسد حتى لو بلغت من الكِبَرِ عِتيا. هل من العدل والإنصاف أن تكون الأنثى موضع محاسبة شديدة من قبل كل الذكور في الأسرة بمجرد أن ترتكب خطأ بسيطا لايمس عفافها وطهارتها إطلاقا، بينما الذكر يسرح ويمرح على هواه دون رقيب. بل الأدهى من ذلك تراه موضع فخر وإعتزاز من قبل والديه فهما يباركان له شذوذ أفعاله وقبيح أقواله كما لمست ذلك عمليا.
صديقي المتذمر:
إلتقيتُ أحد الأصدقاء في طريقي إلى العمل فسألته عن سبب إنزعاجه في ذلك الوقت من الصباح الباكر فأجابني دون تردد:" مشاكل ياأخي". لم أعر لتلك العبارة أدنى إهتمام لأنها قد قرعت مسامعي منذ كنت في سن السابعة وإلى يومنا هذا وأظن أني سوف أسمعها كل يوم مادمتُ حيّا. أخرج سيكارة وقدمها لي: تفضل هل لازلت لاتدخن. فقلتُ له أجل لقد أقلعتُ عن التدخين ببركات دعوات الصالحين. أشعل السيكارة وأخذ منها نفسا عميقا وكرر العبارة:" مشاكل لاتنتهي ياأخي" وبدأ يحدثني عن إحدى مشاكله التي أرقت جفونه فلم ينم حتى الصباح قائلا:" تصوّر أن إبن فلان كم هو شاب طائش ومحتال فقد تمكن وبأسلوب شيطاني من إغراء صديقة إبني الذي ليس له تلك الخبرة بعد في جذب البنات. لم أدعه يسترسل في حديثه وإنما قاطعته قائلا: نحنه فين والدنيا فين.
وآخر مثله:
سألتُ أحد الأولاد الذي كان برفقة والده في إحدى المحلات التجارية: لماذا عبثت بشعر رأسك بهذه الطريقة المضحكة فأنت إبن إنسان محترم ولا يليق بك أن تتشبه بكل مَن هبَّ ودّب. طلبتُ منه أن نجلس قليلا في مكان يليق بنا لنتحدث عن هذه الموجة التي يقلدها أولادنا دون الإلتفات إلى مواطن الخطر التي تكمن وراءها فينتقل التقليد من العبث بتسريح شعر الرأس واللحية والشارب إلى الأقتداء بتلك الشخصيات القبيحة مما يؤثر على السلوك العام ويخدش الخُلق الحسن وهذان يستوجبان إعادة النظر في أصدقاء اليوم والبحث عن أصدقاء جدد وربما عن صديقات (الفيس بوك ) كي يكتمل نصاب الضياع والتدهور والإنحطاط. إن تقليد سلوك تلك الشخصيات المنحرفة هو تعبير واضح عن الأعجاب بها كما أن الإعجاب بها هو بداية السير على ذات الطريق، والسير على ذات الطريق يعني الوصول إلى النهاية المحفوفة بالمخاطر. طلبتُ من ذلك الشاب الصغير أن نجلس ونتحدث قليلا، أن يستمع لي وأستمع إليه ولكن والده قاطعني قائلا:" ياسيد.. لمْ تستوجب هذه الحلاقة العصرية كل هذه النصائح الأبوية. لقد طلبتْ صديقة إبني منه أن يفعل ذلك وهما يحبان بعض. ياسيد.. دعوا الشباب يعيشون زمانهم فهم أحسن حالا منا، وبأمكان أحدهم بمجرد لقطة رائعة أوتسريحة جميلة أن يجلب العشرات من البنات ويجذب أُخريات. إنه عصر الفيس بوك ياسيد". إستمعتُ لذلك الوالد حتى أنهى حديثه فلما إفترقنا قلتُ مع نفسي:" على مَن تقرأ مزاميرك ياداود".
حق التعليم:
إستمعت لبعض الزوجات وهن يندبن حظهن المتعثر صباح مساء.أحداهن قالت وهي تذرف الدموع:"كم أنتم قساة معشر الرجال، لكم وحدكم طلب العلم في المعاهد والجامعات ولنا التقوقع في زوايا الحجرات. أطرقتُ برأسي إستحياءا من هذه المخلوقة المحترمة فلم أستطع أن أنطق بحرف واحد. حاولت أن أهدأ من روعها ولكنها كانت تسمعني كلمات قاسية جدا إلى أن بكيت لحالها وقلت لايصلح العطار ماأفسد الدهر. لقد كانت هذه السيدة المحترمة طالبة ذكية ومتفوقة في دراستها الثانوية ولكن جهل عائلتها أجبرها على القبول بالزواج ومقاطعة العلم لتعيش أيام عمرها شبه أميّة يائسة ومحبطة مع زوج كالدابّةِ هَمُها عَلَفُها، فهو أحد المؤمنين بنظرية"المرأة تصل إلى قلب الرجل عن طريق معدته". أقول أنا الجاهل: ألم يقل رسولنا الحبيب المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام"طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة". ألسنا من الذين يتبعون الرسول الأكرم ويؤمنون بأنه(ص) لاينطق عن الهوى، أم أننا أصبحنا وللأسف الشديد نقلة أحاديث وروايات نتفاخر بيننا على حفظها وترديدها كلما دعت الضرورة لذلك. ألم يقل الله عزوجل في كتابه المجيد:" إن أكرمكم عند الله أتقاكم". ألسنا من المؤمنين بأن هذا القرآن لاريب فيه وأنه منزل من السماء على قلب محمد بن عبد الله (ص). مامعنى المرأة نصف المجتمع.هل أن هذه العبارة هي أيضا للإستهلاك المحلي كغيرها من عبارات الإستهلاك التي أتخمت الناس في عصرنا فلا رغبة لإحد منهم بالإستماع لمصلح ناهيك سيدي الكريم عن السماع أصلا. أين الخطباء المصلحون من هذا. أين المبلغون المحترمون أين أهل العلم أين الباحثون والكتّاب المنصفون. لاعتب على أحد فهموم السياسة وحدها كافية لضياع أمة بكاملها. نحاول عبثا إصلاح الكبار ولم نهيّأ بعد جيلا واعيا مثقفا مؤمنا يؤمن "بأن الذين يأكلون أموال الناس بالباطل إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا".
وأخرى مثلها:
قالت لي كنت كالوردة ولكني ذبلت قبل أن أتفتح. لم تجبرني عائلتي على الزواج فقد كنت إبنت والدين أكادميين مؤمنيين وكان والدي العزيز يشجعني كثيرا على مواصلة طلب العلم ويحدثني دوما عن زميلاته في الكليّة اللائي كن لايشغلهن سوى الجد والإجتهاد وإحراز علامات التفوق والنجاح الباهر. لكني رغم هذا كله فقد كنت موضع شك وريب في المجتمع الذكوري الذي لاينصف المرأة ولا يضع لها وزنا، ولربما لم يعترف بأن لها ما للرجل من عقل وقلب ومشاعر وعواطف وأحاسيس وطموحات. مجتمع ذكوري بإمتياز فالحرام يقع على المرأة والحلال من نصيب الرجل. تواصل هذه السيدة: "كل ذلك من أجل ألاّ تنحرف هذه الأنثى البائسة فهي مخلوقة لإرتكاب الأخطاء والرجل قد خُلِقَ مُنَزَهٌ عنها. كان بعض أقربائي الجهلة يسألون والدي الرائع: ما سر رفض إبنتك الدائم لفكرة الزواج، فهناك الكثيرات أمثالها قد تزوجن وتفرغن لبناء الأسرة. بناء الأسرة يعني المساهمة في بناء المجتمع أمّا الشهادة الجامعية فهي لبناء شخص واحد، هكذا كان أولئك الجهلة يحدثون والدي الرائع.لاتتعب نفسك كثيرا على هذه البنت فسيقال عنها غدا:(إنها زوجة فلان) فتكون جهودك حينها هباءا منثورا. أمّا الولد(يعنون به الذكر) فسيقال عنه غدا:(أنه إبن فلان ولو تزوج بأكثر من واحدة). كان ذلك الكلام يجرح قلب والدي العزيز ويأسف له كثيرا ويحاول بعد إنصراف هؤلاء الجهلة أن يقوّي من عزيمتي على مواصلة حياتي العلمية فقد كنت جادة في أن أصبح طبيبة تعالج بعض هذه الأمراض المزمنة في هذا المجتمع الذكوري. أحد هؤلاء الأقرباء قال لي بأني سوف أندم كثيرا حينما أرى الأخريات قد أنجبن ماشاء الله من الأولاد بينما أنا ـ على حد زعمه ـ سوف أنجب دموع الحسرة والندامة على مافرطت في جنب الرجل الزوج، فتكون خسارتي باهظة الثمن ووضعي يُرثى له ولاتنفع الندامة غذا إلاّ مَن تزوجت فأنجب ثم طبخت فقدّمت ثم نظّفت ومسحت ثم سهرت فآنست ثم نامت كأنها ماتت ، فالأيام تمر مرّ السحاب ووقوفي أنا الأستاذة الجامعية على المنصة في الكليّة ستكون عديمة اللون والطعم والرائحة لأني أجلّت الزواج إلى بعد التخرج من الجامعة" أي حينما أكون في سن الخامسة والعشرين فقط". يؤسفني أنا العبد الفقير أن أنقل لك سيدي الكريم ترهات أمثال هؤلاء الذين لازالوا ينظرون إلى المرأة بأنها أَمَةٌ مملوكة للرجل وليس لها إلاّ الطاعة العمياء له وإن كان غبيا مخبولا جاهلا، إينما توجهه لايأتي بخير. فهو فاشل في حياته الدراسية وفاشل في حياته الأسرية وفاشل في دنياه وفاشل في آخرته.
الشيء بالشيء يُذكَر:
يتندر بعض الرجال بذكر هذه النكته التي تعبر بشكل ساخر عن أن المرأة في المجتمع الذكوري هي خادمة وحسب:" يقال أن رجلا قد تزوج بشابة كانت عزيزة أهلها فأخذ إجازة من العمل في صباح اليوم التالي لليلة الزفاف ولازم البيت منذ الساعات الأولى لذلك اليوم. إرتدى(صدرية المطبخ) وقام بإعداد الفطور فلّما رأته الزوجة المهذبة على تلك الحال خجلت وطلبت منه أن تساعده على الأقل ولكنه أبى وقال لها: لاعليك إن واجبي أن أخدمك أيتها الغالية. بعد الإنتهاء من تناول الفطور قام وجمع الصحون وبدأ بغسلها وتنشيفها ليباشر في تهيأة وتحضير الغداء وكانت كلّما طلبت أن تساعده يأبى ذلك ويقول أنت مدللتي ولايهمني سوى رضاكِ أيتها الغالية. وقبل تناول الغداء عند منتصف النهار قام بتنظيف البيت والمرافق الصحية وترتيب قطع الأثاث وتلطيف جو البيت بالبخور والعطور. بعد الإنتهاء من تناول الغداء أعاد الكرّة مرّة أخرى بغسل الصحون وتنشيفها ليبدأ بعدها بتحضير العشاء الثقيل الذي يجب ألاّ يخلو مرّة من الرز وإن كان الوقت متأخرا. بعد الإنتهاء من تناول العشاء قام هذا الزوج الرائع المشفق على زوجته من غسل الصحون كما فعل سابقا وهو لم يخلع الصدرية الملوّثة إطلاقا وكانت أمارات التعب والإرهاق تبدو عليه جلية واضحة. ولكن كل ذلك يهون من أجل إرضاء الحبيبة الغالية. حان بعدها وقت النوم وكانت قد سبقته إلى السرير فحياها وشرع بخلع صدرية المطبخ وقال لها بإبتسامة زائفة:" هل رأيتي ماصنعته لك طوال اليوم من خدمات جليلة وأنت كالأميرة الجالسة على عرشها.فأجابت المسكينة على براءتها: إي وربي أشهد بذلك وأعترف به ولا أنساه مدى حياتي. فقال لها الزوج المشفق: إذن هذا هو عملك في هذا البيت منذ الغد إلى آخر يوم من حياتنا. وإن كان عندك سؤال حول بعض الواجبات التي ربما غفلتي عن ملاحظتها فإني مستعد لتوضيحها لك قبل أن يأتي يوم غد. أظن أن هذه الطرفة التي يتداولها بعض الرجال المشفقين جدا على زوجاتهم لاتحتاج إلى تعليق.
والدتي رحمها الله:
عاشت مع زوجها كالأميرة المدللة فالكل يطلب رضاها وصالح دعواتها إبتداءا من الزوج الطاعن في السن إلى أصغر ولد إبتدأ لتوه من الوقوف على قدميه. أتذكر وأنا الصبي الصغير وقتها كيف كان والدي يحبو، لضعف قوته وهو شيخ كبير، ويقدم لها كأس الشاي ثم يرفع طرفه إلى السماء وكأنه يقول شيئا لانفقهه. إجتمعنا نحن العيال ذات مرّة وأقسمنا عليه أن يخبرنا عن سرّ نظره إلى السماء كلّما قام بخدمة والدتي التي كانت بصحة جيدة وعافية تامة وهو الكبير الذي لايقوى على المشي. أجابنا بعد إلحاحنا: أرفع رأسي إلى السماء وأقول لخالقي اللهّم تقبل مني هذا القليل ثم أتوجهُ إلى أرض المدينة المنورة وأقول للحبيب المصطفى (ص):ياأبا القاسم ياإمام الرحمة ياسيدنا ومولانا أعذرني إن لم أكن كما أردتَ(خيرا لأهلي) فوالله لم أدّخِر جهدا في خدمتها ولكن كبر سني وضعف بدني حالا دون المزيد و"لايكلّفُ اللهُ نفسا إلاّ ماآتاها". أقول أنا الجاهل كاتب هذه الأسطر: رغم هذه المداراة لوالدتي رحمها الله إلاّ أنها كانت تشعر بأن المجتمع الذكوري يبخسها أقلّ حقوقها فكانت تفضل الجلوس في البيت لأنها تشعر بوجودها وعظيم قدرها. شكت لي ذات مرّة وهي مختنقة بعبرتها وقالت:" ياولدي نحن النساء نعيش في مجتمع جائر ينظر إلينا بإزدراء، فالمرأة فيه خادمة مهانة بينما الرجل(حاشا والدك وأمثاله السادة الكرماء) يجلس معززا مكرما أمام أقاربه وضيوفه يكرر بإستمرار: لم تكوني جيدة في الطهي والتحضير. أنظري.. هذا الحساء بارد، وهذا العصير ليس باردا وهذا وهذا.. والقائمة تطول. ياولدي كم يؤلمني ويحزنني أن يمنعونا نحن النساء في أيام العشرة الأوائل من شهر محرّم الحرام من زيارة أمير المؤمنين عليه السلام". أتذكر أنها كانت تطلب مني الذهاب إليه وتحملني رسالتها التي تقول فيها: السلام عليك أيها الوصي البر التقي. السلام عليك أيها المظلوم في حياتك وبعد وفاتك. السلام عليك بما صبرتَ فنِعمَ عُقبى الدار. السلام عليك ياأبا الأرامل والايتام فقد شعرنا بعدك باليتم سيدي، فها نحن النساء قد منعونا الرجال من زيارتك ومواساتك وتعزيتك بالحسين عليه السلام متناسين أن في معسكر الحسين في كربلاء كانت زينب وبقية الهاشميات وكانت ليلى والرباب وأم وهب. أعذرني سيدي ومولاي أبا الحسن، فنحن نساء مجتمع ذكوري يرى في المرأة رجس الشيطان ونجس لايقرب المسجد الحرام، وفي الرجل يرى الطهر والطهارة والإيمان. لم ينصفونا بأن يجعلوا الدخول لزيارتك يوما للرجال وآخر للنساء بل منعونا عشرة محرم وتلك عشرةٌ كاملة.
نسأل الله العافية
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat