صفحة الكاتب : هيفاء الحسيني

محاضرة عن معوقات الديمقراطية في الراهن العراقي ألقتها الاعلامية هيفاء الحسيني في جامعة واشنطن
هيفاء الحسيني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الديمقراطية ومعوقاتها في الراهن العراقي 
هنالك مجموعة من العوامل المعيقة للتطور الديمقراطي في العراق ، تتعدد أشكالها، وتفترض تمرداً اجتماعياً واسعاً في ظل التطور التدريجي للعملية الديمقراطية مما يقتضي اتخاذ الإجراءات الضرورية لمعالجتها بين تغيير وتعديل لبعض مواد الدستور وإعادة توزيع السلطة بين القوى السياسية.. وإلا فهنالك إمكانية لاستمرار حالة التردد والمراوحة أو التراجع قد تمتد لبضع سنوات قادمة وقد تفجر أزمات سياسية كبيرة .. 
- ويعد العامل الاقتصادي على رأس هذه العوامل المعيقة التي يعيشها العراق فملامح الأزمة متجسدة بما يجعل وصفها محل اتفاق عام لدى المتخصصين مثلما إنها محل شكوى عامة لدى المواطنين. إنها ببساطة أزمة مجتمع يستهلك أكثر مما ينتج، وأزمة اختلال في توزيع مقدار الاستهلاك بين فئات المجتمع وأزمة إدارة لمعظم جوانب العملية الإنتاجية .. هذا إذا طرحنا جانباً صور الفساد في الأخلاق والإدارة والاقتصاد والمجتمع. 
- أما العامل الآخر فهو المتعلق بعجز موارد الدولة عن التزاماتها إزاء المواطنين، سواء تعلق الأمر بدعم السلع أم بتوفير الخدمات الأساسية، وهو ما يدفع لتقليص الدولة لمقدار التزامها نفسه دون بديل محدد سوى الخفض الفعلي لمستوى معيشة قطاعات اجتماعية واسعة منخفضة المستوى أصلاً. 
انه التقشف المعيشي غير المتميز بالعدل ، لكنه يقع أساسا على حساب الجيوب المثقوبة فقط الذين يصطلون أصلاً بنار التضخم. ويكفي النظر إلى هيكل المرتبات والأجور في الدولة. 
- والعامل الثالث يتعلق بوضعية هجرة المهارات والكفاءات العراقية وما يترتب عليها من آثار سلبية.. إلا ان الأخطر من ذلك هو احتمال عودة بعضهم قسرا او اختياراً. وليس هناك من يدعي إن الاقتصاد العراقي مهيء لاستقبالهم أو لدى الدولة خطة طوارئ لاستقبالهم إذا قضي الأمر وعادوا في ظروف انتشار البطالة. 
وخلاصة هذا العامل المعيق أن العراق يواجه أزمة اقتصادية مضاعفة تعبر عن اضمحلال موارد الدولة الأخرى، والمردود السياسي لذلك هو أن التجربة الديمقراطية التي بدأت مع التغيير السياسي الذي حدث في العراق عام 2003م قد أصبحت اليوم أمام اختبار التحول الى ديمقراطية مقيدة، وهو ما يعني أن صراعاً قد بدأ بين الاتجاهات السياسية والفكرية في العراق والاتجاهات الباحثة عن حل الأزمة في الإطار الديمقراطي. 
- أما العامل الرابع في عرقلة تطور الديمقراطية في العراق فيأتي من طبيعة هيكل جهاز الدولة حيث تم اختيار القيادات على أساس التوازن الداخلي أو على أساس الولاء السياسي والمذهبي والشخصي،وهذا ولّد قيادات متواضعة المستوى، ويندر أن يتواجد من بينها من هم على فهم لتطورات العصرنة وإدراك لتبعات التطور الديمقراطي. 
أما بقية النظام القانوني للدولة ما دون الدستور فهو أيضا نظام بلائم مجتمعاً سياسياً أحاديا وليس فيه من مظاهر تنظيم التعددية سوى قانون الأحزاب الذي لم ير النور لحد الآن منذ أن تكلفت آليات تطبيقه نشأة الأحزاب.. كذلك، يلاحظ غياب وثيقة سياسية تعبر عن فكر النظام السياسي القائم والمفترض أن يكون فكراً ديمقراطياً يتخلل جهاز الدولة وينعكس في أدائه. 
كذلك، تعاني السلطة القضائية الضغوط غير المباشر للسلطة التنفيذية والتي تضعف قدرات القضاء في تقنين التجربة الديمقراطية على الأقل من خلال كم القضايا المعروضة عليه بما يفوق طاقته. هذا مع تزايد ميل بعض دوائر السلطة التنفيذية للتدخل المباشر في شؤون القضاء. 
على إن تعويق تطور التجربة الديمقراطية لا يرجع فقط لنوعية جهاز الدولة بل هو يرجع بالمثل الى نوعية النخب السياسية العراقية بمعناها الواسع.. فإن كان للسلطة الحاكمة معايبها المعبرة عن الجانب الذاتي لتخلف جهاز الدولة العراقي وتوتر علاقته بالديمقراطية فكراً وممارسة ، فان للنخب السياسية معايبها المؤثرة سلباً على العملية الديمقراطية أيضا . فهي يغلب على فكرها طابع الانشداد إلى التحجر سواء في قوالبها الإيديولوجية أم في معاركها السياسية والتي يدور جزء معتبر منها حول التاريخ. 
والكثير من شعاراتها يعكس عقلية جيل الأربعينات أكثر من عقلية التهيؤ للمستقبل بتفحص تعقيدات الحاضر والوطني. 
واللغة التي تطرح بها هذه الشعارات وتتناول بها مختلف قضايا المجتمع، هي لغة في اغلب الأحوال تعكس تبرماً بالأوضاع أكثر مما تعبر عن وعي بالمشكلات ووصف لطرائق حلها.. 
تساندها حقيقة اللامبالاة الشعبية الواسعة وضعف المشاركة الجماهيرية في الحياة السياسية وضيق قاعدة المجتمع المدني وخمول مؤسساته في مواجهة سوء الخدمات وتردي الوضع الاقتصادي والبطالة وماالى ذلك من منغصات التطبيق المنتج لمفهوم الديمقراطية.. كما ان المشاركة الجماهيرية في الحياة الحزبية محدودة أيضا، والنقابات التي تلتقي فيها النخب مع جماهيرها والتي عادة ما كانت منابر أنشط من الأحزاب نفسها، أصبحت ميداناً لتوترات حادة خصوصاً النقابات المهنية التي تنبئ انشقاقاتها بحالة أصابت الطبقة الوسطى العراقية. 
ومع تلك المعوقات والعوامل المثبّطة على هذه المستويات الأربعة، تكون القاعدة الشعبية للتجربة الديمقراطية ضيقة. وهو ما يجعل التجربة كلها في مهب الريح ويزيد من احتمالات سقوطها أمام متغيرات الواقع.. 
وأخيرا نقول : كشأن جميع النتاجات الحضارية الوافدة تجابَه الديمقراطية بإشكالات عديدة إزاء مقبوليتها كفلسفة قائمة على مبان أساسية منها (أصل الحرية-حكم الشعب-حكم الأغلبية).. 
وكآليات تطبيقية تتمثل في الانتخابات وممارسة السلطة وغيرها ، ربما يكون النتاج الحضاري العراقي على مدى آلاف السنوات والموروث الفكري الضخم الذي رفد به العراقيون التراث الفكري العالمي من جهة قد فاقم لدى هذا الشعب العريق حساسيته تجاه التغريب والنتاج الوافد من حضارة الأمم الأخرى . 
ومن جهة أخرى ربما يكون النزوع البشري الفطري نحو الاستبداد واحتكار المنافع الذي نمى في العراق على مدى قرون في بيئة هي الأنسب لتعليم احتكار السلطة وممارسة القسر وإنتاج الفردية بكل أشكالها ومدلولاتها ، كل ذلك قد وقف معيقا للتحول الديمقراطي الى العراق. 
فالديمقراطية تحتاج إلى بنى تحتية وبرامج عمل ومناهج تثقيف كي يكون تطبيقها ومعايشتها على أرض الواقع أمرا سهلا وميسورا.. 
الاعلامية هيفاء الحسيني واشنطن دي سي  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هيفاء الحسيني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/22



كتابة تعليق لموضوع : محاضرة عن معوقات الديمقراطية في الراهن العراقي ألقتها الاعلامية هيفاء الحسيني في جامعة واشنطن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net