التظاهرات في العراق بين التسييس والاستغلال

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
دعت بعض الجهات السياسية المواطنين إلى الخروج بتظاهرة كبرى يوم الخامس والعشرين من شهر شباط الجاري للمطالبة بتحسين المستوى الخدمي ، ومحاربة الفساد ، والقضاء على حالة الشلل المنتشرة في اغلب دوائر الدولة خصوصا الخدمية ... وأطلقت هذه الجهات على  التظاهرة اسم (يوم الغضب) في إشارة إلى غضب الجماهير العراقية على طبيعة الأوضاع السائدة في البلد .
وتحاول هذه الجهات (أي المنظمة للتظاهرة) استنساخ التجربة المصرية وقبلها التونسية في العراق كعامل ضغط على الحكومة لاستجابة مطالب الجماهير العراقية التي تدعوا لتحسين المستوى المعاشي للفرد العراقي ، والارتقاء بواقع الخدمات إلى الأفضل .
وسبقت هذه التظاهرة الكبرى ، تظاهرات عديدة في الكوت والبصرة وذي قار والديوانية ... وشاهدنا مستوى الدمار الكبير الذي خلفته هذه التظاهرات وعدد الخسائر البشرية ، خصوصا في محافظة الكوت وقبلها البصرة ، وبات في حكم المؤكد انه من المستحيل كما يقال تنظيم تظاهرة سلمية بمعنى كلمة (سلمية) في العراق ، لأسباب عديدة ربما من أهمها عدم ارتقاء الجهات السياسية العراقية \"التي تدعوا لإقامة التظاهرات\" إلى مستوى ثقافة التظاهر الحقيقية ... وهذا الأمر ينعكس أيضا على المواطن العراقي الذي لايعلم في اغلب الأحيان لماذا يتظاهر ومن يمثله في هذه التظاهرة .
يضاف إلى ذلك إن اغلب التظاهرات التي خرجت في العراق ، سيست من قبل جهات استغلتها سياسيا ، ولم يجني منها المواطن العراقي البسيط \"الذي خرج للتظاهر وعرض نفسه للخطر\" سوى الخروج ...في ضل الأحداث المتواترة ، والمتغيرات التي يشهدها البلد ... وفي الوقت الذي يتجمع فيه أبناء الشعب للمطالبة بحقوقهم المشروعة ، تتفاوض الجهات السياسية (الممثل الغير شرعي للمتظاهرين) خلف الكواليس مع أطراف الحكومة ، وتخرج بامتيازات على حساب المتظاهرين ،  وهذا مالمسناه في اغلب التظاهرات التي خرجت في السابق وعادت كما بدأت دون تحقيق ادني شئ . 
وبالعودة إلى التظاهرات التي شهدتها محافظتي البصرة والكوت ، والتي تعد الأعنف والأكثر دموية ، وراح ضحيتها عدد من الشهداء ... لاحظنا إن هناك أيادي خفية حاولت خلط الأوراق ، وحولت مسارها الطبيعي من الجانب السلمي  إلى واقع آخر تريده هذه الأيادي المدعومة سلفا من جهات تشترك في قيادة البلد بشكل أو بآخر ، وتسعى باستمرار لاحداث حالة من الفوضى واللااستقرار ... وهذا مانخشاه ونحذر منه في تظاهرة يوم الغضب والتي ستنطلق في عموم محافظات العراق في الخامس والعشرين من الشهر الجاري ، والتي لم يعرف حتى الآن من هي الجهة الرسمية الداعية لهذه التظاهرة ، وماهي المطالب الأساسية لها ، ومالهدف من ورائها .
وقبل انطلاق هذه التظاهرة بدأت بعض الجهات الخفية التحدث باسم المتظاهرين ، ونشرت بعض البيانات والتصريحات المنسوبة إلى مايسمى بـــ(المتحدث باسم ثورة شباب العراق) ، وسط مخاوف كبيرة أقلقت الشارع العراقي من عودة البلد إلى الوراء ، وانتشار عصابات السلب والنهب في حال حدوث بعض الأمور السيئة \"لاسامح الله\" من قبيل اتساع دائرة الفوضى ، وزعزعة الوضع الأمني في عموم مناطق العراق ... وهذا الأمر حدث تماما في تظاهرة مدينة الكوت وماصاحبها من إعمال شغب أضرت كثيرا بالمدينة ، وطرحت أكثر من سؤال عن مستقبل العراق في حال شهد هكذا أعمال في تظاهرة يوم الغضب .
ويبقى الشئ الأهم والذي يجب أن يدركه المواطن جيدا ، إن توقيت التظاهرات في العراق ، وفي هذه الظروف بالتحديد لن تجدي نفعا ، ومهما كان حجم التضحيات فان الأمر لم يكن كما حدث في مصر أو تونس ، أو كما يتمناه العراقيون \"على الأقل\" الذين اختاروا هذه الحكومة (بكل مساوئها) بملئ إرادتهم ... من خلال الانتخابات التي أعادت نفس الوجوه القديمة وأحدثت مفاجئات عديدة لم يكن يتنبأ بها أحدق المحللين والمتابعين للمشهد العراقي ... والتي أظهرت صراع المصالح إلى السطح ، وأثبتت للجميع أن المصلحة الشخصية فوق القيم والمبادئ التي تنادي بها بعض الكتل السياسية . 
وبالرجوع إلى طبيعة التظاهرات في العراق ، فان ماحدث في الكوت وبعض المناطق الأخرى بساعات قليلة  لم يحدث مثله في مصر خلال أكثر من أسبوعين قضاها المتظاهرون في ميدان التحرير وسط القاهرة ... والفرق بين الحالتين إن العراق يشهد حالة من اللااستقر مقابل استقرار تام في تلك الدول  وسيطرة شبه مطلقة على اغلب المتظاهرين الذين ابدوا انضباطا كبيرا ربما لن تستطيع أي جهة فرضه في العراق ، وسط انتشار الآلاف من المخربين والإرهابيين الذين ينتهزون الفرض للإحداث بالعراق وبأبناء العراق .
لانريد مزيدا من الدمار، ولانريد مزيدا من الدماء ... نخشى على العراق وعلى العراقيين .... يجب أن ندرس زمان التظاهرة ومكانها ، وسلبياتها وايجابياتها ، للخروج بنتائج  تلبي طموح المواطن العراقي المعدم البائس ، والذي يعاني حالة من الفقر المطبق \"في بلد يعد من اغني بلدان العالم\" نتيجة التراكمات السياسية ، وجهل المسؤول المتعمد ، وتقصير الحكومة التي تتحمل أوزار الأحداث الجارية ...  يجب أن نسلك الطرق الصحيحة للمطالبة بحقوقنا المشروعة ، لا أن نفتح الباب واسعا أمام المسؤول لسرقة أموال الشعب أكثر وأكثر ، من خلال الحرق المتعمد لمباني الدولة وتخريب الممتلكات العامة والتي لايتأثر منها إلا المواطن العراقي نفسه . 
ali.almaleky@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/22



كتابة تعليق لموضوع : التظاهرات في العراق بين التسييس والاستغلال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net