صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح152 سورة هود الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{112} 

تضمنت الاية الكريمة امر ونهي :

1- ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ) : امر , يأمر النص المبارك الرسول الكريم محمد (ص واله) ومن تاب معه من المؤمنين بالثبات على جادة الحق , في العقائد والاعمال .

2- ( وَلاَ تَطْغَوْاْ ) : نهي , ينهي النص المبارك عن الخروج من طاعته عز وجل وتعدي حدوده .  

3- ( إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) : الله عز وجل مطلع على اعمالكم واقوالكم , وسيجازيكم عليها , الخير بالخير , والشر بالشر .    

جاء عن ابن عباس ما نزلت آية كانت أشق على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الآية ولهذا جاء عنه (ص واله) انه قال ( شيبتني هود والواقعة وأخواتهما ) .  

 

وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ{113}

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة مواقف : 

1- ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) : الركون فيه رأيين : 

أ‌) يمعنى الميل . "مصحف الخيرة علي عاشور العاملي , تفسير الجلالين للسيوطي , تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني " . 

ب‌) بمعنى النصيحة والمودة والطاعة . " تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني , تفسير البرهان ج3 للسيد هاشم الحسيني البحراني " .

( الَّذِينَ ظَلَمُواْ ) , القائمون على المعاصي , فنهت الاية الكريمة مودتهم او مداهنتهم او حتى الرضا باعمالهم , ( فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) , تصيبكم , وهذا مما يدل على عدم الخلود في النار , بل سيتعرض صاحب هذا الامر اليها بنحو ( فَتَمَسَّكُمُ ) .       

2- ( وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ) : ليس لكم عندها انصارا من دونه عز وجل يمنعون العذاب عنكم .

3- ( ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ) : عند ذلك يقع عليكم العذاب لا محال , وستعدمون الناصر .    

 

وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ{114}

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة محاور : 

1- ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ ) : (  طَرَفَيِ النَّهَارِ ) , صلاة الصبح والظهر والعصر , (  وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ ) , صلاة المغرب والعشاء ."تفسير الجلالين للسيوطي ".  

2- ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ) : الحسنة بعد صغائر الذنوب تمحوها , دون الكبائر , ويلاحظ ان كثرة الحسنات بعد الذنب تستره وتمحوه , وهو ما اشارت اليه الاية الكريمة {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }آل عمران30 على حد بعض الاراء , يستفاد ان كثرة الحسنات بعد الذنب تبعد المسافة سترا وتكفيرا ومحوا .  

3- ( ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) : ان كل ما تقدم فيه العظة والعبرة للمتعظين المعتبرين .    

 

وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{115} 

تأمر الاية الكريم بالصبر على الطاعات والواجبات , وترك المحرمات وكل ما نهي عنه , وتؤكد (  فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) , لا يضيع عنده جل وعلا شيئا من الاجور مهما كان قليلا .

 

فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ{116}

تشير الاية الكريمة الى  ( فَلَوْلاَ كَانَ ) , فهلا كان , ( مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ ) , ذوي عقل نير ورأي سديد , اصحاب فضل وصلاح , واشار لهم النص المبارك بـ ( أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ ) فيه ثلاثة اقوال :    

1- لأن الرجل يستبقي لنفسه أفضل ما يخرجه . 

2- ومنه يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم . 

3- وقولهم : في الزوايا خبايا ، وفي الرجال بقايا .

" تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني" 

(  يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ ) , ينهون ويمنعون انتشار العقائد والممارسات الفاسدة , او حتى يستنكرونها ان لم يتمكنوا من وضع حدا لها , (  إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ) , يستثني النص المبارك قلة قليلة , نهوا عن الفساد , فأنجاهم الله تعالى , (  وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ ) , يشير النص المبارك الى ان الاكثرية كانوا ممن اتبعوا الشهوات والملذات , وهم تاركي النهي عن الفساد والمنكرات , (  وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ) , استحقوا العذاب والهلاك لسببين :        

1- تفشي الظلم والمعاصي والاثام والمنكرات . 

2- عدم نهيهم عن الفساد والمنكرات من الاعمال .  

 

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ{117} 

تستكمل الاية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة وتؤكد ما كان الله تعالى ليهلك ويعذب اهل قرية ظلما لهم , فلا يجوز منه جلا وعلا الظلم , لكن الظلم وقع عليهم من جراء اعمالهم الفاسدة , (  وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) , لو كان اهل تلك القرى مصلحين , منصفين لبعضهم البعض , لما وقع عليهم الهلاك والعذاب . 

يقال ان ( الملك يبقى مع الكفر , ولا يبقى مع الظلم ) , فيكون بالنتيجة ان الظلم هو من اهم اسباب في التعجيل بهلاك الامم , وان العدالة وان كانت مع الكفر ادوم لاستمرار النعمة . 

 

وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{118}

تبين الاية الكريمة (  وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ) , دين واحد , مذهب واحد , مسلك واحد , (  وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) , بعضهم اختار الحق , واختار غيرهم الباطل , فتعددت السبل والمذاهب والمسالك , حتى لا يكاد مذهب او مسلك يتفق مع غيره .  

كل شيء يعود لمقتضى حكمته جل وعلا . 

 

إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{119} 

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد : 

1- ( إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ) : يستثني النص المبارك من اتفقت كلمتهم على الحق , امنوا به واتبعوه , بمنه عز وجل ولطفه وهدايته . 

2- ( وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) : يشير النص المبارك الى ان حكمته عز وجل اقتضت ان يجعل الناس مختلفين , اتباع حق واتباع باطل , وكلا ميسر له اتخاذ مسلكه . 

3- ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) :  يشير النص المبارك الى ان كلمته عز وجل اقتضت ان يملأ جهنم من الجن والناس جميعا , وفي ذلك عدة اراء منها : 

أ‌) جميع العصاة والمتمردين على طاعته عز وجل من الجن والانس , وهو الرأي الارجح . 

ب‌) ان المؤمن مهما كانت درجة ايمانه , لابد وان يكون قد اكتسب بعض الذنوب , فيكون عندها غير مؤهلا لدخول الجنة , ما لم يتعرض لعملية تطهير , فيدخل النار مدة مؤقتة ما يستلزم تطهيره بشكل كلي من ذنوبه , تؤهله لدخول الجنة بعد ذاك .   

 

وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ{120}

تبين الاية الكريمة ان الله تعالى يخبر نبيه الكريم محمد (ص واله) بأخبار الرسل ما يستدعي تثبيت فؤاد ه (ص واله) , وجاء فيه : 

1- ( وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ ) : الحق الثابت . 

2- ( وَمَوْعِظَةٌ ) : عظة وعبرة . 

3- ( وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) : تذكيرا للمؤمنين , وخص المؤمنين بها , كونهم الاكثر انتفاعا من غيرهم .   

 

وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ{121}

توجه الاية الكريمة النبي الكريم محمد (ص واله) ان يقول للذين لا يؤمنون ( الزموا ما انتم عليه من الشرك , وما انتم قائمون به من المعاصي ) , (  إِنَّا عَامِلُونَ ) , عاملون على حالنا ومكانتنا من الايمان والعمل الصالح . 

تضمنت الاية الكريمة نوعا من انواع التهديد والوعيد للذين لم يؤمنوا ! . 

 

وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ{122}

تستمر الاية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة , ونستعرض فيها رايان :  

1- انتظروا فينا الدوائر تقع علينا في الدنيا , فأنا ننتظر ان تحل بكم دوائر مثلها , بل اشد منها . 

2- انتظروا عاقبة امركم , فأننا ننتظر عاقبة امرنا . 

 

وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ{123}

نستقرأ الاية الكريمة في خمسة موارد : 

1- ( وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) : له وحده جل وعلا علم ما غاب في السموات والارض . 

2- ( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ) : كل شيء عائد له جل وعلا , لا لغيره . 

3- ( فَاعْبُدْهُ ) : امر مباشر بعبادته عز وجل وحده .

4- ( وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) : ثق به جل وعلا , فأنه كافيك من كل ملمة . 

5- ( وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) : الله عز وجل يعلم كل ما يصدر منكم ( المؤمنين , الكافرين ) , وسيجازي كلا بعمله .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/12



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح152 سورة هود الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net