صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح156 سورة يوسف الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ{42}

تروي الاية الكريمة ان يوسف (ع) التمس من الساقي ان يحدث الملك بأمره (ع) , ليطلق سراحه , فنسى الساقي الامر , ولبث يوسف (ع) سبع سنين ( على اكثر الاراء ) . 

يلاحظ من الاية الكريمة ان يوسف (ع) التمس وساطة الساقي عند الملك , وهذا مما لا ينبغي ولا يليق  بالرسل والانبياء (ع) , ان يستعينوا بغير الله تعالى , وهذا ما كان ( فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) , مما جاء في ذلك من الروايات (  لم يفزع يوسف في حاله إلى الله فيدعوه فلذلك قال الله تعالى فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين قال فأوحى الله إلى يوسف في ساعته تلك يا يوسف من أراك الرؤيا التي رأيتها فقال أنت يا ربي قال فمن حببك إلى أبيك قال أنت يا ربي قال فمن وجه السيارة إليك فقال أنت يا رب قال فمن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعل لك من الجب فرجا قال أنت يا ربي قال فمن جعل لك من كيد المرأة مخرجا قال أنت يا ربي قال فمن أنطق لسان الصبي بعذرك قال أنت يا ربي قال فمن صرف كيد امرأة العزيز والنسوة قال أنت يا ربي قال فمن ألهمك تأويل الرؤيا قال أنت يا ربي قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي وتسألني أن اخرجك من السجن واستعنت وأملت عبدا من عبادي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي في قبضتي ولم تفزع إلي البث في السجن بذنبك بضع سنين بإرسالك عبدا إلى عبد ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني , تفسير البرهان ج3 للسيد هاشم الحسيني البحراني " .  

 

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ{43} 

تروي الاية الكريمة ان الملك قد رأى رؤيا ( سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ) , فأمر اصحاب المعرفة والحكمة ( يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) .    

 

قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ{44} 

تروي الاية الكريمة جواب اصحاب المعرفة الذين استدعاهم الملك , وكان في محورين : 

1- ( قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ) : اخلاط احلام . 

2- ( وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ) : ليس لدينا علما او معرفة في تأويل هذا النوع من الاحلام , وهذا النص المبارك يشير الى اعتذارهم من الملك لعدم قدرتهم على اجابته .  

 

وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ{45}

تروي الاية الكريمة ان الساقي تذكر امر يوسف (ع) , فطلب ان يرسلوه بأحضاره . 

 

يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ{46}

تروي الاية الكريمة ان الساقي طلب من يوسف (ع) تعبير رؤيا الملك .  

 

قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ{47}

تروي الاية الكريمة تعبير يوسف (ع) لرؤيا الملك , فأستهل بتعبير البقرات السمان السبع , ( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً ) , متوالية , متتابعة , ( فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ ) , اتركوه في سنبله , ( إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ) , استثناء ما تأكلون .    

 

ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ{48}

تروي الاية الكريمة تعبيره (ع) للبقرات العجاف السبعة , حيث سيأتي بعد سنوات الخصب سبع سنوات مجدبة , ( يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ) , في سنوات الخصب , ( إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ) , استثناء ما احرزتموه وادخرتموه من البذور للزراعة .     

 

ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ{49}

يستمر تعبيره (ع) لرؤيا الملك في الاية الكريمة , ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث الناس بالمطر , ( وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) , دلالة على حالة الخصب وكثرة الثمار , فيعصر منها ما هو قابلا للعصر , لصناعة واعداد مشروبات وانواع شتى من الطعام .        

 

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ{50} 

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد : 

1- ( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ) : امر الملك بأحضار يوسف (ع) .  

2- ( فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ ) : فلما وصل رسول الملك ليخرج يوسف من السجن . 

3- ( قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ) : يروي النص المبارك ان يوسف (ع) لم يرغب بالخروج من السجن ما لم يعلم براءته اولا , وبيان مظلوميته ثانيا , ولا يتحقق ذلك الا ان يقوم الملك بأستدعاء النسوة اللائي قطعن ايديهن , فيشهدن له بذلك , ( إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ) . 

 

قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ{51}

تروي الاية الكريمة ان الملك قد جمع ذينك النسوة , وقال مخاطبا اياهن ( قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ) , هل وجدتن منه ميلا نحوكن او شيئا من هذا القبيل , ( قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ) , يروي النص المبارك ردهن على الملك وكان في محورين : 

1- ( قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ ) : تبرئته (ع) . 

2- ( مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ) : الشهادة له (ع) بصلاحه وحسن سيرته وسريرته .     

عند ذاك انبرت زليخا الى القول (  قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) , وكان كلامها يصب في ثلاثة محاور :  

1- ( قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ) : ثبت وبان ووضح , ( حصحص البعير إذا ألقى ثفناته ليناخ أو أظهر من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهر بشرة رأسه ) . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" . 

2- ( أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ ) : يروي النص المبارك اعتراف زليخا . 

3- ( وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) : شهادة من زليخا ليوسف (ع) .  

 

ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ{52} 

تروي الاية الكريمة كلامه (ع) لما عاد اليه الرسول واخبره بكلام النسوة وزليخا في حضرة الملك , (  ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ) , ليكن في معلوم العزيز اني لم اخنه مع اهله , (  وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) , اهل الخيانة بعيدون كل البعد عن تأييد وتسديد وتوفيق الله تعالى لهم .   

 

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ{53}

تستمر الاية الكريمة بنقل كلامه (ع) , ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي  ) , لا انزهها , وذلك يصب في محورين :      

1- تواضعا لله تعالى . 

2- انه (ع) لم يرد بذلك تزكية نفسه , بل اراد بيان  فضله جل وعلا عليه , وما انعم عليه جل وعلا من العصمة والتأييد .  

( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) , حيث ان النفس مائلة بطبيعتها الى الشهوات والملذات , ( إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ ) , بالعصمة والمنعة والتسديد , ( إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) , يغفر ميل النفس ويرحم من يشاء بالعصمة . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .  

 

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ{54} 

نستقرأ الاية الكريمة في موردين : 

1- ( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ) : قرر فرعون ان يستخلص يوسف (ع) لما علم منه ما قد علم , فأسرع رسوله الى السجن , ليطلب منه (ع) ان يتسعد ويتهيأ لمقالته , فودع (ع) السجناء وارتدى ثيابا حسنة المنظر وانطلق . 

2- ( فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ) : يبين النص المبارك كلاما لفرعون في حقه (ع) , بعد ان علم صدقه وامانته وعفته (ع) .  

 

قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ{55} 

تروي الاية الكريمة كلامه (ع) لفرعون ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ ) , ارض مصر , ( إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) , ( حَفِيظٌ ) , من الخيانة وما شابه , ( عَلِيمٌ ) , بالتدابير والاجراءات اللازمة للحفظ وغيره .     

 

وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{56} 

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد : 

1- ( وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ) : يبين النص المبارك ان الله تعالى مكّن يوسف (ع) في ارض مصر , بعد ان ولاه فرعون عليها , فحكم (ع) ارض مصر , مدنها وبراريها , قراها ومزارعها وانهارها , (  يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ) , ينزل في اي شاء من بقاعها بحكم سلطته .  

2- ( نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء ) : يشير النص المبارك الى ان الله تعالى يصيب و ينزل وينيل رحمته الى من يشاء من عباده , سواء في الدنيا او في الاخرة .  

3- ( وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) : يبين النص المبارك انه جل وعلا لا تضيع عنده الاجور , فكل سينال اجره عاجلا او آجلا , في الدنيا او الاخرة . 

 

وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ{57} 

تقرر الاية الكريمة ان اجر وثواب الاخرة خير من اجر وثواب الدنيا , لدوام بقائه , وخلو عطاءه من اي منغصات , فمهما كانت ملذات الدنيا جميلة , فلابد لها من الزوال , وايضا لا تخلو من المنغصات , ( لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ) , حددت الاية الكريمة ان الاجر خير للذين تحلو بحلية الايمان , واجتنبوا الفواحش والموبقات . 

لا ينحصر زمن الاية الكريمة على زمان يوسف (ع) , بل هي عامة , تشمل كافة المؤمنين والمتقين في كل زمان ومكان ! . 

 

وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ{58}

تروي الاية الكريمة ان اخوة يوسف (ع) جميعا , الا بنيامين دخلوا عليه طالبين الميرة , بعد ان انتشر القحط في مصر والشام وارض كنعان , فعرفهم , ولم يعرفوه , ولعدم معرفتهم به (ع) اسباب كثيرة , لعل ابرزها :    

1- ظنوا انه (ع) قد هلك , وهذا الرأي محال , لانهم قد باعوه حيا للسيارة كما تقدم . 

2- طول العهد , فقد فارقوه في سن مبكرة جدا . 

3- لم يعرفوه لما شاهدوا عليه (ع) من هيبة الملك والسلطان , ما منعهم من التأمل في وجهه وملامحه .   

 

وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ{59} 

نستقرأ الاية الكريمة في موردين : 

1- ( وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ ) : يشير النص المبارك ان يوسف (ع) قد وافاهم بميرتهم . 

2- ( قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) : تروي كتب التفسير حوارا جرى بين يوسف (ع) واخوته , عرفوا فيه انفسهم انهم ابناء النبي يعقوب (ع) , وان لديهم اخوين لابيهم , الاكبر قد اكله الذئب , والاخر استبقاه يعقوب (ع) معه ليتسلى به عن فقدان اخيه , عند ذاك (  قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ) , طلب منهم احضار اخيهم بنيامين , ودعم (ع) طلبه بأمرين يوضح لهم امانته : 

أ‌) ( أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ ) : اتمه ولا انقص احدا من كيله . 

ب‌) ( وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) : وانا خير المضيفين , وكان ذلك بعد ان استضافهم (ع) , فأحسن ضيافتهم .   

 

فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ{60} 

يستمر كلامه (ع) مع اخوته في الاية الكريمة , ان لم تأتوا بأخيكم بنيامين فلا كيل لكم عندي بعد الان , ونهاهم (ع) من دخول ديار مصر التي يحكمها . 

 

قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ{61} 

تضمنت الاية الكريمة رد اخوته عليه (ع) , وكان في محورين : 

1- ( قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ ) : سنجتهد في طلبه من ابيه . 

2- ( وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ) : لما طلبت .   

 

وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ 62}

تبين الاية الكريمة ان يوسف (ع) امر فتيانه ان يردوا ثمن ميرتهم في اوعيتهم , ( لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا ) , حق ردها ,   إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ ) , اذا رجعوا الى اهلهم , وفتحوا اوعيتهم ,   لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) , لعل معرفتهم بهذا الامر تدفعهم الى الرجوع , او لعلهم لا يستحلون الثمن , فيرجعون لاعادته .       

 

فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{63} 

تروي الاية الكريمة ان اخوة يوسف (ع) لما رجعوا الى ديارهم والتقوا بابيهم يعقوب (ع) اخبروه بما جرى لهم مع عزيز مصر , وانه قد يمنع عنهم الكيل مرة اخرى ما لم يصطحبوا معهم بنيامين , ( فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) , طلبوا من ابيهم ان يوافق على ارسال بنيامين معهم , لرفع المانع , وتعهدوا ان يحفظوه من كل مكروه .   

 

قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{64} 

تروي الاية الكريمة رد يعقوب (ع) عليهم ( قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ ) , يذكرهم بما جرى من امر يوسف (ع) , فقد تعهدوا بحفظه , ولم يفوا بعهدهم ذاك , ( فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) , اتوكل على الله تعالى فهو الحافظ , عسى ان يرده عليّ سالما , وان لا يجمع عليّ مصيبتين .      

 

وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ{65} 

تروي الاية الكريمة انهم لما فتحوا اوعيتهم , وجدوا ان ثمن الميرة قد رد اليهم , ( قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ) , بيانا لكرم وسخاء عزيز مصر معهم , فماذا نطلب اكثر من هذا الكرم , ( وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ) , نجلب لهم الطعام , ( وَنَحْفَظُ أَخَانَا ) , من كل مكروه , ( وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ) , باستصحاب بنيامين معهم , ( ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ) , هين وسهل على عزيز مصر لفرط كرمه وسخائه .        

 

قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ{66}

تروي الاية الكريمة ان يعقوب (ع) قال لبنيه انه لن يرسل بنيامين معهم ما لم يأتوا بعهد موثقا بذكر الله تعالى ليحفظوا ويرجعوا به , الا ان يغلبوا وتقهروا على ذلك , ( فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ ) , يبين النص المبارك انهم اتوه بالعهد , عند ذاك (  قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) , رقيب ومطلع , فأن اخلفتم انتصف لي منكم , فوافق (ع) على ارسال بنيامين معهم .    

 

 

 

المصادر : 

1- تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني . 

2- تفسير الجلالين للسيوطي . 

3- مصحف الخيرة /علي عاشور العاملي . 

4- تفسير البرهان ج3 للسيد هاشم الحسيني البحراني .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/30



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح156 سورة يوسف الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net