صفحة الكاتب : منشد الاسدي

شمس بعد الضباب ..قراءة في ديوان ( ضباب ليس أبيض ) لغرام الربيعي .
منشد الاسدي

من المسلمات أن الاهداف عادة هي التي تحدد مسار التجربة والتمكن من أدراك وتحديد هوية المتلقي وفهم طبيعة الحياة والاجناس والمجتمع بشكل عام يؤثر على نوعية خطاب التواصل مع المتلقي وفهم نفسيته الفكرية والمعرفية والابداعية .

وربما تكون مهنة غرام الربيعي ذات الطابع التربوي الذي جعلها قريبة جدا من شريحة مهمة من المجتمع ( الشباب ) هو الذي مكنها من أدراك ان المتلقي ليس طرفا خارجا عنها وعن نصوصها , بل هو عنصر له حضور فاعل جدا ولذلك هي تخاطبه بحذر شديد وأحيانا توجه خطابها بشكل ضمني لشريحة لايعرفها غيرها ( النوافذ تشمت بالريح .. عليها أن لاتنسى أنها من زجاج ) ولاأحسب أن ثمه حاجة لفك طلاسم بعض القصائد لدى غرام الربيعي , لقد أختارت في بعض النصوص سهلا ممتنعا , تركت للقاعدة الثقافية ان تفك رموزها نائية بقارئها عن فرض عبارات شعرية ركيكة باتت منتشرة في عشرات المطبوعات في السنوات الخمسة الاخيرة , وبعيدة كذلك عن الالفاظ الفضفاضة والتكرار المقصود للمعنى أو حتى الجمل المستنفرة للمشاعر , أنها القدرة البارعة في أختيار الكلمات بلغة المتمرس دون تحميل الصورة الشعرية أكثر مما تحتمل (لاأحب الجلوس على الكراسي لانها للمعاقين أو من يعانون عاهه الولصول , اليها !!) أنها رسالة ضمنية موجهه الى بعض الافراد الذين يستغلون نقطة ضعف أممهم وشعوبهم نحو حياة هم يريدون لها أن تكون مترديه غائرة في التخلف .

تبدأ مجموعتها بالوجع الذي صار ( هوية كل العراقيين ) وهي بالتأكيد جزء من هذا المجتمع الذي له مع الحزن وقفه طويلة بعمر حضارته , تعترف غرام الربيعي أنها تتأخر كثيرا في طرح نتاجها الادبي , وعندما تقدمه تشير علنا أن مهنة الشعر وهواية الشعر تمتاز بخاصية , وهي أن صاحبها ينخرط فيها كليا ويمارسها  بعمق أعماق نفسه ويصب فيها جوهر ذاته , ولانها تقصد بذلك أنها ( تذوب في النص ) يتضح أنها تحتاج بعد كل مجموعة الى عملية بناء لانسان بكيان جسدا وروحا أسمه ( غرام الربيعي ).

ربما يعيب بعض من يقرأ لغرام أنها لاتشكل موهبه خلاقة لانها لاتطرح شكلا جديدا , شكلا يكون مختلفا عما يطرح ويكتب ويقال في ساحة الادب العراقي الحالي وان مواضيعها في ( ضباب ليس أبيض ) بعيده على ان تكون موضوعا قريبا من الشكل وبالتالي بفقدان الموضوع فقدان التأثير أو التمييز المرحلي على أقل تقدير .

وهنا أجدني أقول ان النقد الحديث يؤكد انه يلتفت ويهتم للشكل دون الموضوع , وفي الحقيقة هذا ليس بجديد فأن نقاد العرب القدماء أنفسهم كانوا يوجهون عنايه فائقه الى النص الادبي وكانوا يبحثون عن عناصر الجمال والمعاني التي تتوفر فيه , ولعل من أشهر من كتب في هذه المسألة من القدماء ( أبو عثمان الجاحظ ) في كتابه ( البيان والتبيين ) حيث يقول ( أن المعاني مطروحه في الطريق يعرفها العجمي والقروي والبدوي أنما الشأن في اقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وفي صحه الطبع وجودة السبك ) .

من هنا ولان غرام الربيعي هي فنانه تشكيلية أولا فأن الكلمات لديها كالالوان , وأذا كانت للالوان أطياف فللكلمات أطياف تستحق أن نقف عندها , تمتاز غرام بثروة لفظية جديرة بالتقدير , حاولت الشاعرة أن تجعل القارىء لايفلت من مجموعتها هذه بعد قصيدة أو وقفه , بل أصرت ان تبقيه منجذبا مواصلا قراءتها وهي تطرح عوامل جذب كثيرة تبدأ من العنوان وتنتهي بومضة لامست فيها مشاعر وأحاسيس وخلجات القارىء داخل حدود هذا الوطن الذي مزقته الخرائط والحروب عندما أختتمت معه ( نحن , الا سوى بقايا سلالات من حروب من غفلة كاتم الصوت أنحدر وجودنا )!! فأبقت القارىء في ضباب هو أساسا يعيش بداخله لكنها بينت له أن هذا الضباب ضباب مرحلي اني عليه أن ينساه مؤقتا وان يستجيب لمكامن الجمال في الحياة وأن لايجعله موضوعا ورؤيا وأثر لان هذه المخلوقات التي على الارض أنما خلقت لتستضيء من الشمس نهارا والقمر ليلا , ومالضباب الا حالة طارئه فرضتها أنواء ضروف جويه موسمية , وحتى الضباب الذي هو ( من صنع الله ) وليس البشر هو ( ضباب أبيض ممتع جدا ) بعكس الضباب الذي يصنعه الانسان ويكون مميتا جدا . ان غرام الربيعي تحسن اختيار الزمن العراقي أو ماتبقى منه ! فتضرب على اوتار معينة فيه , وغالبا ماتحب أن تختار الصباح ربما لانه الاشارة الوحيدة التي لازالت تدل على وجود وطن أسمه العراق (صباح كل أنية أصفف تجاعيد وطن ) وهي ترى وطنها بلا تجاعيد لساعات محدودة فقط , ديوان غرام الربيعي شعر لمبدعة عراقية , وأضافة للمكتبة العراقية , وتوثيق لمرحلة من الزمن العراقي المؤلم الغائر في ضبابيته .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


منشد الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/10/01



كتابة تعليق لموضوع : شمس بعد الضباب ..قراءة في ديوان ( ضباب ليس أبيض ) لغرام الربيعي .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net