صفحة الكاتب : مير ئاكره يي

المسيح في الأناجيل:صور متضاربة ومتناقضة ... ![ جدلية التثليث؛الإشكالية الأكبرْ ]ج5/ألف
مير ئاكره يي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مقدمة ... 
يعتبر التثليث ، أو الثالوث في الديانة المسيحية التاريخية الإشكالية الأكبر والمعضلة الأكبر من حيث الغموض والتعقيدات والتناقضات التي تلُفُّ بكل قوة وضغط أضلاعها الثلاثة الى حد التهشيم ، فهو مشحون بالغموض والتعقيدات والتناقضات الشاسعة المديات ، لا بالنسبة لجمهور الديانة ومعتقديها وحسب ، بل للطبقة الأولى ، في المقام الأول من رجال دينها وقساوستها وعلماءها ومفكِّريها ، فهم كلما لصقوا جزءً من أضلاعه الثلاثية المثلَّثة الموهومة إنهار الثالوث التثليثي المثلَّث على نفسه كما ينهار البنيان ويتداعى اذا ما عصفت به العواصف العاتية فتدُكَّه دَكَّاً دكَّاً فتجعله قاعاً صفصفاً . وذلك بسبب إنهيار القواعد الأساسية التي بُنيت عليها البنيان منذ البداية . وهذا هو بالضبط إشكالية التثليث ومعضلته الأكبر في الديانة التاريخية المسيحية ، إذ إنه مُذْ بداياته الأولى في القرن الرابع الميلادي كان هَشُّ القواعد وهَشُّ البنيان ، وذلك لتشييده على قواعد رملية ...
فالتثليث هو المحاولة المحالية الملفوفة بالعنادية المطبقة في جمع الأضداد والمتناقضات ، وهو أيضا جمع لما يستحيل جمعه في واحد ، في نفس الوقت ، وهو كذلك محاولة المحال في شطر الواحد الذي هو غير قابل للإنشطار والإنقسام على الإطلاق الى ثلاثة ، ثم القول : إن الثلاثة هم واحد في وقت واحد ، والواحد أيضا هو ثلاثة في ذات الوقت ، فأيُّ منطق هذا ...؟!
على هذا الأساس نسترسل في التساؤلات قبل الخوض في مناقشة جميع محاور التثليث محوراً تلو المحور . وذلك لأجل تفكيكه ضلعاً فضلعاً وتفنيده ودحضه في نهاية المطاف ، ولو انه قد تم تفنيده ودحضه وتهشيم أضلاعه من قبل الكثير من العلماء والمؤرخين والمفكرين الغربيين والمسلمين في الماضي والحاضر ، لكن في الزيادة والإضافة خير وبركة ونماء  :
 هل قامت الديانة المسيحية مُذ اليوم الأول ، حيث نبيها وداعيها عيسى المسيح – عليه السلام – على التثليث ، هل كانت الديانات السماوية التي سبقت المسيحية كانت توحيدية الديانة والمعتقد والإيمان ، أم إنها كانت تثليثية وثالوثية المعتقد ، بخاصة الديانة اليهودية التي سبقتها ، وبشكل أخص التوراة كتابها المقدس الذي يؤمن به المسيحيون ، فهل التوراة الحالية فيها توحيد أم تثليث ، وإن كان فيه التوحيد ، حيث فيه بلا شك ، فلماذا وكيف تم الإنحراف عنه نحو التثليث والثالوث ، هل أن التثليث عقيدة وُجِدَتْ بوجود المسيحية أم إنها كانت موجودة قبل أن يرى عيسى المسيح النور بآلاف السنين بين العديد من الشعوب ، وفي العديد من البلدان في العالم ، فهل إن الشعوب التي عاشت قبل ميلاد المسيح بآلاف السنين ، وكانت مؤمنة بالتثليث والصلب والفداء والصليب إقتبست كل ذلك من المسيحية والمسيحيين ، هل يقول عاقل بذلك ، أم إن العكس هو الصحيح ، واذا كان ذلك كذلك ، وهو كذلك بالقطع واليقين فلماذا الجري وراء السراب ، ثم الى ماذا كان يدعو المسيح ، وبماذا كان يصف ويعرِّف نفسه ، وماذا تقول الأناجيل عن عيسى المسيح ، ثم ماذا كان يقول عيسى المسيح نفسه عن نفسه في الأناجيل الحالية المعتمدة لدى الكنيسة ، هذا على رغم ما تعجُّ بها من تناقضات واضحة ومتضادَّة الألوان والمختلفة الإتجاهات ....؟! 
لقد خصصت هذا البحث عن التثليث في الديانة المسيحية التاريخية ، وعن تعريفه وتاريخه ، وعن معانيه ومدلولاته ، بالإضافة الى الأجوبة على التساؤلات المذكورة وغيرها التي قد تطرأ خلال البحث . وذلك بشكل علمي ومنطقي وهاديء ، وبالإستناد أيضا على أبحاث ودراسات العديد من أشهر العلماء والمؤرخين والمفكرين الغربيين وغيرهم أيضا بطبيعة الحال . 
وقولنا المسيحية التاريخية هي تلك المسيحية التي آنشطرت وآنحرفت عن ديانة رسول الله ونبيه وعبده عيسى المسيح – عليه الصلاة والسلام – التوحيدية الخالصة ، وعن إنجيله السماوي – الرباني التوحيدي الضائع ، أو المُضَيَّع بالأساس ، حيث المسيحية التاريخية آتخذت مساراً آخر بعيداً بالكامل ومتناقضاً بالكامل عمَّا جاء به ، وعما بشَّر، وعما دعا اليه نبي الله عيسى المسيح – ع - . 
فنبي الله عيسى المسيح هو نبي كسائر الأنبياء – عليهم جميعا الصلاة والسلام – من حيث النبوة والرسالة التوحيدية والدعوة المكلَّف بها من عند ربه سبحانه لتبليغها بين قومه وهم بنو إسرائيل ، أي اليهود ، وهو كذلك إنسان كباقي البشر بالقطع واليقين ، وقد وُلِدَ ولادة طبيعية من أنثى كما يولد أيَّ مخلوق بشري آخر . أما إنه ولد من دون أب وإتصال جنسي فذاك ماآقتضت عليه مشيئة الله الخالق وإرادته لِعِبَر وحِكَم وأسباب ! . 
عليه ، اذا كان السبب في تأليه المسيح لكونه وُلِدَ بدون أب فمن باب أولى تأليه آدم الذي خلقه الله تعالى من دون أب وأم وقبل خلق عيسى بمئات الآلاف من السنين ، هنا فإن آدم أوْلى بالتأليه من عيسى المسيح . ثم اذا كان السبب في تأليه عبدالله ونبيه عيسى هو كثرة معجزاته فلعمر الحق ينبغي ، لهذا السبب تأليه غالبية الأنبياء ، وذلك بسبب كثرة معاجزهم وأعمالهم الإعجازية الخارقة ! . 
فأنبياء الله تعالى نوحاً وإبراهيم وصالحاً ولوطاً ويعقوب ويوسف وإسحاق وإسماعيل وموسى وغيرهم كان لهم من المعجزات والخوارق مايوازي معجزات المسيح وزيادة ، فهل يجوز ويصح عقلاً ومنطقاُ تأليه كل هؤلاء الأنبياء بسبب ماكان لهم من الخوارق والمعجزات ...؟! . بالحقيقة إن الأنبياء كلهم بلا أيَّ إستثناء ، في مقدمتهم المسيح كانوا أضعف من أن يأتوا بأقل من ربع معجزة لولا أن الله تعالى القادر القدير المقتدر على كل شيءٍ أمدَّهم بالعون والدعم والقوة والإذن والأسباب في القيام بالمعجزات أمام المعاندين والمكذّبين والطغاة والظالمين من أقوامهم ، أي إن معجزات الأنبياء كافة ، في طليعتهم المسيح كانت ربانية المصدر والمعين والأساس .
لهذه العوامل جاء تركيز القرآن الكريم كثيرا جدا على بشرية رسول الله محمد – عليه وآله الصلاة والسلام – بوجه خاص ، وبشرية الأنبياء عموما . وذلك كي لايطرأ الإنحراف من بعده في الغلوِّ بشأنه وإخراجه من جنسه البشري الى مافوقه كما حدث ذلك في العديد من الديانات ، وفي مقدمتها الديانة المسيحية ، وكما حدث أيضاً في الكثير من المجتمعات في التاريخ السحيق الغابر ، وذلك قبل ولادة عيسى المسيح بآلاف السنين ، حيث أقدموا على تأليه الملوك والقادة والأبطال وآبتداع عقائد عجيبة وغريبة جداً ، منها التثليث والصلب والصليب والفداء وما شابه . وقد إستعارت المسيحية التاريخية كل تلكم الآثار والعقائد الغابرة فجعلتها بعد الخلط والتلفيق والتطوير والدمج ببعض المفاهيم الدينية عقائد لها ولأتباعها كما سنرى ذلك بكل وضوح في هذا البحث . 
1-/ تعريف التثليث : التثليث لغة مصدره من [ ثلاثة ]  ، أما إصطلاحا فهو عقيدة دينية كانت موجودة في العديد من البلدان ، وبين العديد من الشعوب في العالم قبل ولادة عيسى المسيح – ع – بآلاف السنين ، منهم : المصريون ، البابليون ، الهنود واليونانيون . مفادُّ هذه العقيدة الدينية الوثنية إن الكون يُدار من قبل ثلاث آلهة : الإله الأول الذي هو الخالق ،  الإله الثاني هو إبنه الذي هو مولود غير مخلوق ، وهو نور من نور ، الإله الثالث فهو الروح في بطن مايا العذراء كما في الديانة الوثنية الهندية . ينظر في هذا الموضوع كتاب [ الله واحد أم ثالوث ] لمؤلفه المستشار الدكتور محمد مجدي مرجان . 
2-/ مفهوم موجز لعقيدة التثليث عند هؤلاء الشعوب : كانت بعض الشعوب منها تعتقد بأن الكون يُدار من قبل ثلاث آلهة ، وكل إله منها له دوره ووظيفته في الحياة ، وهو – أي التثليث التاريخي – مُكوَّن من ثلاث شخصيات وإتجاهات ، أو أقانيم كما في التعبير المسيحي ، فالإله الأول هو العظيم ، وهو السبب في ولادة الشخصية الإلهية الثانية . أما الإله الثاني ، أو الأقنوم الثاني فهو إله الكلمة والكلام والنطق ، وهو النور والشمس والضياء ، وهو كذلك يحمل الأوزار والخطايا والذنوب للناس كلهم  . لهذا السبب تشبَّه الإله الثاني بالإنسان كي يكون أهلاً للموت والصلب لأجل غفران الذنوب والخطايا لجميع البشر . أما الإله الثالث فهو ملكة السماء وأُمَّاً للإله الثاني ، وقد تم تصويرها على شكل طائر جميل . هذا ماكان من الإعتقاد بالتثليث في مصر قبل آلاف السنين من ولادة المسيح ، وهكذا كان الاعتقاد والمفهوم للتثليث في الهند وبابل واليونان وغيرها في الأزمنة الغابرة قبل الميلاد  ، أو إنه كان على شكل آخر ومفهوم آخر مشابه وقريب منه ، لكن الغالبية منه / منها قبل الألف الربع قبل الميلاد كان يلتقي على عقيدة التثليث في تلكم البلدان والشعوب المذكورة .
3-/ تاريخ التثليث في العالم : لقد نشأت في المجتمعات البشرية مُذْ أقدم الأزمنة التاريخية عقائد متباينة شتى حول تعديد وتعداد الآلهة ، فمنها من كثَّرت ، ومنها من قلَّصت وقلَّلت . وقد إستمرت هذه الحال من طور تاريخي الى طور تاريخي تطوري آخر حتى آستقرتْ بغالبيتها عند حالة التثليث الإلهية قبل أربعة آلاف سنة ، أو قبل خمسة آلاف سنة من أن يُبْصِرَ عيسى المسيح النور . 
هذا على رغم مابذله الأنبياء كافة من نضالات دعوية كبرى في جميع المراحل التاريخية لتلكم الأزمنة الغابرة المذكورة في محاولة تقويم المسار . وذلك من أجل عبادة الله الخالق الواحد الأحد فقط ، حيث هو وحده لاغيره الّلائق والمستحق والواجب عبادته والخضوع المطلق له فقط . وهذه هي عقيدة التوحيد في معرفة الله سبحانه التي مَثَّلها ودعا اليها جميع أنبياء الله ورسله – ع – وعلى مدار التاريخ البشري كله من آدم الى الخاتم ، حيث هو محمد بن عبدالله – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - . 
يقول الدكتور إبراهيم مدكور في كاتبه : ( تاريخ الفلسفة ) : [ أما موضوع تعدُّد الآلهة فموضوع يكاد يكون عاماً في جميع الثقافات القديمة ، قال به المصريون القدماء ، وقال به الآشوريون والبابليون والفرس والهنود والصينيون واليونان على آختلاف في عدد الآلهة بعضهم من بعض ، أو صِلتهم بالبشر ] ( 1 ) 
ويضيف الدكتور ابراهيم مدكور : [ لعلَّ البابليين هم أول من قال بالثالوث ، وذلك في الألف الرابع قبل الميلاد ، فقد كان البابليون يدينون بتعدد الألهة ، ولكنهم نظَّموا هؤلاء الآلهة أثلاثاً ، أي جعلوها مجموعات متميِّزة المكانة والقدر ، كل مجموعة ثلاثة ، فكانت المجموعة الأولى على رأس الألهة وتتكوَّن هذه المجموعة من إله السماء ، فإله الأرض ، فإله البحر ، أما المجموعة الثانية فإله القمر وإله الشمس وإله العدالة والتشريع ] ( 2 ) 
أما الدكتور أحمد شلبي فيقول : [ ووقفت حضارات أخرى أقدم جداً من المسيحية بين بين ، بين التعدد الذي قال به البابليون ، وبين التوحيد الذي قال به المصريون والإسرائيليون فظهرت بدعة التعدد في وحدة ، والوحدة في تعدُّد . 
وقد قال بها الهنود قبل المسيح بأكثر من ألف عام ، فقد كان عندهم ( براهما ) و ( فشنو ) و ( سيفا ) ، وكانوا جميعاً يعدُّونها ثلاثة جوانب لإله واحد ، أو كانوا يعدون ( براهما ) إلها واحداً له ثلاثة أقانيم ، فهو ( براهما ) من حيث هو موجود ، وهو ( فشنو ) من حيث هو حافظ ، وهو ( سيفا ) من حيث مهلك ] ( 3 ) 
يقول الدكتور إمام عبدالفتاح إمام في كتابه ( معجم ديانات وأساطير العالم عن < براهما > : [ براهما : الإله الخالق في الديانة الهندوسية ، وهو الإله الثالث في مثلث الآلهة الذي يشمل فيشنو وشيقا . ] ( 4 ) 
يقول المستشار الدكتور محمد مجدي مرجان : [ المتتبِّع لتاريخ الأديان الوثنية يجد أن الثالوث المقدس يعتبر أصلاً من أصولها ومعتقداً من أهم معتقداتها ، وقد قال بهذا الثالوث قدماء المصريين ، وقال به الهنود ، وقال به غيرهم من الأمم الوثنية ] ( 5 ) 
4-/ ( الأصول الوثنية للمسيحية ) التاريخية ! : بداية ينبغي التنويه بأن عبارة ( الأصول الوثنية للمسيحية ) تعود الى عنوان كتاب ألفه ثلاثة من المؤرخين والعلماء الغربيين ، وهم : ( أندريه نايتون ، إدغار ويند ، كارل غوستاف يونغ ) بإستثناء لفظ ( التاريخية ) حيث أضفتها بعدها . 
في علاقة المسيحية التاريخية بالوثنية يقول أرندريه نايتون : [ لم تعترف الكنيسة الكاثوليكية حتى يومنا هذا بجذورها وأصولها الوثنية ، فهي كما يظهر لاتريد أن تحاور الموتى أو أن تناظرهم ، ذلك لأن هذه الأديان الوثنية التي آستقَّت منها الكنيسة عقائدها قد آنطفأت وزالت من الوجود . أما مؤرخ الأديان فإنه بحاجة لازمة الى العودة الى الوثنية اذا أراد أن يدرس ميسحية اليوم . 
كان الكاتب المؤرخ الفرنسي أرنست رينان أول من درس الجذور الوثنية للمسيحية . وقد واجهت أعماله يومها في القرن التاسع عشر معارضة شديدة ، فقد كان علم تاريخ الأديان في نشوءه ، ولم يكن التصدِّي للمتعصِّبين بأمر يسير . وقد آن لنا الأوان اليوم أن ننظر الى المسيحية على ضوء الدراسات المستجدة عن الوثنية ، وأن نقيم تلك العلاقة الخفية القوية بينهما ] ( 6 ) 
ويضيف أندريه نايتون بأنه لايمكن فهم المسيحية ما لم يتم فهم جذورها الوثنية ، فيقول في هذا الصدد : [ لم يعد يكفي دارس تاريخ الأديان أن يشير الى العلاقة الوثيقة بين الوثنية والمسيحية ، بل ينبغي عليه القول : إننا لانستطيع أن نفهم مسيحيتنا حق الفهم اذا لم نعرف جذورها الوثنية ، فقد كان للوثنية قسط وافر في تطور الدين المسيحي ، وهو قسط غير مباشر ولامنظور ، واذا صَحَّ أن لليهودية تأثيراً على المسيحية وكانت أساساً جوهرياً للنظرة المسيحية فإن علينا أن ننبِّهَ الى أن اليهودية نفسها أصيبت بالتأثيرات الوثنية من فارس وبابل وخضعت لنفوذهما عندما كان اليهود في المنفى . 
غير أن هناك تأثيرا خاصاً مباشراً أصاب المسيحية ، وهو جوهر موضوعنا . لقد كان للوثنية اليونانية والفارسية هيمنة على المسيحية ، وكذلك كان للوثنية في عموم الشرق . هكذا تألَّف دين جديد لَمْلَمَ أشتاته من هنا وهناك ، وكان كمن يَصُبُّ خمراً عتيقاً في جرار جديدة ] ( 7 ) 
ثم يمضي أندريه نايتون في تأثير الأديان الوثنية في المسيحية التاريخية ، فأضاف : [ لقد جاء التأثير الإيراني من الديانة المزدكية الوثنية ومن أسرار معبودهم ميترا . وكان المؤرخ الديني الفرنسي أرنست رينان يرى أن هذا الدين الإيراني كان منافساً خطيراً للمسيحية في أيامها . وهناك أيضاً التأثير الفرعوني ، خاصة أسرار إيزيس التي كانت حميدة الخصال ، رفيعة الأخلاق ، والتي رأى فيها الكسندر موريه مقدمة للدين المسيحي الذي جاء بعدها . ويأتي بعد ذلك التأثير اليوناني ، وخاصة منه الأورفية التي تشابه روح المسيحية تشابهاً كبيراً كما ذكر ذلك المؤرخ أندريه بولانجيه ، ويُضاف الى الأورفية ديانة ديونيزوس وأسرارها ، والفيثاغورية التي ركَّز بعض العلماء ، مثل إيزيدور ليفي على تشابه فيثاغورس بما آلت اليه شخصية المسيح . 
ثم هناك الأفلاطونية التي يعترف بتأثيرها آباء الكنيسة أنفسهم مثل القديس أوغسطين . والمعروف أن الأفلاطونية هي جوهر الميتافيزيقا اليونانية المصرية التي آزدهرت في الأسكندرية ، ثم صارت جوهر الميتافيزيقا المسيحية . 
بعد ذلك نجد الغنوصية الملفقة أصلا . وقد كانت الغنوصية هي التي أدخلت الى المسيحية كثيراً من الأديان الوثنية الشرقية . وهنا لابد من القول – على عكس ما يُشاع ، أو مايكتبه بعض الكتَّاب المسيحيين – أن المسيحية ليست تياراً مسيحياً مُهَرْطَقاً ، فهي أقدم من المسيحية ، وليست بالتالي تياراً منها ، أو هرطقة . بل إن العكس صحيح ، فإنجيل يوحنا أصلاً هو نقل للفكر الغنوصي ، بل هو غنوصية ذات وجه مزدكي ايراني ، خاصة حين يتحدَّث عن صراع نور الكلمة مع الظلمات ، أو صراع الحق مع الكذب . ثم إن بولس نفسه إستعار وآستخدم الكثير من اللغة الغنوصية ، وإن كان قد صاغها بطريقة مغايرة ] ( 8 ) 
ثم يشير أندريه نايتون الى الكثير من الرموز الفنية الوثنية التي آستعارتها وآستخدمتها المسيحية ، مثل تزيين المقابر بالطواويس والدلافين وغيرها من شتى أنواع الطيور والأسماك ، أو على سُقف الكنائس بتزيينها بشتى أقسام الصور والمنحوتات والتماثيل وغيرها ، ولكي لايشك أحد – فيما بعد - في التشابه بين الطقوس الدينية الوثنية والمسيحية فقد أقدم قادة المسيحية التاريخية الأوائل بإبادة الكثير من النصوص والآثار الوثنية . في هذا الصدد يقول أندريه نايتون : [ إضافة الى ذلك فإن بحثنا شديد الصعوبة ، لأن المسيحيين الأوائل أبادوا بإنتظام معظم الكتب الدينية الوثنية . ويكفينا أن نذكر هنا المشهد الشهير في ( أعمال الرسل ) حين يذكر القديس بولس كيف أحرق المؤلفات الوثنية في أفسوس اليونانية ] ! ( 9 ) 
يقول أندريه نايتون في إتهام الوثنيين للمسيحيين بتقليدهم طقوسهم وشعائرهم ومحاكاتهم فيها : [ ولاشك في أن الوثنيين هم الذين كانوا منتصرين على المسيحيين لمجرد أن لآرائهم التي يقتبسها المسيحيون أسبقية زمانية . بذلك نجد أن الوثنيين يتهمون المسيحيون بأنهم يقلِّدون شعائرهم ويحاكونها فقد وقَّتوا < موت المسيح > وصعوده الى السماء في الفترة الزمنية التي يحتفلون بها بموت الإله < أتيس > ] ( 10 )

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مير ئاكره يي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/10/08



كتابة تعليق لموضوع : المسيح في الأناجيل:صور متضاربة ومتناقضة ... ![ جدلية التثليث؛الإشكالية الأكبرْ ]ج5/ألف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net