صفحة الكاتب : محمد السمناوي

خطورة النفس الأمارة بالسوء في صراع عاشوراء الذات
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن دور الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء الطف هي دعوة الحق في قلوب الأمة الإسلامية وهو تنظيف البيوت النفسية التي لطختها الشياطين الأموية بالنجاسات المعنوية كالهوى وحب الدنيا , والرذائل والمفاسد الأخلاقية.
إن السلطة الإبليسية الأموية أرادت أن تحكم البشرية بسلطان الهوى في سُـفـُن ٍ داخل بحر الدنيا ، فجاء الإمام الحسين (عليه السلام) وقام بإغراق هذه السفينة الظالمة والمظلمة ، وأبد لها بتلك السفينة الربانية التي سميت بالروايات والأخبار بسفينة النجاة)(1). 
أراد الامام الحسين (عليه السلام) بدوره النوراني أن يُطـّهر القلوب , والنفوس والضمائر بماء المعرفة الطاهر والصافي لكي يتسنى للأمة أن تتخلص من عدوها الاموي الكامن في اعماقها وباطنها , وببركة هذا الإمام العظيم تم التخلص من ذلك الرمز الإبليسي داخل مملكة الوجود الإنساني والشهوات التي تروج لها النفس الأمارة بالسوء ، التي هي أخطر وأقوى من الترويج الشيطاني للإنسان ، وهذا ما ظهر بشكل واضح في المعسكر النوراني المبارك في ليلة عاشوراء عند اصحابه الاولياء , وبخلاف ذلك نجد عبادة النفس والهوى والذل والهوان في معسكر الظلام الدامس الاموي .
قال تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ). (2) , ولهذا ذكر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هذا المعنى في رواياتهم وأدعيتهم ، والتي بدورها تعين الفرد على الوصول إلى الكمال . 
منها : يقول النبي الخاتم (صلى الله عليه واله وسلم) : (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) (3).
منها : عن الامام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) : (ولا عدوا أعدى على المرء من نفسه ، ولا عاجز أعجز ممن أهمل نفسه فأهلكها) (4) أما الأدعية والمناجاة فهي كثيرة نذكر أهمها :
يقول الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) : (وإن خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان) (5) , فقد قدم النفس على الشيطان باعتبار انها اخطر منه.
وقد ورد أيضا ً في مناجاة الشاكين للإمام زين العابدين (عليه السلام): (( إلهي إليك أشكو نفسا ً بالسوء أمارة وإلى الخطيئة مبادرة ، وبمعاصيك مولعة وبسخطك متعرضة ....إلى أن يقول إلهي أشكو إليك عدوا ً يضلني وشيطانا ً يغويني )) (6).وهذا دليل اخر على خطورتها
وفي دعاء يوم الثلاثاء : (( الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمدا ً كثيرا ً وأعوذ به من شر نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، وأعوذ به من شر الشيطان الذي يزيد ني ذنبا ً إلى ذنبي )) (7).
يقول الفيض الكاشاني )طاب ثراه): (( إن هزمت نفسك ووقعت في أسرك فذلك خير من تأسر الاعداء, وتتخذهم أسرى )) (8), نعم فقد يقع العدو الاسير في قبضتك , وانت لا زلت في قبضة اهواءك ورغباتك الفاسدة والحجب والنفس الشهوية والغصبية والسبعية , وفي قبضة الشيطان ومقيدا في سلاسله وحباله , فما قيمة انتصارك وضفرك ؟
ويوجد الكثير من الأخبار والأدعية التي فيها دلالة واضحة على أن خطورة النفس أكبر من خطورة الشيطان ، ولهذا قـُدمت النفس على الشيطان لخطورتها ,وهذا واضح لمن له ادنى تتبع للروايات والادعية لأهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)
وإن الحل الوحيد لعلاج هذه النفس هو ردع النفس بالنفس, في كل وقت وزمان , بل مع الانفاس الصاعدة والنازلة .
قال أرسطو : (( ردع النفس للنفس هو العلاج للنفس )) (9)
وقد نسب الى الامام علي ( عليه السلام)
دواؤك فيك ولا تشعر وداؤك منك ولا تـُبصر(10)
فمن الواضح إن الذي يعيش في مستنقع المعاصي التي تحركها النفس والهوى فإنه لا يستطيع أن يميز ما بين الخير والشر فيكون عدل وقرين البهيمة .
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : (مَنْ لـَمْ يعرفِ الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة) (10)
يقول صدر المتألهين الشيرازي (طاب ثراه): (قبيح بذي عقل أن يكون بهيمةٍ وقد أمكنه أن يكون إنسانا ً أو إنسانا ً وقد أمكنه أن يكون ملكا ً مقربا ً) (12).
ليس من الحكمة أن ينتظر الفرد عندما يصل إلى نهاية عمره ويقوم بعملية إصلاح نفسه وتهذيب باطنه ، فتكون الفرصة قد فاتته ، ولا يكون كالذي يعصي هواه في أيام طفولته وعندما يكبر ينقلب الأمر على عقبيه فيطيع هواه فيتمنى أن يعاد إلى أيام طفولته وصغره . وأجمل ما قيل (13):
عصيتُ هوى نفسي صغيرا ً فعندما 
أتتني الليالي بالمشيب وبالـــكـبــر
أطعت الهوى عكس القضية ليتني
خلقت كبيرا ً ثم عدت إلى الصغـر
ولهذا ان من ضمن الاسباب في احياء ليالي عاشوراء , التي هم من ايام الله هو التكميل والتكامل فمن خلال هذا الصراع مع قوى الباطل في النفس البشرية , يتم النصر بالنزاع , وما فلسفة التكرار في كل عام الا من اجل الارتقاء الى اعلى المستويات وعلى جميع الاصعدة والمجالات الاخلاقية والعقدية والنفسية والسياسية وغيرها , والاهم هو البعد الاخلاقي في عاشوراء الذات اوالنفس البشرية , لان الازمة هي ازمة اخلاق من سنه واحد وستين للهجرة والى هذا العصر الذي لازال الانسان المرتبط بذبيح كربلاء دمه وعرضه وشرفه تهتك بسبب ولائه وتعلقه بتلك النفوس القدسية والانوار الالهية المتجلية في العترة الهادية .
 
المصادر 
 
1- عن النبي ) صلى الله عليه واله وسلم) : (إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة) - انظر بحار الأنوار :ج1ص184ج91ص2184 وآمالي الصدوق: ص478.
2- يوسف :53
3- بحار الأنوار :ج7 ص64
4- مستدرك الوسائل :ج11 ص140 ط2 / 1408 مؤسسة آل البيت. 
5-بحار الانوار:ج48 _340
 
6- الصحيفة السجادية مناجاة الإمام زين العابدين (عليه السلام) المعروفة بالشاكين .
7- الصحيفة السجادية مناجاة الإمام زين العابدين
8- القلب السليم :ج2 ص443.الملا محسن محمد بن شاه محمود الكاشاني الملقب بالمحسن والمعروف بالفيض الكاشاني هو من العلماء الاجلاء في مدرسة اهل البيت عليهم السلام في القرن الحادي عشر وهو صهر صدر المتألهين الشيرازي ومن تلامذته المجلسي والسيد نعمة الله الجزائري والقاضي سعيد القمي ولد عام 1007هجرية وتوفي رحمه الله عام 1091هجري.
9-وينسب القول ايضا الى ابي الحسن العامري (وزن النفس للنفس هو العناية في بالنفس,ورد النفس هو العلاج للنفس ,واستثبات النفس بالنفس هو التعرف للنفس,وعشق النفس هو الممرض للنفس كتاب التوحيدي (المقابسات) مقابسة رقم 90ص217
10-تفسير الصافي للكاشاني :ج1 ص95
11- بحار الانوار:ج74: 288,الكافي :ج8 ص33
12- المظاهر الإلهية في أسرار العلوم الكمالية ص85 - ص86.
13_القائل هو أبو الحسن إبراهيم بن علي بن عيَّاش فيأسف على أنه تجاوزَ مرحلة الشباب فوجد نفسه متمسكاً بالحياة، مقبلاً عليها، فتمنَّى لو تنعكس دورة الحياة فيرجع صغيراً وقيل القائل هو عبد الملك بن عياش الأزدي المتوفى سنه 568,وقيل لابن مالك صاحب الالفية.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/10/17



كتابة تعليق لموضوع : خطورة النفس الأمارة بالسوء في صراع عاشوراء الذات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net