صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

إرادة العربة!!... الحياة عربة!!
د . صادق السامرائي

 

هكذا يحدث نفسه كل صباح , وهو يدفع عربته المحملة بالخضار , ليقف مزهوا بها في شوارع المدينة , فيبيع ما يستطيعه من حمولتها ويعود إلى بيته الحزين , وفي جيبه بعض النقود التي يمكنه أن يسد بها رمق عائلة تعتمد عليه وعلى رب العباد , في مسيرته المثقلة بالهموم والأزمات.
 
- يا ولدي , أن الدراسة والثقافة نهايتها عربة على قارعة طريق الويلات؟
- يا أمي إن الحياة عربة لابد لنا أن ندفعها , ونحدد مسارها , ونمنحها قوتنا وما فينا من الطاقات
- ياو لدي إلى متى ستبقى تدفع العربة؟
- يا أمي , في كل يوم أقطع شوطا في دروب البقاء , وستتراكم الأشواط ذات يوم , وستؤدي إلى فسحة عيش زاهية بالأحلام.
- يا ولدي , أعانك الرب الكريم على جهادك المرير!
 
واستدارت والدته نحو المطبخ تبحث عن طعام , ولما لم تجد شيئا , ذهبت إلى العربة , وأحضرت منها ما اختارته من بضاعة كاسدة , وأخذت تعد طبقا تحلم أن يكون شهيا.
 
وفي ذات الوقت كان الولد , في إطراقٍ وإسهام , وتمعن في مفردات الأيام , وآليات التواصل والإنطلاق إلى مدينة الأمل.
 
قال لنفسه : أربعة سنوات من الدراسة الجامعية , والكفاح , وها أنا عاطل , أعمل كبائع متجول , منحسر بزاوية شارع , أو متجمدٍ على رصيف يحتشد بالناس , ولا أحد منهم يرنو إلى عربتي , أو يتقدم نحوي , ليساعدني , ويأسو بعض ألمي.
ما قيمة أن أدرس وأن أتعلم؟
الوطن وطني , والألم ألمي!
ما هو المستقبل؟
 
ومضى في رحلة الغوص الذاتي والتصور الموضوعي , لكنه لم يجد أمامه إلا خيار العربة , نعم العربة , التي أصبحت جزءً مهما من هويته وذاته وشخصيته , وسلوكه. 
فما عاد يعرف معنى الصباح بدون عربة , ومن غير تواجده وسط الزحام.
 
وذات صباح مشرق , مكتظ بالناس , تمكن أن يبيع , ويبيع , وفي ذروة كسبه , تحاوطته الشرطة , وألقت بعربته وما فيها على الأرض , وطاردته كأنه المجرم المذنب المدان!
ولا يعرف كيف تخلى عن عربته , وكيف تحمل منظر إسقاطها وتبعثر ما فيها على الرصيف , وكيف راحت أقدام المارة تدوس بضاعته وتركلها.
 
لا يمكنه أن يتصور ذلك المنظر الأليم , فكأنهم قد خلعوا فؤاده , ودحرجوا ذاته , واعتقلوا مصيره في سيارة الشرطة التي تطارد الباعة المتجولين.
 
إنهار الولد وتمزق كيانه , وجرجر خطواته الثقيلة وعاد إلى أمه , التي ذرفت دموع الفقدان على عربة المعيشة والأمل بالبقاء.
وأمضى وقته مذهولا متجمدا لا يعرف شرابا أو طعاما , ولا تدري أمه ما تفعل , سوى البكاء.
واعتصره الليل بسهاده الأليم.
 
وما أن جاء الصباح حتى ذهب إلى بلدية المدينة يطالب بعودة روحه , واسترجاع عربته , لكنهم أهانوه وأذلوه , وأفقدوه الرجاء بعودة الروح وديمومة الحياة.
 
فكانت لحظة ثورة ذاتية , وانفجار بركان وجود مطلق , تدفقت منه ألسنة لهب الإحتجاج والثورة على الظلم والإمتهان.
 فكان جسده الشعلة الأزلية التي أذكت النيران في العقول والنفوس!
فتحول إلى تمثال في الميدان , وعربته تحفة إنسانية في متاحف الأبد والسرمد المتوهج بأفكار الإمعان!
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/11/16



كتابة تعليق لموضوع : إرادة العربة!!... الحياة عربة!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net