صفحة الكاتب : صالح الطائي

إصدار جديد في الفكر الإسلامي
صالح الطائي

عن دار المرتضى اللبنانية صدر للباحث في الفكر الإسلامي صالح الطائي كتاب بعنوان (خرافة كثرة زوجات الإمام الكاظم) يتناول الكتاب تحليل جزئية من جزئيات سيرة هذا العلم العالم الكبير ضخمت حتى فاقت المعقول وشذت حتى خالفت المنقول وأصبحت بغية للطلب والسؤول، يرفع البعض من شانها فيجعلها دليلا على الرجولة والذكورية التي تميز العرب عن غيرهم من الأمم، أو يوظفها بشكل سالب ليطعن من خلالها بهذه الشخصية الفريدة، أو يستخدمها تدليلا على حياة البذخ التي عاشها المسلمون في حقب تاريخية متعاقبة من تاريخنا الإسلامي؛ لدرجة أن رموزهم حازوا قصب السبق في اقتناء الجواري والقيان والعبيد والغلمان، حتى قال قائلهم: إن موسى الكاظم (عليه السلام) تزوج بين ثلاثمائة إلى تسعمائة امرأة، في وقت يعلم فيه القاصي والداني أن الحياة القاسية التي عاشها الإمام الكاظم لم تكن من ذلك النوع الذي عاشه البطرون من طبقة النخبة، ولاسيما انه كان في غالب سني عمره مطاردا أو مسجونا أو مُرَحَّلاً من مدينة إلى أخرى، فيؤتى به من المدينة المنورة إلى البصرة ومن البصرة إلى بغداد وغيرها تنفيذا لأوامر السلطان. وهو في حريته وسجنه كان مولعا بأداء العبادات وإقامة الصلوات حتى سماه الخليفة العباسي هارون الرشيد (راهب آل محمد) بما يشغله عن متع الحياة.

 

ولا يخفى على اللبيب أن رائحة عفنة فاحت من الكثير من الروايات التي تناولت هذه الجزئية من جزئيات حياة الإمام موسى الكاظم بشكل فيه الكثير من السخرية والتطاول؛ حتى أزكمت الأنوف بعد أن وُظِفْتْ في أجندات الصراع المذهبي فأسهمت في إبعاد المسلمين عن بعضهم ورفع درجة التأهب العدواني بين صفوفهم، وكانت من مجموعة الأسباب التي أوغرت قلوب المسلمين على المسلمين والتي نعيش تداعياتها الدموية اليوم؛ لدرجة أن بعض المسلمين باتوا يفضلون ويقدمون أتباع الأديان الأخرى ولاسيما اليهود على مسلمين آخرين يشاركونهم العقيدة والفكر والمحتد والأصل.

 

إن عظمة الإسلام لا تتمثل في الانفتاح الفكري الكبير الذي يبدو عليه، ولا في تقنينه لأصغر جزئيات الحياة فحسب، وإنما لكونه أكثر الأديان انفتاحا على التطور الحياتي، وكرها للخلاف، وتشجيعا على الاختلاف؛ منذ لحظاته الأولى. أما الاعتكاف والانكفاء والانزواء الذي يبدو عليه اليوم؛ فليس سببه قصورا في العقيدة، ولا خللا في الفكر، ولا تهافتا في مصادر التشريع، وإنما تسبب به المسلمون الذين لم يفهموا أسس الدين على حقيقتها فانشغلوا بقشور الحياة عن لب المعرفة.

ومن المؤسف حقا أن تقودنا مثل هذه الشواذ الفكرية الجديدة الطارئة إلى مقاطعة سوداء للآخر من أهلنا مع علمنا أن عظمة الإسلام هي التي فتحت الباب واسعا للاختلاف في الاستقراء والتنظير والاستنتاج؛ الذي استغله علماء الأمة في وضع القواعد المذهبية الخمس الكبرى. 

وعظمة الإسلام هي نفسها التي جعلت العلاقة بين هؤلاء العلماء مبنية على أسس معرفية خالصة لا تبغي تمجيد الذات ولا سعيا خلف مباهج ومتع القيادة بقدر سعيها إلى وضع قواعد فهم منطقي للأحكام الفقهية مستقى من مصدري التشريع؛ الحديث والسنة. 

ولذا لا تجد مذهبا إسلاميا يدعي أن مؤسسه هو واضع قواعد التعبد فيه؛ لأن كل المذاهب إنما بنيت مباحثها على قواعد فهم المؤسس للنصوص المقدسة، وهو فهم مباح طالما أن المسلمين الأوائل اختلفوا في تفسير الكثير من الآيات بالرغم من قربهم من عصر البعثة، بل إن الصحابة الكرام (رضوان الله عليهم أجمعين) الذين عايشوا لحظات نزول الوحي وسمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصوصها وشروحها اختلفوا هم أيضا في التفسير والتأويل. فإذا كانوا وهم في هذه المنزلة والمكانة قد اختلفوا في فهم النص؛ فما الضير إذا ما أختلف من يأتي بعدهم في فهمه بشكل يختلف عنهم؟.

ومن يدرس المراحل الأولى للتأسيس لا يجد بين المؤسسين من يتطاول على الآخر أو ينتقص منه أو يكذبه أو يعيبه أو يوهن أحكامه وقواعده، وإنما يجد احتراما متبادلا مبنيا على منظومة الأخلاق التي أمرهم الإسلام بالعمل بها. من هذا المنطلق تراهم حينما يتناولون مسألة ما من مسائل الفقه بالدرس لا يتعصبون لرأيهم ولا ينبذون آراء الآخرين وراء ظهورهم وإنما يسعون إلى أسلوب المقارنة والمقاربة لإعلان نتائج البحث، فيقول أحدهم مثلا: قال المالكية كذا، وقال الشيعة كذا، وقال الشافعية كذا، وقال أتباع أبي حنيفة كذا، وأنا أرى كذا. لان كلا منهم أخذ عمن سبقه وأضاف إليه وشذبه وطوره.

 

في مرحلة لاحقة ولاسيما بعد الاستعمارات الأعجمية التي تحكمت بمصائرنا يوم أصبح السلطان الصفوي أميرا للمؤمنين وحامي حمى الشيعة والمدافع عنهم، وأصبح السلطان العثماني أميرا للمؤمنين وحامي حمى السنة والذات عن حياضهم؛ نُسيتْ كل تلك المحاولات الأخلاقية المنطقية للتقريب والتوشيج، وحلت محلها ثقافة القطيعة وروح العدوان التي حولت الصراع الفكري إلى نزاع دموي مارسه الكثير وفق سياسة القطيع، ولذا لا زلنا نعيش تداعياته إلى يومنا هذا. 

وفي هذه المرحلة بالذات بدأت مسائل التحريف والتدليس والكذب والغش والدس فأصبح هم المسلم تكذيب روايات المسلم الآخر وتسقيطها بأي طريقة ممكنة حتى لو كانت هذه الطريقة مخالفة للقواعد الشرعية والأخلاقية والإنسانية، وفي هذه المرحلة ازداد حجم الدخائل التي شوهت تاريخنا.

وهذه الدواخل هي التي اتهمت الإمام الكاظم (عليه السلام) بتهمة كثرة الزوجات ربما لتدفع من يحبه إلى الاعتراض، فإذا لم ينفع استعاض عنه بالانقضاض لينكسر جناح الإسلام ولينزوي بعدها في ظلمات التاريخ مهانا مضام بعد أن تنازل أهله عن مكارمه وسعوا إلى تقاسم مغانمه.

ولقد أيقنت أن أي تناول لمثل هذه المواضيع بعيدا عن أسس الجمال الأولى التي أشرتُ إليها، وبعيدا عن مراقبة الضمير وسيطرة فكر مستنير يسهم في تضخيم الخلاف، وتقليص فرص الاختلاف، ويتحول بمرور السنين إلى سكين مع السكاكين التي تنهش جسد الدين وتقتل عند الناس الرأفة واليقين، فأخذت على عاتقي مهمة الترجيح ورفعت راية التصحيح منطلقا من مسؤولية تاريخية حَمَّلها لنا الإسلامُ وأمرنا بالعمل بموجبها؛ لأنصر عقيدتي من جانب، وأرضي أخي الآخر وأنصفه من جانب ثان؛ منتظرا من الله تعالى الفضل والإحسان، لأني اعمل لوجهه أولا وأخرا.  

فسعيت في كتابي هذا إلى تحليل وتفكيك الروايات والبحث عن أصولها ومصادرها ومقارنتها بقواعد فقهية وعقلية تتفق على صحتها المدارس الإسلامية، وسنن مجتمعية تعارف المسلمون على أرجحيتها، وخرجت بنتيجة تنفي هذه التهمة عن هذا الرمز الشامخ وتنزهه عن فعل البطرين وأصحاب الدنيا والمتاجرين بالدين، وتحفظ حقه إماما للمسلمين المعتدلين.

إن كتاب (خرافة كثرة زوجات الكاظم) واحد من ضمن مجموعة كتب سبق وأن أصدرتها ضمن مشروعي التصحيحي مثل كتاب جزئيات في السيرة النبوية وكتاب نظرية فارسية التشيع وكتاب نحن والآخر والهوية.

هذا وسينظم المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي صباح يوم الجمعة القادم 22/11/ 2013 الساعة العاشرة صباحا حفل توقيع للكتاب، إسهاما منه في الترويج لهذا المشروع ولاسيما أنه يقيم نشاطه تحت شعار (لا للطائفية نعم لوحدة العراق) 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/11/21



كتابة تعليق لموضوع : إصدار جديد في الفكر الإسلامي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net