صفحة الكاتب : سلمان عبد الاعلى

المسلمون والحاكم الجائر
سلمان عبد الاعلى

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
   بعد التغيرات المتسارعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم العربي هذه الأيام، أرى من المناسب أن نجدد طرح تساؤلاتنا حول موقف الدين الإسلامي من مسألة الخروج على الحاكم الجائر.. صحيح أن هذه المسألة كما يبدو هي من المسائل التقليدية القديمة التي بُحثت من قبل العديد من المفكرين والعلماء المتقدمين والمتأخرين، إلا أننا نرى بضرورة تجديد البحث حولها خصوصاً في هذه الفترة التاريخية الهامة والحساسة التي تمر بها المنطقة.
     وإن ما يدعونا للدعوة لتجديد البحث حول هذه المسألة، هي أنها وعلى الرغم من أهميتها لم يتوصل حولها لنتيجة نهائية حاسمة لدى جميع المسلمين، فالآراء حولها متباينة جداً إلى حد التناقض.
   مهما يكن، فلقد ذهب فريق من علماء المسلمين إلى حد القول بعدم جواز الخروج على الحاكم ولو كان حاكماً جائراً، لما في ذلك من إثارة للفتن ولما يترتب على الخروج عليه من المفاسد والأضرار على حد تعبيرهم، والغريب فيمن يتبنى هذا الرأي أنهم يقولون بـ عدم جواز الخروج على الحاكم الجائر حتى ولو كان هذا الحاكم قد وصل إلى الحكم عن طريق خروجه هو على حكم غيره باستخدامه للقوة والعنف في هذا السبيل!
   كما نستغرب أيضاً من أصحاب هذا الرأي، أنهم مع رأيهم هذا يبررون خروج معاوية بن أبي سفيان وعائشة وطلحة والزبير على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، مع أنه – أي الإمام علي (ع)- بإجماع المسلمين حاكم أقل ما يُقال في شأنه أنه حاكم عادل، فكيف يا ترى يحرمون الخروج على الحاكم الجائر ويجوزون الخروج على الحاكم العادل؟ أليس في ذلك مفارقة كبرى؟!
    على كل حال، خلال فترة الاحتجاجات السلمية في مصر التي أنهت حكم الرئيس المصري حسني مبارك، طل علينا أحد رجال الدين الذين يتبنون هذا الرأي، ويسيرون على نفس هذا المنهج، وهو مستنكراً على الاحتجاجات ومحذراً من عواقبها ومن عواقب الفتنة التي يتسبب بها المحتجون على حد تعبيره، وللأسف أن هذا ومن على شاكلته كانوا يحذرون ويهاجمون المحتجين مع أن احتجاجاتهم كانت سلمية، ولم يستنكروا على من استخدم القوة والعنف ضدهم، فكيف نفسر ذلك يا ترى؟!
  والأدهى من ذلك والأمر، أن يقول أحدهم وهو مفتي لإحدى الدول الإسلامية: ((ان الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ووزع الأرزاق بين الناس، فجعل هذا غني وذاك فقير، وجعل هذا ملك وذاك مملوك، فلا يجوز الاعتراض على أمر الله عز وجل، فعلى الإنسان أن يرضى بقسمة الله ولا يعترض عليه ولا يحسد أحد على عطاء الله له)).
   إن ما نلاحظه على هؤلاء أنهم مع تفننهم في التحذير من الخروج على الحاكم الجائر أو حتى التفكير فيه، نراهم لا يحركون ساكناً ولا يعملون شيئاً مضاداً للحكام الجائرين ولو بنقدهم أو نصحهم ببضع كلمات هزيلة، بل نرى الكثير منهم يفتون حتى     للأسف بأن الكثير من هؤلاء هم علماء للسلاطين، فهم لا يدخرون جهداً في دعم الحاكمين بشرعنة وعقلنة تصرفاتهم وسلوكياتهم قد إمكانهم، وهم في هذا لا يختلفون عن المرجئة الذين يقولون بالإرجاء، ومقصودهم منه، هو أن كل شرير وآثم وحاكم متسلط ظالم مهما بلغت جريمته عليه أن يرجو مغفرة الله وينتظر رحمته ولا يتنافى ذلك مع إيمانه ويصح وصفه بالإيمان، وان كان من الحاكمين يبقى من أمراء المؤمنين، وقد اسند هؤلاء فكرتهم هذه إلى القرآن مستدلين عليها بالآية الكريمة ((وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ))[1].
 
 
 
          والإرجاء بهذا المعنى –سواءً كان المرجئة كفرقة أم المرجئة كسلوك- تبرير واضح لعمل الظالمين والمفسدين، فهو يدعم الظالمين ويجعل المستضعفين مكتوفي الأيدي، جامدين وخاملين مستسلمين لظلامات الظلمة والطغاة، وربما ينصحهم البعض من رجال الدين بالصبر على هذه المآسي التي يتعرضون لها لأنهم سوف يأجرون عليها في الآخرة ! مما يجعلهم لا يقاومونها ولا يستنكرون عليها، لأنها تصرفات باركتها أيادي رجال الدين الذين يروجون لمثل هذه الأفكار.
 
 
 
          ومما يدلل كذلك على أن بعض رجال الدين هؤلاء يدعمون أعمال الطغاة والجبابرة ويبررون أعمالهم ترويجهم لفكرة أن الإنسان مسير وغير مخير، ومقصودهم هو أن الإنسان مجبر على أفعاله وتصرفاته وغير مختار الإرادة فيها، ولهذا نرى البعض يروج لهذه الفكرة ويدعي الإيمان بها، وربما نجده يعذر بعض الحاكمين الظالمين ويبرر أعمالهم بناءً على هذا الرأي الذي يتبناه.. وكيف لا يعذرهم وهم مجبرون على تصرفاتهم وغير مخيرون فيها كما يرى؟!
 
 
 
          ولكنه في المقابل نراه يناقض نفسه ولا يلتمس العذر لمن يخرج على الحاكمين، ولا ندري هل أن الحاكمين والظالمين في رأيه هم فقط المسيرون والمجبرون على أفعالهم وتصرفاتهم أم أن الكل بما فيهم من يعارضهم ويخرج عليهم؟!
 
 
     لا يراودني أدنى شك بأن الحاكمين الجائرين وأعوانهم عبر التاريخ هم من كانوا وراء انتشار مثل هذه الأفكار، سواءً كان ذلك من ناحية ابتكارها أو من ناحية الترويج لها ودعمها، وذلك لأنها أفكار صالحة لهم وتخدم أهدافهم ومصالحهم.
     قد يظن البعض واهماً أن هذا الخلل الواضح في الفكر الديني والذي يخدم الحاكمين الجائرين موجود فقط لدى بعض علماء أهل السنة، وهذا غير صحيح لأن بعض الأفكار الموجودة لدى بعض علماء الشيعة تخدم الحاكمين أيضاً بشكل أو بآخر، فالكثير من علماء الشيعة يرون بأن الانتفاضة والخروج على الحاكمين مخالفة للدين في ظل غياب الإمام المعصوم عليه السلام.
  ونتيجة لذلك، فإنهم يرون بأن الدخول في الأمور السياسية والتصدي لها والسعي لتأسيس دولة في ظل غياب الإمام المعصوم عجل الله فرجه الشريف، هو أمر مخالف للشريعة، لأن التكليف الشرعي في عصر الغيبة يقتضي من المكلف انتظار الفرج حتى ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف، ومن هذا المنطلق نرى هجوم بعضهم على بعض العلماء الذي تصدوا لبعض النواحي السياسية أو شاركوا فيها.
  إن هذا الفكر هو أيضاً فكر جميل جداً ومحبب بالنسبة للحاكمين الجائرين، لأنه يطمئنهم على مستقبلهم ويجعلهم في مأمن من نقمة المظلومين واحتجاجاتهم، لأن المظلومين لو قاموا ضدهم وخرجوا عليهم فإنهم سوف يكونوا مأثومين شرعاً.. وهكذا نرى وبكل وضوح كيف يوظف الدين في خدمة الظالمين بدلاً من إنقاذ المستضعفين!
   عموماً، إننا بعد كل هذه التغيرات والأحداث التي تعصف بنا في العالم العربي نتساءل قائلين: ما هو مستقبل ومصير هذه الأفكار الدينية بعد هذه الثورات والتغيرات التي نشهدها هذه الأيام؟! وما مدى تأثيرها في الأوساط الاجتماعية؟!
[1] راجع كتاب الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ للسيد هاشم معروف الحسني ص 100، دار التعارف للمطبوعات بيروت، 1410هـ - 1990م.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سلمان عبد الاعلى
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/12



كتابة تعليق لموضوع : المسلمون والحاكم الجائر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net