الحسين هو القرآن المتجسد في واقعة كربلاء:
إنَّ استعراض واقعة عاشوراء عبارة عن استعراض مشهد مرئي أمام الإنسان، حيث يرى فيها إمتحانات وتجارب وأمثلة كبيرة، وكيف أن النفوس سقطت بأسباب مختلفة وبسبب فتن وقوى نفسانية مختلفة، وفي المقابل كيف نجحت نفوس أخرى وصعدت واعتلت.
إنَّ هذا المشهد النفسي والروحي الذي فيه العشرات بلْ مئات النماذج هي مدرسة تربوية للإنسان بشكل عميق جداً، ولذلك فإن الإنسان يحتاج دائماً إلى هذا القرآن المتجسد في واقعة كربلاء، حتى يتلوه ويحفظه ويذكر به نفسه لأنه فيه آيات كثيرة، فكل واقعة آية، وكل حدث في كربلاء آية، وهذا ليس صدفة إذ قد جعل الله عَزَّ وَجَلَّ الإمام قرآنا ناطقا بل هو قرآن عيني، وبالتالي فكل ما يدور حوله هو آيات وسور وإذا أردنا أن نلمس بشكل مرئي محسوس للآيات القرآنية وللسور، والبنود التي فيها هي في واقعة الطف، التي بدأ مشوارها من المدينة إلى مكة ثم إلى كربلاء ثم إلى الشام ثم إلى كربلاء ثم المدينة.
وهذه المسيرة هي عبارة عن صفحات عديدة من القرآن أو من الآيات والسور، وإذا تدبرنا فيها ملياً ومرة بعد أُخرى فسوف نجد فيها كنوزا وخزائنا لا تنفذ، والكثير منا لاحظ هذا الأمر أن كل إنسان إذا تدبر في واقعة عاشوراء كل سنة فسوف يكتشف ويقف فيها على عبر وأسرار لم يلتفت ويتفطن إليها من قبل كما هو الحال في القرآن الكريم.
فإنَّ القنوات الفضائية في العالم كلها احتشدت في أوَّل أربعين بعد سقوط النظام البعثي، حيث كان في انطباعهم أن هذه المسيرة وهذا التجمع الملاييني هو حدث سياسي مرتبط بخصوص تشكيل النظام الجديد وليس له أي مساس عقائدي، كما يفعلون في المهرجانات البشرية السياسية العادية، وما نقلوه وسجلوه في خلال ثلاثة أيام من مشهد الأربعين أصبحوا في ذهول وإعجاز وإعظام وإكبار لقضية عاشوراء وشخصية الحسين(ع)، حتى أن بعض الأخوة رصد الكثير من الفضائيات الدولية وخصص بعض المراسلين للحكاية عن واقعة عاشوراء أو الأربعين الشيء المذهل ولقطات مثيرة في نشر حقائق واقعة الحسين، وهذا كله يفرح قلوبنا بصدق الوعد الإلهي {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}([1]).
الشعب يريد الحسين:
ولو أردنا أن نسرد جملة من الوقائع التي نقلها بعض الأخوان وبوسائط قليلة عن أحداث أو نخب في البشر متأثرة بسيد الشهداء لضاق بنا المجال، ولكن الحسين(ع) نور وبركان يسري تحت السطح، وسوف يأتي ذلك اليوم الذي تصل فيه البشرية إلى مستوى الوعي وبدل أن تقول الشعب يريد إسقاط النظام الجائر والظالم سوف يهتف ويقول الشعب يريد الحسين والشعب يريد المهدي.
لأنَّ كل البشرية سوف تعلم أن أساس العدل متجسد كله في الحسين، والسعادة متمثلة بالحسين(ع) فإنهم أيقنوا أن الشيوعية والرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية والحرية الجنسية وشعار العدالة حسب النظم والتقنيات البشرية والمساواة كلها آلت إلى السقوط وفشلت كل أنظمتها، فإذا وصل الوعي البشري إلى أن الحرية والعدالة المأمولة المطموح لها هي برنامج خزنه الله في حاسوب إلهي وهو الحسين(ع). فإن العدالة الحسينية لا توجد في كتاب ولا في رسالة أو أطروحة الجامعات ولا توجد في مراكز الدراسات ولا المختبرات ولا في أطروحة عقول البشر، بل نظام العدالة موجود فقط في علوم الحسين(ع).
الإمام الحسين والرجعة:
وهناك نقطة مهمة قد غفل عنها الكثير، وهي كما نحن نطالب ومأمورون بالفرج لظهور الإمام المهدي كذلك نحن مطالبون في أن نطلب وندعو من الله بظهور الإمام الحسين(ع) نفسه ليرجع بعد أبنه المهدي# ليقيم الله العدل في الأرض على يديه(ع)، وهذا في الحقيقة نوع ومرحلة من الرجعة.
فالرجعة عبارة عن أن الشعوب والطبيعة البشرية إذا وصلت إلى ذلك الوعي فسوف تطلب وتريد وتطمح إلى ذلك العدل الذي برمجه الله تعالى في الحسين(ع) وهذا البرنامج غير موجود وغير محتفظ في عقل آخر، ولا في روح أخرى، ولا في أي قائد آخر، فإن العدل الذي يظهر على يد سيد الشهداء(ع) أعظم من العدل الذي يظهر على يد الإمام المهدي# حسب ما صرحت بذلك روايات أهل البيت^.
فعن رفاعة بن موسى قال: إن أول من يكر إلى الدنيا الحسين بن علي(ع) وأصحابه ويزيد بن معاوية وأصحابه فيقتلهم حذو القذة بالقذة ثم قال أبو عبدالله(ع): «ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأمول وبنين وجعلناكم أكثر نقيرا»([2]).
وعن أبي جعفر(ع) قال: إن أول من يرجع لجاركم الحسين(ع) فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر([3]).
وأيضاً عن أبي عبدالله(ع) سأل عن الرجعة أحق هي؟ قال: نعم فقيل له: من أول من يخرج؟ قال: الحسين(ع) يخرج على أثر القائم(ع)، فقلت: معه الناس كلهم؟ قال: لا بل كما ذكره الله تعالى في كتابه: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا}([4]) قوم بعد قوم([5]).
فإن عقيدة الرجعة هي فهم أعمق لمعرفة الحسين(ع) فـ «من زاره عارفاً بحقه»([6]) أحد درجات معرفة الحسين(ع) هو الحسين المستقبل وليس الحسين الماضي فقط.
برنامج المعصوم أمل البشرية:
إنَّ البشرية الآن بدون انقيادها للمعصوم عاجزة أن تبدي أي برنامج أقتصادي عادل تنظيراً فضلا عن التطبيق والتنفيذ والاجراء العملي، وعاجزة عن أن تبدي نظام بنك مركزي عادل، أو نظام زراعي عادل بحيث لا يظلم فيه بيئة عن بيئة لأنهم إذا أرادوا أن ينموا بيئة ففي مقابل ذلك يدمرون بيئة أخرى، فنظام البيئات المحيط بالإنسان الطبيعية كثيرة فضلا عن نظام النقد العادل، نظام حقوقي عادل، نظام سياسي عادل، بتمام معنى العدالة، نظام أمني عادل، نظام كمركي عادل، نظام إعلامي عادل، كل هذه الأنظمة ولو تنظيراً قد عجزت البشرية عنه تماماً إلى حد هذا اليوم وهذا القرن.
ومن باب المثال الأزمة المالية في أوروبا الآن ما يقارب ثمان سنوات عاجزة البشرية عن حلها ولو تنظيراً فضلاً عن التطبيق، وهذا دليل واضح معجز على التحدي في الآية الكريمة من أن العدالة لم ولن ولاتتحقق إلا على يد قربى النبي’ من أهل بيته^ المطهرين: {مَّا أَفَاء الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ}([7]).
واللام هنا ـ أي في الآية الكريمة ـ هي لام ملكية الإدارة والولاية في التصرف وليست الملكية الشخصية بل ملكية الإدارة لتصرف على الطبقات المحرومة «كي لا يكون دولة بين الأغنياء».
فالعدالة لا تتم في كل أرجاء الأرض إلا بالنبي’ وأهل بيته^ ولذلك هذا البرنامج ـ برنامج العدالة ـ مودع في الإمام المهدي^ ومودع بشكل أعظم في الإمام لحسين(ع) فإذا وعت البشرية كما يقول البروفسور الألماني (يوخن روبكا)([8]) إلى ما تطمح وترغب وتتطلع إليه هو هذا الرجل المهدي وآبائه^.
([1]) سورة التوبة: الآية 32 ـ 33.
([2]) تفسير العياشي ج2: 282.
([3]) مختصر بصائر الدرجات: 28.
([4]) سورة النبأ: الآ 18.
([5]) المصدر السابق: 48، الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: 338.
([6]) كامل الزيارات: 262 ـ 278.
([7]) سورة الحشر: الآية 7.
([8]) رئيس جامعة قسم الاقتصاد في جامعة مالبورن الاسترالية.