صفحة الكاتب : مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)

أسرار زيارة الأربعين (الحلقة السابعة)
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الإمامة في ذرية الحسين عليه السلام:
 
عن محمد ابن مسلم قال: سمعت أبا جعفر، وجعفر بن مُحمَّد‘ يقولان:
 
إنَّ الله تعالى عوض الحسين(ع) من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره([1]).
 
إن شدة المحنة التي ابتلي بها الإمام الحسين(ع) في الطف جعل الله عَزَّ وَجَلَّ الأئمة من ذريته، فنور تسعة من المعصومين لا سيما المهدي# جعلهم الله من نسل الحسين(ع) جزاءاً لما ابتلى به(ع) في واقعة الطف كما في رواية عن الإمام الصادق(ع) في حديث حيث قال: «.. وخلق من نور الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه من قبل أن يخلق الله تعالى سماء مبنية وأرضاً مدحية..»([2])، وهذا يبين أن حمل نور تسعة من الأطهار يتطلب وصوله(ع) إلى مقام خاص، وهذا المقام الخاص ضريبته هو الشهادة التي فيها محن عظيمة وليست أي شهادة، وهذا مقام خاص لسيد الشهداء حتى أصبح أبو الأئمة لعظم وشأن خطورة مقام الإمامة.
 
إذن مقام الإمامة يتطلب براءة من كل الطغاة والجبابرة وطريق الإنحراف، لأن حمل الإمامة لها أرضية وهو نوع القطيعة من الظالمين والمنافقين والرجوع إلى الفطرة الإلهية العظيمة.
 
قبة السماء الحسينية والتربة الروحية:
 
ولم يجعل الله عَزَّ وَجَلَّ الذرية الطاهرة من صلبه(ع) فحسب بل جعل استجابة الدعاء تحت قبته، وليس المراد من هذه القبة القبة الطينية بل قبة السماء من عند قبره حتى شعاع منتهى البصر في الأفق وتلاقي السماء والأرض، بل بمعنى أنه عند الاقتراب من سيد الشهداء لا يكون هناك حاجب من الجبت والطاغوت أو من جبابرة الخلق بل هناك شفافية خاصة عنده بالاتصال بالساحة الربوبية، فطريق الحسين هو طريق حصد الطغاة والجبابرة. فإن الجبت ـ كما في اللغة ـ هو نوع من الجدران الكثيفة، وهذه الجدران أو السدودات التي تكون عقبة وحاجب عن الوفود على الله تعالى كلها تحصد في طريق الحسين(ع) من خلال استجابة الدعاء تحت قبته(ع) ومن ثم فإن تلك البركات السماوية سوف تنزل بعد كسر هذه الموانع الفرعونية وموانع الشرك بالله.
 
وهذا ليس فقط في استجابة الدعاء بل حتى الشفاء في تربته، ولا نقصد بهذه التربة الجغرافية فحسب بل حتى التربية المعنوية والروحية والتي هي بمعنى الاقتراب من سيد الشهداء(ع) فاستجابة الدعاء تحت قبته(ع) يعني قبول مطلق العبادات، والشفاء في تربته(ع) يعني نزول البركات وكل ذلك جاء عن طريق سيد الشهداء:
 
ومن كل ما تقدم يتضح أن العقائد وقبول الأعمال مشروطة بإمامته وولايته حيث أن من أصول العقيدة هي الإمامة والذرية من صلبه وكذلك قبول الأعمال، وأما الدعاء الذي تحت قبته فهذا ينبي عن أن أعمالنا مشروطة بولايته(ع).
 
لماذا لم يخرج الحسين بمفرده:
 
هناك إثارة تطرح بين الحين والآخر، وهي أنه لماذا خرج الإمام الحسين(ع) بمعية عياله من الأطفال والنساء ولم يخرج بمفرده وهو يعلم بأن الشهادة لا محال منها.
 
إنَّ فلسفة وسر ذلك أكثر من وجه كما ذكر أكثر من واحد، وقد أجاب عن ذلك الإمام الحسين(ع) نفسه عندما سأله محمد بن الحنفية فأجاب(ع): «إنَّ الله قد شاء أن يراهن سبايا»([3]).
 
ولكن أحد الأسباب المهمة هو أن سيد الشهداء(ع) يجسد للبشرية عبرة وقدوة وأسوة، فإن كل إنسان له تعلقات عديدة في حياته الدنيوية من قبيل التعلق بالزوجية والتعلق بالأولاد والتعلق بالأخوان والتعلق بالأصحاب وبالأحبة وبالعشيرة، كما في قوله تعالى {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ}([4]).
 
فكل هذه التعلقات كانت موجودة في واقعة الطف ومع هذا يقدم الحسين على الشهادة ولا تعيقه أبداً بل جندها وعبدها ووظفها وفداها لطريق الدين.
 
فأخذ عيالاته وكل حرمه(ع) في عرصة كربلاء وعرصة المواجهة، واضح أن كل هذه الأمور لا تقف جبل أو عقبة أمام استبسال سيد الشهداء(ع) بل وظفها في سبيل الله، وهذا غير أنه يستشهد بنفسه فقط، فهناك فرق كبير بين أن تستشهد بنفسك وبين أن تأتي بكل شؤون نفسك الأخرى وما لديك وتفديه وتخاطر به إلى آخر لحظة من حياتك.
 
وليس ما لديك من مال وبنين بل بما لديك من مريدين ومحبين وأولياء، وهذا يعني أنك تفدي وجودك المعنوي الذين يحملون أسمك في المجتمع تفديهم في سبيل الله وهذا ه الموقع السياسي والموقع الاجتماعي كل هذا وذاك لم يكن عائقاً لفداء سيد الشهداء إلى الله تعالى.
 
وبسبب كل ذلك أصبح الحسين(ع) مدرسة وجامعة وكتاب جامع في صفحات الشباب وصفحات الأولياء والمريدين والتابعين، يعني صفحات تتصفح في كل صفحة ففيها دروس وعبر لشريحة من شرائح المجتمع، ولذا نرى جميع شرائح المجتمع ينجذب لسيد الشهداء(ع) شاء أم أبى.
 
الحور العين من نور الحسين عليه السلام:
 
فعن رسول الله’: «… وفتق نور الحسين(ع) وخلق منه الجنان والحور العين، والحسين والله أفضل من الجنان والحور العين…»([5]).
 
فهناك تناسب في عالم الخلقة والتكوين، فحور العين مما تزين بالجمال وهذا يعني أن رشحة من رشحات جمال نور الحسين خلقت منه الحور العين بل كل جمال عالم خلقة الآخرة، وهذا الجمال خزنه الله في الحسين وكما في بعض الروايات أن الحسن والحسين قرطي العرش.
 
وفي بيان لسيد الأنبياء يضيف أن الحسن والحسين أكرم الناس نسباً حيث روى الأعمشي أن النبي’ أتى باب المسجد فقال: يا بلال هلم عليّ بالناس فنادى منادي رسول الله’ في المدينة فاجتمع الناس عند رسول الله’ في المسجد فقام على قدميه فقال: يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس جداً وجدة، قالوا بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين فإن جدهما محمد وجدتهما خديجة بنت خويلد، يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس أباً وأماً، فقالوا بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين فإن أباهما علي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وأمهما فاطمة بنت رسول الله.
 
يا معاشر الناس ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمة، قالوا بلى يارسول الله، قال: الحسن والحسين فإن عمهما جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة مع الملائكة، وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب، يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس خالاً وخالة، قالوا بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين فإن خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله’ ثم أشار بيده هكذا يحشرنا الله، ثم قال: اللهم إنك تعلم أن الحسن في الجنة والحسين في الجنة وجدهما في الجنة وجدتهما في الجنة وأباهما في الجنة وأمهما في الجنة وعمهما في الجنة وعمتهما في الجنة وخالهما في الجنة وخالتهما في الجنة، اللهم إنك تعلم أن من يحبهما في الجنة ومن يبغضهما في النار([6]).
 
فإنَّ كل الذي يحيط بالحسين جمال ونور، وهذا مثل نواة الزهرة، وهذا الجمال والنور أودعه الله في الحسن والحسين(ع).
 
وهذا الجمال في الحسين(ع) هو الذي يبين لنا السبب في انجذاب أهل بيته وأصحابه إليه فوق الميل العقلي المعتاد أي درجة الربيون وهكذا كل جيل بشري سبق زمانه واقعة الطف أم تأخر من الأجيال اللاحقة وهو الذي يفسر هذه القدرة المعنوية على جذب الملايين من البشر في الأربعين وغيرها من المواسم على بذل الغالي والنفيس لأجل الحسين(ع) في سبيل الله, والذي يفسر جذب الشهداء للاستشهاد في سبيل الله عندما يهتف بهم لبيك ياحسين.
 
فالحسين يجعل الموت والقتل ـ الذي له مرارة وخوف ـ له حلاوة ولذة.
 
 
 
 
([1]) الأمالي للطوسي: 317، بحار الأنوار ج44: 224.
 
([2]) مصباح الشريعة: 64.
 
([3]) اللهوف: 64، البحار: ج44: 364.
 
([4]) سورة التوبة: الآية 24.
 
([5]) الروضة في فضائل أمير المؤمنين(ع) الشاذان بن جبرئيل القمي: 113.
 
([6]) آمالي الصدوق: 356 (المجلس السابع والستون).

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/12/27



كتابة تعليق لموضوع : أسرار زيارة الأربعين (الحلقة السابعة)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net