صفحة الكاتب : سعيد العذاري

مقومات التربية الجنسية
سعيد العذاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 الحياة الجنسية حياة حيّة واقعية تتمحور حول الجنس، وفي نفس الوقت لا تنفصل عن حياتنا العامة، فهي جزء لا يتجزأ منها تتأثر بها وتؤثر فيها تأثيراً واضحاً ملموساً، والجنس غريزة ودافع فطري تتفاعل مع المثيرات الخارجية وتنفعل مع مظاهرها وألوانها المتنوعة، وتنطلق لتحقيق هدفها وهو الإشباع والارتواء، وهذا الانفعال والانطلاق هو أمر فطري لا يختلف ولا يتخلف من فرد لآخر ومن حضارة لأخرى، وانّما ينحصر الاختلاف بالسلوك الصادر عن هذه الغريزة وهذا الدافع الفطري، وهذا السلوك تتحكم به إرادة الإنسان وما يحمله من متبنيات فكرية وعاطفية وخلقية
تبعاً لنظرته للكون والحياة والمجتمع؛ فيكون منسجماً معها مطابقاً للأسس والقواعد التي تبناها في رسم منهجه في الحياة، ولهذا يختلف السلوك والممارسة الميدانية اندفاعاً وانكماشاً من إنسان لآخر تبعاً لدرجات إيمانه واعتقاده بمتبنياته، ودرجة تفاعله مع تطبيقاتها في واقع نفسه وفي واقع الحياة.
والحياة الجنسية لو انطلقت دون متبنيات فكرية وعاطفية وخلقية فإنّها ستنطلق بلا قيود ولا حدود ويستمر انطلاقها وراء غايات الشهوات التي لاتقف عند قيود، ولا ترتوي عند حدود، بل تنطلق بالإنسان والمجتمع انطلاق الظمآن الذي لا يرتوي ولا يحقق لنفسه من جراء ذلك إلاّ مزيداً من الشقاء والاضطراب في جميع مجالات الحياة، وهذا ما نشاهده في كثيرٍ من البلدان والمجتمعات التي لا تتقيد بالمفاهيم والقيم الصالحة.
وحياتنا الجنسية اُريد لها في ضوء المنهج الإسلامي أن تكون حياة عطاء واداء، لاحياة لهو وعبث وضياع، وأن يكون الجنس سكناً وطمأنينة للنفس وللروح وللجسد، وأن يكون مقدّمة للستر والإحصان والصيانة، وقد حرص هذا المنهج على إشباع الغريزة الجنسية دون تعطيل أو إلغاء؛ لأنّه لا يحارب دوافع الفطرة وإنّما يروم تهذيبها لتكون خادمة لغايات الإنسانية الدائمة، ولهذا فإنّه يواجه هذه الحاجة مواجهة موضوعية في نطاق المواجهة الشاملة المتكاملة لاحتياجات الإنسان فرداً كان أم مجتمعاً، وفي حدود واقعه وكينونته، وفي حدود طاقته ليتعالى على النزوات العارضة
والمطالب الرخيصة، وليتقيد بقيود العفّة والفضيلة، لكي تنطلق باستقامة واعتدال حفاظاً على سلامة الحياة والمجتمع وسلامة الجنس البشري.
وقد تعهد المنهج الإسلامي بتقديم أسس وقواعد تربوية كفيلة بإنقاذ الإنسان والمجتمع من الانحراف والشذوذ بعد تقديمه لنظام متكامل يشبع جميع حاجات الإنسان لكي ينطلق بأفكاره وعواطفه نحو الاهتمامات الأرفع المنسجمة مع سمو المقاصد وشرف الغايات، ووضع قيوداً وحدوداً يعاقب المتجاوز لها بعد توفر جميع الإمكانات المانعة من الانحراف والشذوذ.
إشباع الحاجات الأساسية ضمان للتربية الناجحة
للإنسان وخصوصاً المراهق والشاب حاجات أساسية بحاجة إلى إشباع، وفي ظل مراعاة هذه الحاجات يتمكن المربّي توجيه من يراد تربيته نحو المثل والقيم السليمة الصالحة في خصوص الجنس أو غيره؛ لانّ عدم إشباعها يؤدي إلى الاضطراب والتوتر وهو مقدمة لرفض أيّ خطوات تعليمية وتربوية.
 
ومن أهم الحاجات المطلوب تحقيقها أو إشباعها:
1 ـ الحاجة إلى الأمن والاستقرار.
2 ـ الحاجة إلى المحبّة .
3 ـ الحاجة إلى المكانة الاجتماعية.
4 ـ الحاجة إلى الاستقلال والحرية.
5 ـ الحاجة إلى الرفاهية.
6 ـ الحاجة إلى عقيدة صالحة.
وبإشباع هذه الحاجات يطمئن الإنسان وخصوصاً الطفل والمراهق إلى شخصية المربّي سواء كان أحد الوالدين أو معلماً أو عالم دين، حيث يتأثر بإيحاءاته المتكررة، وينطلق متفاعلاً مع إرشاداته وتوجيهاته نحو السمو والارتقاء ليصبح موضع فخر واعتزاز أمام من أشبع حاجاته وراعى متطلباته.
وإذا حرم من إشباع هذه الحاجات أو بعضها فإن هذا الحرمان يشكل الدوافع والأسباب الحقيقية لكل جنوح وانحراف، وأول بوادر الانحراف التمرد على المفاهيم والقيم ورفض أي لون من ألوان التوجيه والإرشاد، وعدم تقبل أيّ بادرة تربوية وإن كان مؤمناً بها، وبدون إشباع هذه الحاجات لا ننتظر إصلاحاً أو تغييراً وتبقى مبادئ التربية الجنسية والتربية الخلقية مجرد تصورات ونظريات لا تتعدى الذهن واللسان يصعب تحقيقها في الواقع؛ لعدم التفاعل والانسجام معها وتحويلها إلى واقع سلوكي.
التربية الجنسية جزء من كلّ
التربية الجنسية لا يصح التعامل معها منفصلة عن سائر ألوان وأنواع التربية، كما لا يصح أن تدرس منفصلة عن النظام العام الذي يتحكم في أفكار الإنسان وعواطفه وسلوكه، وإنّما ينبغي أن نعي أو ندرس التربية الجنسية ضمن التربية العامة أولاً وضمن النظام العام ثانياً، وبهذه الحالة تكون الدراسة شاملة ومستوعبة وناجحة في تقدير مخططاتها التربوية حيث تكون مترابطة في خطوطها وتفاصيلها، وهي بدورها جزء من صيغة عامة للحياة التربوية والاجتماعية.
والتربية الجنسية تنسجم مع التربية العامة ومع النظام العام على أساس وحدة المصدر، ووحدة الغاية، ووحدة المصير، وفي ظل النظام الإسلامي يكون المصدر هو الله تعالى، والغاية مرضاته والمصير هو المسؤولية أمام الله في الدار الآخرة، وحلقة الترابط هي شمولية الإسلام واستيعابها للكون والحياة وللمسيرة الإنسانية بكل مقوماتها العقلية والروحية والعاطفية والسلوكية، ولجميع مراحلها وأبعادها الفردية والاجتماعية والتاريخية.
وتبقى التربية الجنسية ناقصة ومبتورة أو لا تحقق أهدافها وغاياتها إن كانت منفصلة أو مستقلة أو أريد لها التطبيق في مجتمع غير إسلامي أو مجتمع إسلامي لم يحوّل المفاهيم والقيم الصالحة إلى ممارسات ميدانية، فما لم تكن العقيدة إسلامية والسياسة إسلامية والاقتصاد إسلامياً والتربية العامة إسلامية لا تحقق التربية الجنسية أهدافها كاملة، بل قد تكون أحياناً وبالاً على المجتمع للتناقض بين النظرية والتطبيق وبين الواقع والطموح.
التربية الجنسية ضرورة اجتماعية
إنّ الحيوية الجنسية تبدأ مع الإنسان منذ عهد الطفولة المبكرة، وتتفاعل مع فكره وعاطفته وسلوكه تبعاً لعمره الزمني وعمره العقلي.
وقد حذرت الإرشادات والتوجيهات الإسلامية من إثارة هذه الحيوية وهي في دور الكمون في عهد الطفولة.
قال رسول الله\': >والذي نفسي بيده لو أن رجلاً غشي امرأته، وفي البيت صبّي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبداً، إن كان غلاماً كان زانياً، أو جارية كانت زانية وقد أكدّ علماء النفس على هذه الحقيقة التي لا تقبل التغيّر ولا التبدل من مجتمع لآخر ومن حضارة لأخرى.
وفي ذلك يرى فرويد: (إنّ الطفل الوليد يأتي إلى هذا العالم وبذور الغريزة الجنسية موجودة فيه، وهذه البذور تستمر على النمو بصورة دورية).
ويرى آدلر: (إنّ الظاهرة الجنسية توجد في وقت مبكّر جداً في حياة الطفل، وإنّ ظهور المظاهر الجنسية موقوف على البيئة الاجتماعية المحيطة بالطفل).
ويرى يونك: (بدء القيم الجنسية بالظهور قبل سنّ الخامسة وتبلغ قمّتها خلال المراهقة)(2).
ويصعب على الباحث فهم الحياة الجنسية لدى الأطفال وخاصة في مرحلة الطفولة الأولى، لصعوبة ملاحظة ما وراء المظاهر الجنسية من أفكار وتخيّلات ومشاعر لتشخيص ما هو ذو طابع جنسي أو غير جنسي، ولذا تقتصر المعرفة والبحث على:
ـ الاطلاع على الحقائق البيولوجية في النمو.
ـ رصد النشاطات الجنسية الظاهرية.
والنشاطات الظاهرية تأتي عن طريق الصدفة أو حبّ الاستطلاع، وبعضها يأتي بهدف محدّد وهو إرضاء وإشباع الرغبة الجنسية، وتحدث أغلبها تلقائياً بدون تعلم أو تلقين وتستمر إن أُثيرت عمداً أو صدفة أو بالإشارات الخارجية، وأهم النشاطات الجنسية في مرحلة الطفولة:
ـ حبّ الاستطلاع الجنسي عن طريق الأسئلة والمشاهدة.
ـ التعرّي وكشف العضو التناسلي.
ـ اللعب بالأعضاء التناسلية.
ـ الاشتراك في اللعب الجنسي.
وهذه النشاطات الجنسية التي تعبر عن وجود نمو جنسي يبتدأ مع الطفل منذ نشوئه؛ تتطلب تربية جنسية واعية تتناسب مع عمر الطفل في جميع مراحله ومع ظروفه الأسرية والاجتماعية، والتربية الجنسية حاجة ضرورية؛ لان الطفل يبقى يبحث عن أجوبة للأسئلة التي تدور في ذهنه أو يصارح والديه بها، إضافة إلى انعكاس بعض الممارسات التي يشاهدها على نفسيته حينما يبدأ بمحاكاتها وتقليد ممارسيها.
وفي جميع الظروف والأحوال فإنّ نقص المعلومات أو إعطائها بصورة خاطئة أو منع الطفل من إثارة الأسئلة تؤدي إلى آثار ونتائج سلبية ومنها:
ـ البحث عن الإجابة من مصادر اُخرى، وخصوصاً من الأصدقاء الأكبر سناً.
ـ ازدياد الفضول وحب الاستطلاع الجنسي.
ـ الانشغال بالتفكير بالمسائل الجنسية.
ـ خلق الاستعداد في نفس الطفل لمشاهدة الصور والأفلام الخليعة، وسماع القصص والأغاني واللطائف الجنسية.
والمراهق بحاجة إلى أجوبة أكثر صراحة في قربها من الحقائق العلمية والواقعية الثابتة، وينبغي تعاون الوالدين مع المدرسة ومع علماء النفس وعلماء الدين من أجل الوصول إلى منهج تربوي موحد لا تناقض فيه ولاتضارب في الأسلوب وفي طريقة العرض وإيصال المعلومات.
التربية الجنسية بالوقاية
من الأفضل أن تبقى الغريزة الجنسية في أجواء الكمون والركود، وان تبقى بدون انطلاق وتفاعل؛ لأنّ انطلاقها في مراحل الطفولة أو قبيل المراهقة له نتائج وخيمة أقلها الانحراف والشذوذ الجنسي.
ومن هنا فالوقاية هي أفضل الأساليب التربوية التي لا تكلّف جهداً ولا كلفة ولا عناية إضافية، ومن خطوات الوقاية:
ـ تجنّب مقدمات المباشرة الجنسية أمام الأطفال كالتقبيل والمداعبة أو التعري أو بعض الحركات المثيرة.
ـ تجنب المباشرة الجنسية أمام مرأى ومسمع الأطفال.
قال رسول الله\': >لا يجامع الرجل أمرأته ولا جاريته، وفي البيت صبي، فإنّ ذلك ممّا يورث الزنا ـ الاحتياط في المباشرة الجنسية حتى في حال نوم الطفل خوفاً من استيقاظه فجأة، وحذراً من عدم نونه.
ـ تجنب الحديث عن الجنس أمام الأطفال.
ـ وقاية الأطفال من أي لون من ألوان الإثارة الجنسية، كالصور والأفلام الخليعة.
ـ مراقبة الأطفال في خلواتهم دون أن يشعروا بالمراقبة.
ـ التفريق بين الأطفال أثناء النوم، بإن توضع فاصلة بينهم، فلا ينامون تحت غطاء واحد بحيث يحتك جسم أحدهم بالآخر، وإن كانوا إخوة ومن نفس الجنس.
ـ الإجابة على تساؤلات الأطفال الجنسية بما يتناسب وعمر الطفل ودرجة إدراكه وذكائه دون نفور أو إشمئزاز أو إلفات نظر إلى وجود محذور في الأجوبة؛ لانّ الطفل إذا لم يحصل على الأجوبة الشافية وكان متعرضاً للإثارة الجنسية أو التنبيه إلى المسائل الجنسية بالإباحة أو المنع المتزمت، كان ذلك أَدعى إلى التفكير فيها والرد على مستدعيات إباحتها أو منعها بما يناسبها من سلوك قد (يتعزّز باستمرار ويثبت مع الطفل)(4).
وفي جميع الأحوال ينبغي إشباع حاجات الطفل الأساسية وأهمها إحاطته بالمحبة والعطف وإشعاره بالمرغوبية والمحبوبية، وإشباع حاجته للرفاهية، وكل ذلك يجعله يطمئن لتربية وتوجيهات الوالدين أو مطلق المربين.
المسؤول عن التربية الجنسية
التربية الجنسية من أصعب وأعقد أنواع وأقسام التربية، ولا يستطيع إنسان بمفرده أن يضع برنامجاً ثقافياً وتربوياً بخصوص الجنس مهما وصل في دراسته وخبرته العملية، فليس الأمر يسيراً ولا سهلاً؛ لانّ التربية ليست كلمة تقال أو خطاباً يلقى، وخصوصاً إن كانت في مرحلة الطفولة، والتربية الجنسية تولّد إحراجاً للوالدين والمعلّمين والمصلحين وليس من السهل تحويلها إلى واقع عملي محسوس.
وإذا تابعنا الواقع لوجدنا بأنّ أغلب المعلومات والاتجاهات الجنسية يحصل عليها الأطفال والمراهقون من أقرانهم وليس من والديهم أو معلميهم، أو من بعض الكتب والقصص التي تقع في أيديهم.
والتربية الجنسية تختلف من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر تبعاً للمنهج التربوي المتبنّى، وتبعاً للعادات والتقاليد الحاكمة على المجتمع، وتبعاً لدرجة الإدراك والوعي التي يتصف بها المربيّ أولاً والمراد تربيته ثانياً.
ولأهمية التربية الجنسية وحساسيتها، وصعوبة تحويلها إلى واقع عملي، فهي بحاجة إلى تظافر الجهود وتعاون الطاقات وتآزر المصلحين من أجل تفعيلها وتحريكها لكي تؤدي غاياتها بأفضل الصور وأسهل السبل، وإنّ انسحاب أي طاقة تربوية أو وجود تربوي من ميدان التربية يولّد خللاً واضحاً، بل يعيق حركة التربية ويجعلها ناقصة ومبتورة.
ومن هنا ينبغي التظافر والتآزر والتعاون بين جميع الوجودات المؤثرة في الفرد والأسرة والمجتمع ومنها: الوالدان، والمعلمون، وعلماء النفس، وعلماء الدين، والأطباء، والجمعيات الإصلاحية، والسلطات القائمة، ومراكز الشباب.
أركان التربية الجنسية
تقوم التربية الجنسية على ثلاثة أركان، هي: المعلومات الجنسية، والاتجاهات الجنسية، والتربية العملية.
وفيما يلي نستعرض هذه الأركان:
أولاً: المعلومات الجنسية
إنّ إيصال المعلومات الجنسية للأطفال والمراهقين حاجة ضرورية وواقعية، ينبغي مراعاتها بقدر حجمها وظروفها الكاملة، وبقدر النمو العقلي والعاطفي والجنسي للطفل والمراهق، وتبعاً لإدراكه العلمي والاجتماعي، إضافة إلى مقدار حاجته لها من خلال الأسئلة الملحة الصادرة منه.
وينبغي الالتفات إلى مراعاة واقع الأطفال والواقع الاجتماعي والتربوي الذي نعيشه وقد توارثناه من أجيال متعاقبة، حتى أصبح عادات وتقاليد مُتَجَذرة في مفاهيمنا وقيمنا، وواقعنا يفرض علينا أن يكون التعليم الجنسي أو إعطاء وتلقين المعلومات ليس مثيراً بمعنى أنّ لا نسميه بالتعليم الجنسي أو علم الجنس أو الثقافة الجنسية، ولنسميه أو نصطلح عليه اصطلاحاً آخر لا يثير الحدث طفلاً كان أم مراهقاً، والأفضل أن يندرج ضمن العلوم الأخرى كعلم الأحياء أو علم الحيوان أو علم الصحة، أو يندرج ضمن المواضيع الأخرى كالوراثة أو تكاثر الكائنات الحيّة.
ومن الأفضل أن نبدأ بالحقائق الأولية عن وجود جنسين الذكر والأنثى في جميع الكائنات الحيّة ومنها النباتات، وأن تكون البداية مقتصرة على تكاثر النباتات، وأن يوضح للطفل وجود حبوب لقاح عند الذكر مهمتها تلقيح الأنثى، وأبسط الأمثلة في ذلك هو شجرة النخيل، حيث يقوم الإنسان بنقل حبوب اللقاح، أو تقوم بها الطيور أو الحشرات أو الرياح، ثم تضرب الأمثلة الأخرى، ثم يتدرج المعلّم أو المربي في إيصال المعلومات لينتقل إلى الحشرات وكيفية تكاثرها، ثم يترقى إلى الحيوانات والطيور الأليفة، وأخيراً التحدث عن الإنسان بعد أن يدخل الحدث مرحلة البلوغ أو
قبيل البلوغ بأشهر ويكتفي بالأمور التي يحتاجها أو التي يبتلى بها ليتمكن من تجاوز مرحلة البلوغ والمراهقة بايجابية.
وينبغي أن لا يحدث تناقض ولاتضاد في المعلومات المعطاة للحدث، فينبغي أن تكون المعلومات واحدة، لا فرق بين رأي الوالدين أو المعلَّمين أو علماء الدين، وهذا يتطلب التنسيق بين الجميع عن طريق عقد اجتماعات ولقاءات ومؤتمرات دورية، إضافة إلى اللقاءات وقت الحاجة والاستناد إلى منهج علمي موّحد يشترك في صياغته جميع المهتمين والمعنيين بالشؤون التربوية والاجتماعية، ومن المستحسن أن تتدخل السلطات في منع أيّ منهج أو كتاب يخالف الأخلاق والآداب العامة أو لا ينسجم مع المتبنيات الفكرية للمجتمع الإسلامي.
وفي المراحل الدراسية المتقدّمة ينبغي استخدام المصطلحات غير المباشرة للأعضاء التناسلية والجنسية، وكذلك للعمليات الجنسية.
وفي جميع الظروف والأحوال ينبغي الاطلاع على الفوارق بين زمن وآخر وبين ظرف وآخر، لكي لا تكون أساليب التعليم أو أساليب التربية جامدة أو متحركة نحو الجمود أو متحجرة لا تغيير فيها، فهنالك فارق بين زمن وظروف الوالدين والمربين وبين زمن وظروف الجيل الجديد.
قال الإمام علي×: >لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم ويمكن استثمار أسئلة الأحداث لإيصال المعلومات الجنسية لهم حسب نوعية السؤال وبما ينسجم مع إدراك ووعي وثقافة الحدث، وطرح معلومات إضافية، باستثناء مرحلة الطفولة الأولى أو مرحلة ما قبل المدرسة فيقتصر التعليم على الجواب عن السؤال وبحدوده وليس من الصحيح الخروج عن حدود السؤال.
مظاهر التعليم الجنسي
إنّ التعليم الجنسي حصن منيع يقي الأحداث من جميع ألوان وأنواع الاضطراب والانحراف والشذوذ الجنسي، ويوقظهم لمسؤوليتهم في الحياة الإنسانية؛ ليكونوا عناصر فعّالة في بناء وتشييد الحضارة الإنسانية.
ومن أهم مظاهر التعليم الجنسي:
1 ـ شرح الفوارق بين الذكر والأنثى في مختلف مستويات ومراحل الدراسة الأكاديمية والدينية، ابتداءً بالفوارق في النباتات ثم الطيور ثم الحيوانات ثم الإنسان، والتركيز على الفوارق في دورها الأساسي في الإنجاب والتوالد.
2 ـ شرح مظاهر البلوغ الجنسي عند الجنسين قبيل البلوغ أو أثناء البلوغ وخصوصاً في المرحلة الدراسية المتوسطة.
3 ـ توضيح الفروق بين الأفراد فيما يتعلق بالنمو الجنسي وفي عمر البلوغ، سواء بين فرد وآخر أو بين جنس وآخر.
4 ـ نشر المعلومات الصحيحة عن التغيرات الحاصلة في كلا الجنسين في مرحلة البلوغ من أمثال:
أ ـ الاستحلام .
ب ـ إفراز المني.
ت ـ الحيض.
ث ـ الرغبة الجنسية.
5 ـ تعليم وظائف أعضاء الجهاز التناسلي ضمن وظائف بقية أعضاء الجسم، والتركيز على الدور التناسلي أكثر من دور وظيفة المتعة الجنسية.
6 ـ تعليم طرق وأساليب الصحة البدنية ومنها صحة الأعضاء التناسلية، والتي تتحدد بغسل الجنابة والحيض والإستحاضة.
7 ـ تعليم القيود والضوابط والآداب العرفية والاجتماعية والشرعية ومنها:
أ ـ حرمة التلذذ بالنظر واللمس والتقبيل.
ب ـ حرمة الاختلاء بين الجنسين.
ت ـ حرمة النظر إلى الصور والأفلام الخليعة.
ث ـ حرمة الاستمناء.
ج ـ حرمة الزنا واللواط والسحاق ومجامعة الحيوانات.
8 ـ التعريف بالعقوبات القانونية المترتبة على مخالفة القيود والضوابط الشرعية والعرفية.
9 ـ التعريف بالأضرار الصحية والاجتماعية والنفسية للانحراف والشذوذ الجنسي.
10 ـ تبيان مخاطر الأمراض الجنسية وخصوصاً الايدز، ورفد المراهق بالإحصاءات المخيفة لانتشاره وانتشار غيره من الأمراض وخصوصاً في الدول والمجتمعات المتحلّلة من القيود والآداب والضوابط الشرعية.
11 ـ تكليف الطلاب بكتابة بحوث جنسية تحدد لهم فيها بعض المصادر الجنسية التربوية والتي تتفتح من خلالها أذهانهم علمياً وتربوياً.
12 ـ الاتفاق بين علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الدين على وضع برنامج ومنهج تعليمي تربوي في آن واحد تصاغ فيه الأحكام الشرعية المتعلقة بالجنس صياغة حديثة منسجمة مع التطور العلمي والاجتماعي، كأن يطلق عليها مصطلح: فقه الأسرة، أو فقه العائلة، أو فقه الجنس.
13 ـ الاتفاق بين الوجودات التربوية والاجتماعية لوضع استبيانات شاملة وكاملة لجميع الجوانب العاطفية والجنسية توزع على الطلاب أو على مطلق الشباب ليتم من خلالها معرفة أفكارهم الجنسية إضافة إلى رؤاهم حول الجنس، وممارساتهم العملية، وكذلك معرفة آرائهم في علاج المشاكل والانحرافات الجنسية، أو معرفة آرائهم في أساليب التعليم والتربية الجنسية.
14 ـ فسح المجال الأرحب للاستماع إلى آراء الطلاب والشباب في مختلف الجوانب الجنسية، والإجابة على أسئلتهم الشفوية والكتبية، والاهتمام بها عن طريق الاتصالات الفردية أو عن طريق حلقات الدرس والمباحثة، أو من خلال المعسكرات التربوية والرياضية التي ينبغي إقامتها في أيام الدراسة أو في العطل الرسمية.
وفي جميع الظروف والأحوال فانّ المعلّم أو المربي يمكنه أن يبتدع اسلوباً جديداً في إيصال المعلومات أو تعليم المظاهر والآفاق الجنسية من خلال دراسته لواقع الطلاب أو لواقع الأطفال والشباب، وليس من واجبه التقيّد الحرفي بالمادة العلمية أو الدراسية، ومن الأفضل أن يبقى المنهج التعليمي متحركاً قابلاً للتغيير والتطوير بعد استشارة أهل الخبرة اعتماداً على اختلاف مستويات المراد تربيتهم من حيث العمر والإدراك والتفاعل الكمي والنوعي.
ثانياً: الاتجاهات الجنسية
ونقصد به إتباع منهج تربوي وقائي لصيانة الطفل والمراهق من الاضطراب والانحراف والشذوذ، ومن هذه الاتجاهات:
1 ـ أن يتعود على النظر إلى الجنس الآخر نظرة احترام وتقدير، وليست نظرة ريبة وتخوّف واضطراب.
2 ـ النظر إلى الجنس المخالف بعين الحياء والاحتشام المعتدل المتوازن بلا إفراط ولا تفريط.
3 ـ الرضا بالجنس الذي ينتمي إليه وخصوصاً رضا الأنثى بجنسها وخصوصاً في ظل المجتمع أو البيئة التي تنظر إليها نظرة ضيقة أو نظرة انتقاص.
4 ـ تشجيع الطفل ومن ثم المراهق على بناء الذات والشخصية المتسامية نحو الكمال بتوجيه أنظاره نحو الغايات الأسمى والأهداف الأرقى.
5 ـ تدريب الطفل والمراهق على الانضباط الخلقي والسيطرة على الرغبات المباحة وغير المباحة ليحصن نفسه من المنزلقات التي تواجهه في الكبر وخصوصاً في المراحل الحرجة في عهدي المراهقة والشباب.
6 ـ تقوية الضمير وتفعيل دوره ليصبح رادعاً ووازعاً ذاتياً يرافق الحدث في سكناته وحركاته سواء وجد الرقيب الخارجي أم لم يوجد.
7 ـ تنمية الحياء المتوازن في داخل النفس والذي يمنع من تجاوز الضوابط والقيم السلوكية والاجتماعية.
قال الإمام علي×: >الحياء يصد عن فعل القبيحثمرة الحياء العفّةمن كساه الحياء ثوبه خفي عن الناس عيبه 8 ـ تمرين الحدث على تقبّل نقد ونصائح الآخرين، وتمرينه على الانفتاح مع الآخرين لمعرفة تشخيصهم للممارسات العملية والسلوكية.
والاتجاهات المتقدمة لها تأثيراتها الإيجابية على مراحل العمر اللاحقة لمرحلة الطفولة وهي أساس بناء الشخصية السوية والسليمة.
قال الإمام علي×: >...وانّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبّك، لتستقبل بجدٍ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته ثالثاً: التربية الجنسية العملية
التربية الجنسية هي جزء من التربية العامة، فينبغي الابقاء عليها ملازمة لها دون فصل أو قطع، مع إبداء عناية إضافية من قبل الوالدين أو مطلق المربين أو المصلحين، بالانفتاح مع الحدث وخصوصاً ما قبل البلوغ وإزالة الحواجز النفسية والمعنوية؛ لكي يطرح آراءه ومتبنياته الفكرية والعاطفية والجنسية بكل صراحة ووضوح يمكن التوصل من خلالها إلى وضع منهج تربوي ينسجم مع الحدث ليسمو به نحو التكامل والكمال.
والتربية العامة والتي تنطلق من إصلاح الأخلاق خير وسيلة للوقاية من جميع ألوان الاضطراب والانحراف والشذوذ الجنسي، حيث تنمو وتترعرع الأخلاق وتسمو المفاهيم والقيم الصالحة، وهي تسير وتتحرك في مراحل أربع:
1 ـ مرحلة الحذر: حيث يتعلم الحدث أنّ بعض الأفعال لها نتائج ضارّة به، وبذلك يأخذ في السيطرة على دوافعه الغريزية.
2 ـ مرحلة السلطة: وهي مرحلة تحكيم رضاء الناس وسخطهم في الممارسات والمواقف العملية الصادرة من الحدث.
3 ـ المرحلة الاجتماعية: وهي مسايرة الرأي العام الذي يرفض الانحراف والشذوذ.
4 ـ المرحلة الذاتية: وهي أرقى مراحل النمو الخلقي، حيث يكون الحدث وخصوصاً الطفل قادراً على التحكم في دوافعه(9).
وهذه المراحل ضرورية بأجمعها وينبغي أن تراعى في جميع مجالات التربية؛ لانها توجَّه الناشئة نحو السمو والتكامل لشعورهم بالمسؤولية أمام جميع القوى المؤثرة في حركة الإنسان التكاملية.
تعديل الاستجابة الجنسية
الطاقة الجنسية طاقة حيوية لا يمكن إلغاؤها أو تعطيلها؛ لأنها حاجة فطرية بحاجة إلى إرضاء وإشباع، وهي باقية على حيويتها وهواتفها الفطرية الداعية للتصريف، فإذا كانت الظروف غير مؤاتية لإشباعها بطرقها المشروعة، فإنّ الأسلوب الأمثل للحفاظ على التوازن السلوكي المرتبط بالطاقة الجنسية هو تعديها بحيث تستبدل بمثيراتها الطبيعية مثيرات أخرى تتجه بها إلى السمو والكمال، وتدع سلوكها الفطري إلى سلوك آخر فيه النضج للفرد والخير والصلاح للمجتمع.
وتعديل الطاقة أو الاستجابة الجنسية أو إبدالها باتجاه آخر لا يعني قمع الطاقة الجنسية بل هو التسامي نحو دوافع أقوى منها وتوجيه الأنظار والطاقات إلى اهتمامات أرفع وغايات أرحب، يطمئن من خلالها المراهق والشاب بلا قلق ولاحيرة ولا اضطراب لتوجهه إلى المقاصد السامية والأهداف النبيلة والغايات الشريفة.
وأول خطوات أو محاور تعديل الاستجابة تتمثل بتوجيه الذهن والقلب والإرادة نحو المكارم، وهذا التوجيه يدفع بالإنسان لبذل قصارى جهده من أجل تقريرها في سلوكه وفي الواقع الاجتماعي فلا يبقى للجنس موضع في فكره وعاطفته وسلوكه؛ بل يتوجه بكل مقوماته النفسية والروحية نحو المكارم.
قال رسول الله\': >من أحبّ المكارم اجتنب المحارم ومن مصاديق تعديل الاستجابة سمو الشاب نحو السيادة المعنوية في المجتمع، حيث يتعالى على الرغبة الجنسية ما دامت الظروف غير مهيئة لإشباعها.
قال الإمام جعفر الصادق×: >أربع خصال يسود بها المرء: العفة والأدب والجود والعقل وبلذة السيادة أو لذة هذه الخصال تسمو رغبات المراهق واهتماماته، فتكون همّه الوحيد وشغله الشاغل.
ومن مصاديق التعديل أو الإبدال إشغال الوقت وصرف الطاقة بالممارسات النافعة التي تسمو بالإنسان إلى سلم الكمال والاعلاء.
قال الإمام علي×: >ايّاك والشهوات وليكن ممّا تستعين به على كّفها علمك بأنها ملهية لعقلك مهجنة لرأيك ... فإنْ كنت شاغلاً نفسك بلذة، فلتكن لذتك في محادثة العلماء ودرس كتبهم... فيستحسن استنفاذ الطاقة الفائضة والوقت الفائض بالعلم والعمل النافع للذهن والبدن بحيث لا يبقى وقت للتفكير بالجنس، ولا يبقى مجال للطاقة الجنسية بعد إجهاد الذهن والبدن بالأعمال الذهنية والعضلية، وقد وردت روايات عديدة تشجع على السباحة والرماية والفروسية، وتشجع الفتاة على الأعمال المنزلية والفنيّة.
ومن الأفضل تكليف الشباب ببعض التكاليف وتحميلهم بعض المسؤوليات عن عمل معيّن أو إدارة مشروع معيّن، وخير وسيلة لتوزيع المسؤوليات هو تشكيل الجمعيات الإصلاحية وفرق الشباب والفرق الرياضية، والتي في أجوائها يشعر الشاب بالمسؤولية ويشعر برقابة الآخرين له فينطلق متسامياً على الرغبات الجنسية، وخصوصاً إذا تبنت هذه الفرق إقامة معسكرات التدريب المهني والعسكري لإشغال الوقت ولصرف الطاقة.
وقد يرى البعض ضرورة تحقيق الدعوة الإسلامية للزواج المبكّر؛ لانّه المجال الوحيد لإرضاء الحاجة الجنسية، وهذه الرؤية صحيحة في ظل الظروف الصالحة والمساعدة، وإذا نظرنا إلى الواقع لوجدنا هنالك معوقات عديدة في هذا الاتجاه، فالظروف الاقتصادية والاجتماعية لا تساعد على الزواج المبكر، بل إنّ الزواج المبكر قد يكون سبباً أحياناً للانحراف بعد الاستقلال عن الأهل والوالدين، والزواج المبكر إنما يكون العلاج الأفضل في حال تطبيق جميع مقومات إصلاح المجتمع فكرياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وفي حال تعاون جميع القوى المؤثرة في حركة
المجتمع، كتعاون المدرسة والسلطة والتجار وعلماء الدين.
الخطوات العملية للتربية الجنسية
التربية الجنسية تتم بتنشئة المراهقين والشباب على قواعد أخلاقية تستمد أصولها من الحرية المسؤولة، فلا القمع ولا الترهيب بقادرين على وضع حد للتهالك على اللذة الجنسية، ولا النصح والإرشاد بمفرده كافٍ للاستقامة والعفّة.
وأهم خطوات السيطرة على سلطان الجنس تستند إلى معرفة حدود الجنس، وإحلال التوازن في الممارسة العملية بين المسموح والممنوع، وكما ورد في وصايا الإمام علي بن الحسين‘: >وأمّا حقّ فرجك فحفظه ممّا لا يحلّ لك، والاستعانة عليه بغض البصر، فإنّه من أعوان الأعوان، وكثرة ذكر الموت والتهديد لنفسك بالله والتخويف لها به، وبالله العصمة والتأكيد ولا حول ولا قوة الاّ به والجنس كطاقة يمكن تصريفها بالأساليب غير المشروعة في السرّ والخفاء يستدعي تجذير المراقبة والمحاسبة الذاتية ويتم ذلك بجملة من الخطوات والمقوّمات العملية الرادعة ومنها:
1 ـ استشعار الرقابة الغيبية
إن الغريزة الجنسية طاقة متوقدة وقوة متدفقة، فليس من السهل تهذيبها أو تعطيلها، فهي بحاجة إلى تحقيق رغباتها وأهدافها دون النظر إلى عواقب الأمور، ولا تتوازن هذه الطاقة الاّ بالخوف من قوة ضاغطة تتابعها في حركاتها وسكناتها، وتراقبها في جميع مساراتها ودروبها المعلنة والمخفية، وخير قوة ضاغطة وسلطة مهيمنة هي الرقابة الغيبية، فالايمان المتجذر بالله تعالى واستشعار رقابته واحاطته التامة والشاملة يمنع من الانسياق وراء الممنوعات الجنسية، حيث يزرع الخوف في النفس من ممارسة الانحراف وبالتالي تساعد الإنسان على السيطرة التامة على دوافعه،
ومنها يستمد كل نزعة خلقية.
وينبغي استشعار الرقابة الغيبية عن طريق ذكر الله في القلب وفي اللسان وخصوصاً أثناء الخلوات وعند الذهاب إلى الفراش للنوم وعند النهوض منه، وينبغي أيضاً عدم التوجه إلى الفراش إلاّ حين النعاس، وعدم اللبث فيه بعد الاستيقاظ من النوم.
ومن استشعار الرقابة الغيبية يترشح استشعار الثواب والعقاب الدنيوي والأخروي وهو خير رادع للانحراف والشذوذ؛ لأنّ الشوق إلى الثواب والمكافأة عامل مشجع على التعالي والسمو والارتقاء، والخوف من العقاب واللوم والتقريع عامل رادع عن الانحراف والانزلاق وراء الرغبات غير المشروعة.
وينبغي أن يكون المربّي والموجَّه لهذا الاستشعار من المؤهلين للتربية بأن يكون قدوة في كل مجالات الاقتداء، وأن يكون موضع ثقة من قبل الشباب، تذكرهم رؤيته أو كلامه بالغيب والرقابة الغيبية.
2 ـ تقوية الإرادة
يرى علماء النفس أنّ للقيم الحسية والحيوية والاجتماعية والروحية والدينية دوراً كبيراً في تقوية الإرادة(14).
ودور الإرادة هو التحكم بالسلوك والممارسات العملية، وهي تتطور من خلال التدريب والتمرين حيث تتجذر في أعماق الإنسان قوة الاندفاع تجاه ممارسة صالحة، والانكماش تجاه ممارسة غير صالحة.
والإيمان بوجود رقيب مهيمن على حركات وسكنات الإنسان يوقظ العقل والقلب، ويستجيش في النفس عناصر الخير والعفة والطهارة، فهو يحرك الطاقات الحيوية الكامنة، وينمي القدرات الممكنة النماء، وله دور أساسي في تقوية الإرادة، وتنمو الإرادة من خلال العبادات المتواصلة وأهمها الصوم، وقد أوصى الإمام الخميني(رض) بصيام الاثنين والخميس، فلتحيا هذه السنة الصالحة لتقوية الإرادة.
فلتتكاثف جهود المربيّن والمعلمين والمصلحين على جعل ثقافة الإرادة ثقافة حيوية في أوساط الشباب ثم العمل على تجذيرها في داخل النفس الإنسانية.
3 ـ إثارة الوجدان
ينبغي إثارة وجدان الشباب ليتعالوا على الروح الأنانية والنفعية الضيقة، وينطلقوا في رحاب الإيثار وحب الخير والصلاح للآخرين، فمن الضروري إيقاظ الوجدان بالإنذار المتكرر، واستحياء فعاليته بالتعقيب على الظواهر والأحداث والمواقف، والتحذير من مزالق الطريق التي يعم خطرها وضررها فيعود على الفرد نفسه وذويه.
ويجب أن يُربّى الشاب على إدراك حقائق السنن التي تتحكم في العلاقات الاجتماعية، وإدراك آثارها الإيجابية والسلبية حيث يلقى الإنسان جزاء ما فعل في الواقع، ومن هذه السنن سنة صيانة الأعراض أو الاعتداء عليها، فمن صان نفسه عن التعرض لأعراض الناس فسيصان عرضه، ومن تعرض لأعراض الناس تُعرَّض لعرضه.
قال الإمام علي×: >من زنى زني به وقال الإمام جعفر الصادق×: >برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم، وعفّوا عن نساء الناس تعفّ نساؤكم في رواية عن الإمام جعفر الصادق× قال: >كانت بغيّ في بني إسرائيل، وكان في بني إسرائيل رجل يكثر الاختلاف إليها، فلما كان في آخر ما أتاها أجرى الله على لسانها: أما أنّك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلاً، فخرج وهو خبيث النفس فدخل منزله بغير الحال التي كان يدخل بها قبل ذلك اليوم، وكان يدخل بإذن، فدخل يومئذ بغير إذن فوجد على فراشه رجلاً، فارتفع إلى موسى×، فنزل جبرائيل× على موسى×، فقال: ياموسى، من يزن يوماً يزن به. فنظر إليهما فقال: عفّو تعفّ نساؤكم فإذا انغرست هذه السنن في ذهن الشباب فإنها ستنتقل من مرحلة التأثر الوجداني إلى مرحلة العمل الإيجابي، فلا تبقى مجرد حقيقة وجدانية راكدة ومعطلّة، وإنما ستكون ذات حيوية وفعالية متحركة في الواقع بعمل وحركة وسلوك يحصن المراهق من الانحراف ويدفعه للتكامل والسمو متعالياً على جميع الرغبات والملذات غير المشروعة التي يعود ضررها على نفسه وعلى ذويه.
4 ـ العتاب الهادئ
الإرشاد والتوجيه من ضرورات حركة المرّبين والمصلحين والمغيّرين ومطلق المعنيين في حقل التربية، والإنسان في مختلف أحواله التربوية بحاجة إلى الإرشاد والتوجيه والتذكير بالمفاهيم والقيم الصالحة، وهو بحاجة إلى من يهديه ويقوّم له تصوراته وعواطفه وممارساته العملية؛ لانّه يحمل في جوانحه الاستعدادات المختلفة للفضيلة والرذيلة، ويتأثر بالعوامل الخارجية كالمغريات والمثيرات، فهو بحاجة إلى إعادته للاستقامة للحيلولة دون استمراره على نهج الانحراف، وأفضل أسلوب لإعادته هو أسلوب العتاب الهادئ الحكيم حيث أنّه يدخل إلى العقل والقلب
والإرداة برفق يشعر من خلاله الشاب أو مطلق الحدث بأنّ كرامته مصونة وإنّ المربي يروم له الصلاح والخير فسرعان ما يتراجع عن مواقفه السلبية ويعود إلى الاستقامة.
وفي نهاية البحث ينبغي تذكر بعض المقومات الواقعة في طريق التربية العامة والتربية الجنسية وهي:
1 ـ إشباع حاجات الأطفال والمراهقين الأساسية من قبل الوالدين والمدرسة وعلماء الدين والسلطات القائمة.
2 ـ مراقبة الأحداث من قبل جميع القوى التربوية والاجتماعية الفاعلة في الحركة الاجتماعية.
3 ـ الانفتاح معهم بصورة متوازنة وإزالة الحواجز النفسية بينهم وبين المربين.
4 ـ لا إصلاح إلاّ بتظافر وتكاتف الجهود والطاقات.
5 ـ إشغال أوقات فراغ الشباب بما يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع.
6 ـ التشجيع على انتماء الشباب للجمعيات والحركات والمنظمات الإصلاحية.
7 ـ تشكيل جماعة من المصلحين يُختارون من الشباب أنفسهم ليقوموا بمهام الإصلاح والتغيير ابتداءاً بأنفسهم ومن ثم المجتمع.
8 ـ إقامة السفرات السياحية، والمعسكرات التربوية والترفيهية، وإشراك الشباب بالمسؤوليات في حملات العمل الشعبي.
9 ـ تكليف الشباب بالمسؤوليات الإدارية والاجتماعية لإشعارهم بالمسؤولية.
10 ـ تكثيف المسابقات العقلية والعلمية والفنية والرياضية.
11 ـ منع فرص الانحراف والغواية والمثيرات الجنسية المسموعة والمقروءة والمرئية.
12 ـ إصلاح المنحرفين الكبار ومنعهم من الاختلاط بالشباب والأطفال من كلا الجنسين.
13 ـ تخصيص مدارس إصلاحية للشباب المنحرفين بدلاً من السجون المختلطة.
14 ـ تكثيف أسلوب مكافأة الصالحين مادياً ومعنوياً لتشجيع الآخرين على الاستقامة والتوازن.
15 ـ أن يكون عقاب المنحرفين بأسلوب هادئ وبدون نزعة انتقامية، وأن يكون عادلاً، مع فسح المجال لهم للعودة إلى الاستقامة وتشجيعهم على المشاركة في الأعمال الصالحة.
16 ـ الاستماع إلى اقتراحات وشكاوى الشباب والعمل على جعلها محوراً للدراسة والمناقشة، ووضع الحلول اللازمة للمشاكل والصعوبات التي تواجههم.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سعيد العذاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/16



كتابة تعليق لموضوع : مقومات التربية الجنسية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net