صفحة الكاتب : محمد السمناوي

لمحة موجزة عن حياة وتراث الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام .
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.



الحديث عن السيرة العطرة لأئمة الهدى ومصابيح الدجى يعتبر اجمل ألوان الحديث ، وان السيرة المضمخة بالاريج هي من اعذب السير ، وهذه البيوت المقدسة التي امر الله تعالى ان ترفع ويذكر فيها اسمه عز وجل هي من أقدس البيوت ، فيها ومنها ولد وترعرع الامام الحادي عشر ، والنور الالهي المتجلي بالحسن العسكري عليه السلام ، فهو من الكواكب النورية في سماء العترة النبوية .
يقع الحديث عن الامام العسكري في ثلاث محاور
المحور الاول : بطاقة التعريف، وبعض من حياته وسجونه .
المحور الثاني : تراثه العلمي وتلامذته .
المحور الثالث : كيفية شهادته .
ولد الامام العسكري عليه السلام في المدينة المنورة من اليوم الثامن من شهر ربيع الثاني عام 232 هجرية ، وقد سماه النبي الخاتم ص وآله بهذه التسمية والروايات كثير في هذا الباب ، ولهذا قام أمامنا الهادي عليه السلام في اظهار اسمه للعيان والتصريح بانه الامام الحسن ليكون الحسن الثاني في العترة المصطفاة ، وكذلك اختار له كنية ( أبا محمد ) كما كانت كنية الحسن الزكي الاول .
ذكر المؤرخون له ألقابا كثيرة منها الخالص ، وكل من ترجم له يذكر ان من ألقابه الخالص ، وكذلك الهادي ، والرفيق ، والزكي ، والسراج المنير والشافي والمرضي ، ومن ألقابه التي أصبحت مشهورة له بعد انتقاله بصحبة ابيه الى سرّ من رأى هو لقب ( العسكري ) إشارة الى محل سكناه هناك التي كانت تسمى بالعسكر .
أمه ام ولد يقال لها ( سليل ) وقيل اسمها ( سوسن ) وقد مدحتها الروايات وعرّفتها بأنها كانت من النساء الصالحات العارفات ) .
وعندما بلغ وقت الزواج والاقتران اختار لنفسه احدى النساء وهي من ذرية احد القديسين وحواري السيد النبي المسيح عليه السلام وقيل اسمها السيدة نرجس وقيل سوسن وقيل ريحانة ، وقد ذكر العلامة المجلسي الأب في البحار رواية شاذة ان اسم زوجة الامام العسكري عليه السلام علوية تدعى ( مريم بنت زيد ) .
وقد أنجبت هذه السيدة العارفة الكريمة ابنها الوحيد محمد المهدي المنتظر لدولة العدل والحق وهو سلطان عالم الوجود وسليمان الدهر عجل الله له الفرج والمخرج .
عاصر الامام الشاب عليه السلام منذ نعومة أظفاره الهموم والآلام والمحن التي كان يعيشها والده الامام الهادي عليه السلام ، فتح عينه على حكام متغطرسين وفاقدين للدين والضمير ، وسلاحهم القسوة والبغض لعلي وال علي عليه عليهم السلام .
عاش وشاهدالمأساة الأليمة والصور البشعة التي أمدت الى هدم قبر الامام الحسين عليه السلام والمنازل والدور التي بنيت حول القبر المطهر لابي عبد الله الحسين عليه السلام ، والحرث والإخفاء للقبر الشريف مرات متعددة .
بعد شهادته والده الامام علي الهادي عليه السلام توجهت أنظار المؤمنين أينما كانوا باتجاه الامام الحسن العسكري عليه السلام لانه يحمل المؤهلات الشرعية للإمامة بعد ابيه وهي ثلاثة
1- اجتماع صفات الفضل فيه
2- تقدمه على كافة أهل عصره على جميع الجوانب والاصعدة سواء على العلم والزهد والتقوى والكمال والشجاعة والفضل والعصمة والكرم .
3- نص ابيه عليه السلام وإشارته بالخلافة اليه وهذا النص ما أشار اليه القران الكريم وتعين النبي ص وآله من ان الأئمة من بعده اثنا عشر خليفة كلهم من بني هاشم .
عاصر ثلاثة من حكام بني العباس منهم
المعتزحيث ولي مقاليد الحكم في سنة 251هجرية وقيل 252 هجرية قتله الأتراك عام 255هجرية .
المهتدي تولى السلطة 255 لمدة سنة كاملة ومات 256 هجرية .
المعتمد استلم السلطة عام 256 هجرية ، وكان فاجرا متهتكا غارقا في فسقه وفجوره وملذاته وكان يحب الطرب والغناء .
أقول : الغناء والطرب هو من أفعال الفساق وأهل المجون ، وينبغي للمسلم المؤمن ان لا يتصف بصفاتهم ، وان يتصف بصفات الأولياء والصلحاء ، فكل من اتصف وسمع الغناء فهو أموي وعباسي الأخلاق والعقيدة والمنهج والسلوك .
وفي أيامه توفي الامام العسكري عليه السلام وقد وجهت أصابع الاتهام اليه وهو الذي دسم لامامنا السم .
مدة إمامة الامام الحسن العسكري قصيرة جدا وهي ست سنوات مع عمره القليل وهو في ريعان الشباب بعمر 28 عام ، ولكن هذا العمر الصغير فيه الكثير من الآلام والمحن والصعوبات ويقابل ذلك الكرامات الكثيرة والعلوم والتراث المعرفي والتفسيري للقران الكريم وقد نسب اليه تفسير العسكري ، فكلما ذكرت له مصيبة واذية ذكرت أمامها مناقب وكرامات ومعارف .
في العهود الثلاثة لخلفاء بني العباس كان الامام عليه السلام ينقل من سجن الى سجن وله أسوة بجده الامام موسى بن جعفر عليه السلام .
اول سجن بعد شهادة والده الامام الهادي عليه السلام وبعد فترة اطلق صراحه وعاد الى منزله في سامراء .
السجن الاخر عند سجن علي بن نارمش وكان شديد العداء لآل البيت عليهم السلام فلما رأى سلوك الامام وعبادته وهديه وتقواه اصبح من احسن الناس بصيرة وأحسنهم فيه قولا .
سجن مرة مع ابي هاشم الجعفري في ايام المهتدي ، وأيام شغب الأتراك وقد قتل فيها المهتدي ، وقد كان عازما على قتل الامام العسكري ع ولكنه شغل بتلك الأحداث .
وتقول بعض الروايات ان الامام سجن في دار نحرير في ايام ملك المعتمد وكان نحرير يضيق عليه ويؤذيه ، وفي بعض المصادر حبس الامام ع مع مجموعة من الطالبيين في سنة 285 هجرية .
المحور الثاني تلامذته وتراث .
قضى الامام عليه السلام معظم وقته بالدرس والعلم ونشره ، وكان يجيد بالتكلم في مختلف اللغات واللهجات ومختلف الألسن كان يتكلم بالهندية مع زوار الهنود وكذلك التركية مع الأتراك والفارسية مع الفرس ومختلف الجنسيات التي كان تغدو وتروح عليه وعلى ابيه ( عليهما السلام ) .
وهذا هو فصل الخطاب الذي أعطاه الله تعالى الى أوليائه، وهذا من الأمور البديهية حيث ان الله تعالى لما يختار إماما على البشر فلا بد من معرفته بمختلف تلك الألسن واللغات ، وهذا مانشاهده في الكثير من الإجابات التي صدرت من هذه البيوت المقدسة .
ومن جملة اثاره له كتاب باملائه ( يشتمل على اكثر علم الحلال والحرام) تم تدوينه سنة 255هجرية .
وما اكثر الأسئلة والاستفهامات التي وردت له من تلامذته وأصحابه بمختلف العلوم وقد أجاب عنها برسائل كما في التوحيد حيث سأله سهل بن زياد الآدمي الرازي عن الجسم والصورة ؟ فأجابه عليه السلام : ( سألت عن التوحيد .... الله واحد احد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد خالق وليس بمخلوق يخلق الله تعالى مايشاء من الأجسام وغير ذلك وليش بجسم ويصور مايشاء وليس بصورة جل ثناؤه وتقدست أسماؤه ان يكون له شبه هو لا غير ليس كمثله شيء هو السميع البصير ).
وسئل الامام العسكري عليه السلام : هل رأى رسول الله ص وآله ربه ؟ فوقع الامام ع ان الله تبارك وتعالى ارى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب .
ومع ذلك ان الروايات قليلة امام ماروي عن الإمامين والهمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، ولعل ان سبب السجن في عسكر السلطان هو الذي منع من انتشار الأحاديث والموروثات الروائية عنه ، ومع تلك الظروف فقد تسرب الكثير من تلك الروايات عنه عليه السلام على شكل تواقيع وإجابات عن الكثير من المسائل التي نجدها في الكتب الأربعة كالكافي الكليني ،ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ، والاستبصار والتهذيب لمحمد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة .
ويعود الفضل الكبير للمحدثين والعلماء وأساطين العلم الذين نقلوا لنا هذا التراث
منهم
ابراهيم الانباري
ابراهيم النيسابوري
ابراهيم بن يزيد
ابراهيم بن علي
احمد بن ادريس
احمد بن ابراهيم
احمد بن إسحاق
احمد بن هلال
سهل بن زياد الآدمي الرازي
داوود بن القاسم ابو هاشم الجعفري
السندي بن الربيع
عبد العظيم بن عبد الله الحسني
علي بن مهزيار
محمد بن ابراهيم بن مهزيار
وقد زار علي بن مهزيار سامراء ومر بالإمام العسكري ع وقال له الامام ع ما الذي جاء بك يابن مهزيار ؟ فقال أتيت أسألك عن الامام المحجوب ، فقال له الامام ع والله ليس بمحجوب عنكم إنما حجبه سوء أعمالكم وافعالكم .
وغيره الكثير من أصحابه وتلامذته وحفاظ أحاديثه .
وكان يقضي حوائج السائلين قبل ان يقوموا بسؤاله وهذا من كراماته وينقل ان ابي هاشم الجعفري كان يمشي خلف الامام ع في الصحراء وكان يفكر في نفسه ان لديه دينا في ذمته فالتفت الامام اليه وكانت بيده عصا وانحنى من على ظهر جواده وخط خطوط وقال انزل وخذها يقول ابو هشام نزلت وإذا بها قطة ذهبية وفكرت في نفسي ان قيمة هذا القطعة تساوي جميع الديون فكيف بقوت السنة الكاملة ؟ ففعل آلامام عليه السلام مرة اخرى كما في الاولى ويقول ابو هاشم حسبت القطة وإذا بها تساوي قوت سنة كاملة حمدا الله وشكرته .
وهذا دليل على ان الله تعالى جعل لهم الطالع الكامل على نفوس العالمين حيث ان نفوسهم في النفوس وأرواحهم في الأرواح كما في زيارة الجامعة الكبيرة المروية للإمام الهادي عليه السلام .
المحور الثالث : كيفية شهادته عليه السلام
في عام 260 للهجرة كما أجمعت كتب التاريخ والسير والتراجم استشهد الامام الحسن العسكري وهو في عنفوان شبابه ، وأشارت أصابع الاتهام الى الخليفة المعتمد بدس السم اليه وتمرض لمدة ثمانية ايام وبعدها فارق الدنيا ، وكانت شهادته عليه السلام في اليوم الثامن من شهر ربيع الاول وهو الأشهر بل الأصح الثابت
ما مات منهم سيد بفراشه
بل مات مقتولاً بشر قتال
اما سيف او بسم ناقع
والهفتاه لهم وعظم نكال
وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون ، وانا لله وانا اليه راجعون .

المصادر
1- الأئمة الاثني عشر سيرة وتأريخ للشيخ محمد حسن ال ياسين
2- المناقب
3- أعلام الورى
4- كشف الغمة
5- بحار الأنوار
6- عمدة الزائر
7- جواهر الكلام
8- وفيات الأعيان
9- الكافي
10- الإرشاد والتهذيب
11- الفصول المهمة
12- نور الأبصار
13- ينابيع المودة
14- كامل ابن الأثير
15-تذكرة الخواص
16- الصواعق المحرقة
17- تاريخ الطبري
18- مروج الذهب
19- الخرائج والجرائح
20- عقيدة الشيعة
21 - تاريخ ابي الفداء
22- تحف العقول
23- تفسير العسكري
24- الذريعة
35- الاحتجاج


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/01/09



كتابة تعليق لموضوع : لمحة موجزة عن حياة وتراث الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : نداء علي ، في 2022/10/05 .

اهل البيت نور من الارض الى السماء لاينقطع .




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net