صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح180 سورة النحل الشريفة
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
 
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{44}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ) : بالحجج الظاهرة والبراهين القاطعة والكتب السماوية . 
2- ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) : يبين النص المبارك ان الله تعالى انزل القرآن الكريم على النبي الكريم محمد (ص واله) , وعبر عنه بالذكر لانه موعظة وتنبيه , واضاف ان القرآن الكريم فيه بيان موارد الحلال والحرام او احكام الشريعة . 
3- ( وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) : عسى الناس ان يتأملوا ويتدبروا الحقائق , فيكتشفوا او يقعوا على ان كل ما حرم ضارا للانسان جسديا ونفسيا , وكل ما حلل نافع له جسديا ونفسيا وهكذا , والا فأن الله تعالى لا تغنيه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي .          
 
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ{45} 
تسلط الاية الكريمة الضوء على ما يحاك من مكائد ضد النبي الكريم محمد (ص واله) خصوصا والاسلام عموما , كمثال على ذلك , ما اجتمع عليه المشركون في دار الندوة فقرروا قتله او تقييده او اخراجه (ص واله) , لعل الاية الكريمة لم تكن تعني تلك الحادثة بالخصوص , بل تعمم لكل المكائد والدسائس التي يحوكها الكفار والمنافقين ما وراء الكواليس للنيل من شخص الرسول الاكرم (ص واله) او للنيل من الاسلام , ( أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ ) , كما حصل لقارون , ( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ) , كما حصل لقوم لوط .    
 
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ{46}
تضيف الاية الكريمة احتمالا ثالثا لمورد عذاب قد يحيط بهم ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) , اثناء اسفار قوافلهم للتجارة او معاملاتهم او في نشاطاتهم الحياتية اليومية , ( فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ) , فأن الله عز وجل قادر على كل ذلك وهم لا يملكون ما يدفعون به العذاب عن انفسهم حينها .              
 
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ{47} 
تستمر الاية الكريمة في موضوع سابقاتها الكريمات مضيفة احتمالا رابعا (  أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) , او ان يلقي عليهم الخوف بالموت ونقص العدة والعدد , فلا يغمض لهم جفن , ولا يستقر مستقر لهم , وهذا النص المبارك فيه ان المشركين يتوقعون ويشعرون بالجهة التي سيأتيهم منها العذاب , ويعد مقابلا للنص المبارك الاسبق ( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ) حيث ان العذاب سيأتيهم من جهة غير متوقعة , (  فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) , من رأفته ورحمته جل وعلا انه لم يعاجلهم بالعقوبة .       
 
أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ{48} 
تضمنت الاية الكريمة استفهام انكار ( أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى ) , كيف غابت عقول وادراكات الكفار عن التفكر وتأمل ( مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ ) , كل شيء له ظل , يتفيأ فيه , يتحرك الظل تبعا لضوء الشمس نهارا , وكذلك تبعا لنور القمر ليلا , ( سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ) , كل هذه الاشياء تابعة منقادة لعظمته وتدبيره جل وعلا , ( وكأن تحويل كل ظل خلقه الله تعالى هو سجود له تعالى ذكره ) "القمي" .       
 
وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ{49} 
بينت الاية الكريمة ان كل الموجودات في السموات والارض تسجد لله تعالى , وكذلك كل الدواب وجميع الملائكة , الجمع يسجدون بانقياد وخضوع غير مستكبرين . 
يلاحظ ان الاية الكريمة ذكرت الملائكة بعد عموم الاشياء بيانا لفضلهم وعبادتهم وخضوعهم وانقيادهم لامره جل وعلا . 
الاية الكريمة جزمت ان كل الموجودات ( المخلوقات ) تسجد لله تعالى ذكره بضمنها :
1- الموجودات الجامدة ( الجمادات ) ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ) . 
2- الموجودات غير الجامدة ( الكائنات الحية ) سواء كانت في الارض كالدواب , او من سكان السموات كالملائكة : ( مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ ) .     
الاية الكريمة لم تذكر كيفية سجود الموجودات لله تعالى مجده , فتثار حول ذلك عدة اراء لعل الابرز ان المخلوقات تصنف الى عاقلة وغير عاقلة وجمادات وفقا الى ما ورد في القرآن الكريم حيث ان :  
1- سجود المخلوقات العاقلة : ما اشير اليه في { لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }آل عمران113 , {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }الأعراف206 ... الخ . 
مع لحاظ ان المخلوقات العاقلة صنفين : 
أ‌) مخلوقات عاقلة مطيعة : وهم المؤمنون , وهؤلاء يسجدون لله تعالى سجود طاعة , مبنية على معرفتهم وايمانهم به جل وعلا . 
ب‌) مخلوقات عاقلة عاصية : وهم المتمردون على طاعته جل وعلا , وهؤلاء يسجدون لله تعالى سجودا تكوينيا . 
2- سجود المخلوقات غير العاقلة : ومنها هذه الاية الكريمة حيث اكدت على سجود العاقل والغير العاقل , وكذلك سجود الجمادات ومنها ايضا  { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }الحج18 . 
3- سجود الجمادات : وهو ما اشارت اليه الايات الكريمة  {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ }الرحمن6 , {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ }الرعد15 , على بعض الاراء ان (  يَسْجُدُ مَن فِي ) دلت على سجود الكائنات العاقلة , وفي اراء اخرى دلت على سجود كل الموجودات ومنها الجمادات .   
نستشف مما تقدم ان السجود لله تعالى مجده الصادر من المخلوقات العاقلة المطيعة ( المؤمنون – الملائكة ) هو الخضوع وامتثال الاوامر الالهية والتذلل له جل وعلا , اما سجود المخلوقات الغير عاقلة والجمادات ففيه اراء منها : 
1- تذللها وخضوعها لله جل وعلا . 
2- انقيادها لما خلقت لأجله , فكل الموجودات لها دور ( حكمة ) في هذا الكون , وكل موجود يؤدي دوره فيه مطيعا او مكرها {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ }الرعد15 .   
 
يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{50} 
تبين الاية الكريمة ان الساجدين لله تعالى سجود طاعة وامتثال اوامر ( يَخَافُونَ رَبَّهُم ) , ولخوفهم من الله تعالى عدة اسباب موجبة له نذكر منها :      
1- الخوف من انهم لم يمتثلوا لاوامره جل وعلا كما ينبغي . 
2- الخوف من التقصير في الطاعة . 
3- الخوف من ان يؤاخذهم جل وعلا ببعض ذنوبهم . 
4- الخوف من عظمته وهيبته جل وعلا . 
5- الخوف من اختباره جل وعلا لهم , واحتمال الفشل في الاختبار وارد .  
( مِّن فَوْقِهِمْ ) , الفوقية هنا بمعنى القهر والغلبة , لا بمعنى المكان , ( وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ,  في طاعته جل وعلا واجتناب نواهيه .      
 
وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ{51}
اكدت الاية الكريمة امرين : 
1- الالوهية : ( وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ ) . 
2- الوحدانية : ( إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ ) .      
( فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ ) , عندما اكدت الاية الكريمة في مطلعها على الالوهية والوحدانية , اوجبت على المخلوقات الخوف والرهبة من الاله الواحد .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/01/18



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح180 سورة النحل الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net