صفحة الكاتب : حمزة علي البدري

ميت في طور الانتظار..!؟
حمزة علي البدري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أقف على تخوم الموت , وأنا أتقيء حزني الدهري الساكن في عروقي , وأبدد غيومي الحجرية التي تلبد آفاقي منذ ولادتي ,  فحياتي مسلسل مفجع وكأني محكوما علي بالتعاسة الأبدية والقلق الممض ,  والمرض الثقيل والانتظار المحنط  , فكل ما عندي متردي وقاسي ومشنوق فحتى هواياتي الراقدة في ذهني والتي لم أتمكن من تحقيقيها لاعتبارات شتى قد حرمت منها , فقد كنت وما أزال اعشق صنع التوابيت , وأهيم بتغسيل وتكفين الموتى واليتني حفار القبور .. وكان بودي أن ابني بيتا في المقبرة وأجاور المقبورين لكي انتهل منهم الحكم والعبر والامتثال ,  وبهذه الحالة أجالس قوما لا يزعجونني ولا يؤذونني ولا يتعبونني بشيء , وإذا غفلت عن الآخرة فأنهم يوقضونني ويذكرونني , وإذا غبت عنهم فأنهم لا يغتابونني .. فأنني الآن ميت يتنفس , وجثة تتحرك بانتظار أكرم وارحم واصدق واعدل زائر في الوجود ,  لا يميز بين الملك والمملوك , بين الرئيس والمرؤوس , بين الحر والعبد , بين الفقير والتاجر , الكل أمامه متساوون ومستسلمون وخانعون لمشيئته التي هي مشيئة الله النافذة فأهلا وسهلا بهذا الزائر الذي يفتح الأبواب بلا أستاذان ومرحى لهذا الضيف المتمرد والمؤدي لإرادة الله المستمرة ,  فطوبى لهذا الذي لا نفكر فيه إلا عندما يحل ضيفا خاطفا لارواحنا , فنعماك ( ياملك الموت ) يامن تختطف الجميع  .. الإنسان والحيوان والطير والحشرات وكل الكائنات الموجودة فهي تحت كفك الخاطف , فيا أيها البشر لماذا لا تأخذ العبر ولما لا تتعظ بما بطن وظهر .. فمن يفكر بالموت وما بعد الموت مليا ,  فانه سيكون انسانا سويا بل ملاكا على الأرض , فما بالنا وما دهانا وان أكثرنا قد نسى الله ونأى عن قرانه وأحكامه وتجاهل عقابه وثوابه ,  فإننا نتمسكن ونتوسل بالله جلت قدرته إذا مرضنا  فنرفع اكف الدعاء بتذلل وخشوع ونهمس في نفوسنا ( ياالله عطفك يارحيم شافينا وعافينا ) واذا اصابنا الفقر والحرمان فنهرع لله الكريم متوسيلين بخنوع وإذلال مرددين ( ياربنا ارزقنا وأغدق علينا بخيرك ) واذا انتابتنا شدة ومعضلة فزعنا لخالقنا مستغيثين ( يا الهانا فرج عنا ) فهذه هي حقيقتنا في حالات المحن والكوارث والمنغصات ننشدوا بكل قوة قلبا وقالبا لرب العالمين ,  نبكي ونتوسل ونسترحم ونبتهل للمولى ان يشملنا  بالصحة والعافية وطول العمر والخير العميم , وإذا ابتسمت لنا الأيام نغطس في ملذاتنا ,  ونزهو في أموالنا ,  ونفتخر بأولادنا ,  ونشمخ بمناصبنا ,  ونتسابق لإشباع نزواتنا ,  ونلهث وراء اكتناز الدينار والدولار الذي ننشغل به ويشغلنا عن ربنا وديننا ووجباتنا الإنسانية , فتبا وسحقا لنا لأننا لا نعي واقعنا ولا نفكر بنهايتنا ,  فكل همنا دنيانا الفانية وكل حرصنا على زوجاتنا وأولادنا الذين وصفهم الله والقران بأنهم فتنة وان منهم اعداء لنا وقد اكد جل في علاه ان اكثرنا لا يعقلون ولا يعرفون ولا يعلمون , فاننا دنيويون وسائبون ومتناسون ومتنكرون وحقيقتنا الحقيقية وقيمتنا الواقعية نفهمها جيدا اذا انتبهنا لانفسنا دقائق عندما ندخل التواليت فما ذا نجد ونشاهد ونسمع ونشم الذي يخرج من جوفنا  , هذا هو انتم ايها الناس المتطاولون المتعالون المتطاووسون المتبخترون المتكبرون المتحكمون بالآخرين , فكل ما يخرج من جوفك وجسمك ايها الانسان عفن وخائس ونتن ومقزز ,  فأنت أنت تتقزز مما يخرج منك , واذا مت فستكون جيفتك اشد وانتن بعد ايام على رحيلك فهذا هو أنت أيها الغر الغرير المغرور هذا هو أنت أيها المتعملق المعربد الذي تفكر ببناء أهرامات وامتلاك امتيازات ولن يشبع نهمك كل القناطير المقنطرة ,  ولن تكتفي بأعلى المناصب والحقائب وكأنك لا لن تموت وأنت مهيأ في كل لحظة الى الموت والى الفواجع .
 
 فيا ابن ادم حسنت ظنك بالأيام مقتنعا ,  وفي صفو الليالي يكمن الكدر .. اننا نعيش ألان بلا معنى لان أكثرنا يعيش لنفسه وعائلته متجاهلا الآخرين في قرارته .. فالموت هو النهاية الأبدية وهو ليس بمصيبة ولا كارثة ولا فاجعة انما هو نهاية الطريق وزورق الانقاذ من الماسي والمخازي ومن الأمراض والإعراض ومن العجز والشيخوخة والكبر والقهر , فطول العمر المصحوب والمشحون بالاهات والحسرات والنكد والمنغصات هو موت بطيء .. وقد قال الرسول الاعظم محمد ( ص ) كفى بالسلامة داء .
 
فانا عاشق للموت ومتمنيا ان ينقذني مما أنا فيه من امراض مزعجة ومتاعب جمة فما قيمة حياتي وأنا طريح الفراش مجرد جثة تتكلم والذي أقوله : إذا نفذ الله حكمه ووعده وفارقت الحياة فاناغير أسف ولا متأسف عليها لأنني اردد دائما ما قيل :
 
 الا موت يباع فاشتريه 
 
                    فهذا العمر لا خير فيه 
 
والذي ابتغيه اذا مت فلن أحبذ تشيعي ببهرجة وخبيصة ,  ولا ارتضي أن تسير ورائي سيارة واحدة خشية أحداث الطريق التي لا يمر يوم واحد دون كوارث ومصائب تسببها تلك السيارات ,  وكي لا أكون في معرض الذكرى السيئة إذا تعرض احد المشيعين لي لحادث مؤسف , فالتشيع الجنائزي يجب أن يتسم بالحشمة والوقار والصمت الذي يمزقه صوت المنادي لا اله إلا الله , وأنا لله وإنا إليه راجعون , ويجب ان تشمخ أمام الجميع حقيقية تمنحنا العبر والعظات وهي : اذا حملت الى القبور جنازة 
 
                           فاعلم بانك بعدها محمول 
 
فانا أمج التشيع المصحوب بلعلعة الرصاص الطائش وزعيق السيارات المزعج ,  وبالهوسات البعيدة عن جوهر الدين .
 
فبأي كتاب من كتب الله الكريمة مذكورة هذه الممارسات والترهات , وبأي حديث نبوي مشروعة هذه التبجحات والفخفخات, فان هذه الأبهة والبهرجة والمظاهرة لا يستفيد منها الأموات بأي حال من الأحوال , بل يعشقها الأحياء الأدعياء المتبجحون والذين يتمشدقون بهذه الظواهر الدنيوية التي تتقاطع مع تعاليم الدين الحنيف , فبدلا من سماع هورنات السيارات لنسمع الأحاديث النبوية والتواشيح الدينية ولنهضم مواعظ وحكم الائمة والعلماء والفقهاء والصالحين , ويجب ان نمارس طقوس التعزية في تعقل واحترام ووقار وننأى عن كل ما يغضب الرب .. فذروني أموت بصمت الم تكن النهاية كلنا نصمت والى الأبد ,  وتتكلم بعدنا ذكرياتنا الطيبة التي نتركها خلفنا والعاقبة للمتقين طالما كلنا أموات أبناء أموات مهما قصر الزمن او طال : 
 
لقد أسرى بنا الأجل 
 
                وطول مسيرة ملل 
 
وطول مسيرة من دون
 
               غاي مطمح خجل 
 
إننا جميعا على مشارف الموت فمنا من هو في طور الانتظار ,  ومنا قد قبروا في طور التنفيذ , ولن نمتلك في أخرتنا إلا مازرعناه في دنيانا فان كل ما تنهبه وتسلبه وتدخره وتكتنزه هو لغيرك ,  أما أعمالك الصالحة وذكرياتك الأخلاقية الناصعة وإيمانك المتزايد فهو متاعك وذخيرتك في أخرتك وقد صدق الشاعر عندما زغرد بقوله 
 
دقات قلب المرء قائلة له 
 
                      ان الحياة دقائق وثوان 
 
فأحفظ لنفسك بعد موتك ذكرها  
 
                       فالذكر للإنسان عمر ثان 
 
وأخيرا أقول : 
 
لقد انهكتني الأمراض المتنوعة , وأدمت قلبي الفواجع والمصائب التي صبتها الأقدار على راسي , فاضحيت كومة شقاء اجتر أيامي الباقية على بساط التوجع والآهات والحسرات فأي عمر هذا الذي انحره بمتاعب وماسي فهل صخرة انا لكي اعتمل ما يتكوم على كاهلي من ويلات ونكد ومحن فيا مرحبا بالموت المنقذ لي مما أعانيه وها أنا ميت في انتظار الموت , وعساه لن يتأخر كثيرا ولن يطول غيابه , فبه أستريح والى الأبد ,  لأنني انتقل إلى ضيافة رب العالمين والذي هو ارحم الراحمين . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حمزة علي البدري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/20



كتابة تعليق لموضوع : ميت في طور الانتظار..!؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ماجد عبد من : العراق ، بعنوان : نعيش بلا معنى في 2011/03/20 .

فيا ابن ادم حسنت ظنك بالأيام مقتنعا , وفي صفو الليالي يكمن الكدر .. اننا نعيش ألان بلا معنى لان أكثرنا يعيش لنفسه وعائلته متجاهلا الآخرين في قرارته .. فالموت هو النهاية الأبدية وهو ليس بمصيبة ولا كارثة ولا فاجعة انما هو نهاية الطريق وزورق الانقاذ من الماسي والمخازي ومن الأمراض والإعراض ومن العجز والشيخوخة والكبر والقهر , فطول العمر المصحوب والمشحون بالاهات والحسرات والنكد والمنغصات هو موت بطيء .. وقد قال الرسول الاعظم محمد ( ص ) كفى بالسلامة داء .

احسنتم وفعلا نحن نعيش بلا معنى ........




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net