صفحة الكاتب : نزار حيدر

معايير الاختيار
نزار حيدر
   تأسيسا على جواب امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) عندما قام احدهم ليسأله في معركة الجمل: أتراني أظن طلحة والزبير وعائشة اجتمعوا على باطل؟! فاجابه الامام عليه السلام {يا حار إنك ملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال؛ اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف من أتاه} يمكننا ان نستنبط قاعدة (انتخابية) في غاية الأهمية، ونحن على أعتاب الانتخابات النيابية الجديدة في العراق نهاية الشهر القادم (نيسان) الا وهي:
   ان الأولوية عند الاختيار هي لتحديد المعايير المطلوبة في المرشح، وليس لاسمه او لقائمته، فإذا حُدِّدت هذه المعايير فان تطبيق المرشحين عليها سيكون سهلا جدا، اما اذا انصبّ هم الناخب على اسم المرشح فحسب، فسيتخبط في الاختيار بلا نتيجة.
   ان كل عمليات الاختيار في حياتنا الشخصية تعتمد على المعايير اولا، اختيار شريكة او شريك الحياة، اختيار التخصص الدراسي، شراء البيت والسيارة، السفر والإقامة، وكل شيء، فلماذا لا نفعل الشيء نفسه في العملية الانتخابية؟.
   ان غياب المعايير في عملية الاختيار، لا تنتج الا الفوضى في حياتنا، لانها تنتج تخبطا وعشوائية وضياعا وفوضى، ولعلنا، جميعا، جربنا في حياتنا عملية اختيار من نوع ما بلا معايير، وماذا كانت النتيجة؟ انها تلبّس على حد قول الامام.
   وبرأيي، فان المعايير يجب ان تعتمد مبادئ استراتيجية مثل، الوطنية وليس المذهبية او العنصرية او العشائرية او المناطقية، والمصلحة الوطنية العليا، وليس المصالح الشخصية او الأنانية الضيقة، والمستقبل، وليس الحاضر فقط او الواقع فحسب، لتكون المعايير استراتيجية، وليست تكتيكية.
   فما هي معايير الاختيار؟ او قل حسن الاختيار؟ انها، برايي، كما يلي:
   اولا: التغيير نحو الأفضل والاحسن.
   ان جوهر العملية الانتخابية هو تحقيق التقدم والتطور في الأداء لضمان التغيير نحو الأفضل، والا فستتحول عملية الوقوف امام صندوق الاقتراع عند كل استحقاق انتخابي، عند الناخب، الى عادة يمارسها لقضاء الوقت مثلا او للنزهة او لإسقاط الواجب او على قاعدة (حشر مع الناس) بلا اي تأثير او اثر يترتب على ذلك.
يجب ان يسال الناخب نفسه عدة مرات وبصوت عال، قبل ان يودع صوته صندوق الاقتراع، هل انه سيساهم في التغيير؟ ام انه لا يغير من الامر شيئا؟ فإذا كان سيغير او يساهم في التغيير فبها ونعمت وهو المطلوب، والا فليعد حساباته مرة اخرى.
   ثانيا: البرنامج الانتخابي، وما اذا كان يصلح للمرحلة القادمة ام لا؟ وفيما اذا كان قابلا للتنفيذ والتطبيق ام انه حشو إنشائي لا يغني ولا يسمن من جوع؟ هل هو برنامج وطني ام انه يتخندق عنصريا وطائفيا ًوحزبيا ومناطقيا اكثر من اصطفافه وطنيا؟ أهو برنامج حقيقي يقدم مصالح المواطن على مصالح الكتلة؟ ام انه لا يحقق الا مصالح المرشح؟ هل انه يأخذ بنظر الاعتبار هموم المواطن في الصحة والتعليم وفرص العمل وتحسين البيئة وغير ذلك، ام انه مجرد شعارات لاستدراج الناخب فقط؟.
   ثالثا: قوة الشخصية، وشجاعة المرشح، والتي تتحقق عنده بما يلي:
   1/ الحرية، فالمرشح العبد عند زعيم الكتلة لا يهش ولا يبش، لانه لا ينبس ببنت شفة قبل ان يفتح الزعيم فاه بحرف او كلمة، او قبل ان يستلم الإشارة اللازمة التي تجيز له الحديث او حضور الجلسة او التصويت، أكانت هذه الإشارة برسالة قصيرة او باتصال هاتفي ضائع.
   2/ الرصيد الشخصي، من علم ومعرفة وخبرة وتجربة وتخصص، فالمرشح الذي لا يمتلك من كل هذا شيئا، لا يمكن ان يكون قوي الشخصية ابدا.
   3/ النزاهة، فالمرشح الذي يمتلك زعيم الكتلة ضده ملفات فساد ورشوة ومحسوبية، سيظل طوال السنوات الأربع من عمر مجلس النواب القادم تحت رحمة الزعيم، عرضة للتهديد والوعيد كلما حاول ان يرفع صوته فوق صوت الزعيم، او ان يتقدمه خطوة الى الامام، او ان ينتقد أداءا او ما أشبه.
   4/ التجربة، فهي اكبر برهان، من خلال التصفح بتاريخ المرشح، وتقليب أوراقه، فإذا كانت تتحدث عن نجاحات وإنجازات في المواقع التي تصدى لها، هذا يعني انه سيكررها تحت قبة البرلمان، فهو، لذلك يستحق الثقة، اما اذا كانت أوراقه تتحدث عن فشل وطرد وتراجع وغيابات وأزمات ونفاق وخصومات وتقلب في المزاج السياسي وقول بلا فعل ووعود بلا إنجاز وكذب وغش وخداع ودعاية رخيصة وتخويف وارهاب وإرعاب ولا ابالية والهرب من المسؤولية وغير ذلك، فانه بالتأكيد سيستصحب كل هذه العادات السيئة الى مجلس النواب، فهو، إذن، ليس اهلًا للثقة.
   ان من الأشياء المهمة جدا هنا، في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تساعد المواطن على حسن الاختيار في كل أمور حياته، هو وجود ما يعرف هنا بالسجل العام الذي يحق لكل مواطن الاطلاع عليه، فهو يبصّر المواطن بحقائق الامور فلا يقع ضحية نصب او احتيال او تضليل، فإذا أراد، مثلا، ان يشتري قطعة ارض، فان بإمكانه ان يتحقق منها بالتفصيل الممل وذلك بالعودة الى السجل العام لهذه الارض، من دون ان يسال صاحبها الذي يحاول بكل تأكيد صرفها بكل الطرق السليمة والسقيمة، وكذا اذا أراد ان يشتري سيارة او اي شيء اخر.
   اما اذا أراد ان يدلي بصوته في أية انتخابات، حتى اذا كانت تخص المدرسة او المحلة او حتى ما دون ذلك، فان بإمكانه ان يعود الى السجل العام ليتحقق من شخصية المرشح بالتفاصيل المملة، من دون ان يسال عنه من أصدقائه او عشيرته او حزبه لان (القرد في عيون أمه غزال) كما يقول المثل.
   لذلك، فانا اقترح تأسيس مثل هذا السجل في العراق على الأقل فيما يخص المرشحين لتولي موقع في الشأن العام، فان ذلك سيساعد الناخب على حسن الاختيار بشكل كبير.
   وان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات يمكنها ان تنجز ذلك وبالتعاون مع السلطة القضائية وهيئة النزاهة، لتأتي النتائج سليمة وصحيحة ودقيقة لا تظلم احدا فلا تكن كيدية مثلا او سياسية، فان ذلك بمثابة الظلم يقع على المعني والخيانة والتضليل بالنسبة للناخب.
   اتمنى على الآخرين، وعلى راسهم المرجعية الدينية ومنظمات المجتمع المدني والكتاب والمثقفين والباحثين وغيرهم، ان يساهموا معي في تحديد المعايير الاخرى التي تساعد في تحسين اداء الناخب وتعينه في حسن الاختيار.
   2 آذار 2014

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/03/03



كتابة تعليق لموضوع : معايير الاختيار
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net