صفحة الكاتب : احمد كريم الحمد

مقطع فيديو قصير من وحي عصر التَكبير
احمد كريم الحمد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 
وانا اطالع موقع (يوتيوب) الشهير استوقفني مقطع فيديو لرجال أمن وجنود سوريين وهم محاصرين داخل احد المباني الحكومية  وعلى مايبدو  قد نفذت ذخيرتهم الى حد الصفر وتجمعوا في زاوية في غرفة أشبه بالصفوف المدرسية لكنها بلا أي اثاث بانتظار الموت المحتوم على ايدي الارهابيين الذين تسمع اصواتهم وتكبيراتهم ..
فهم يحملون الموت بين ايديهم وينثرونه حيث ما حلوا على هامش ربيع التكبير (الربيع العربي)  ،،
 هذه المشاهد كانت مصورة من قبل احد الجنود الذي على ما يبدو انه امتشق هاتفه  وفتح كاميرا الهاتف بعد ان تهاوت بندقيته ونفذ رصاصها هذا الجندي قرر ان يخلد مأساته ورفاقه الى الأبد قرر ان يعرض لنا قصة رجال  عاشوا دقائق ليست ككل الدقائق وثواني كأنها السنين العجاف ،،
الجندي اخرج هاتفه وصور رفاقه وبدت وجوههم صفراء لكنها باسمة  كأن عيونهم تقول ايها الجالسون خلف الشاشات تحت سقوف بيوتكم الآمنة في احضان عوائلكم  لاتخدعكم هذه الابتسامة انها ابتسامة اليأس الممزوج بالألم والخوف والحزن والحسرة على حياة ستسرق خلال دقائق .. 
هم يعرفون انهم  وقعوا في شباك صيادي الارواح وقراصنة الحياة لذلك فرص بقائهم على قيد الحياة معدومة ان لم تكن مستحيلة 
الجنود عندما شاهدوا زميلهم وهو يبدأ بتصويرهم قاموا بتعديل ياقات قمصانهم وبدلاتهم العسكرية وكأنهم في لقاء تلفزيوني وأبى احدهم ان لا يتم تصويره الا وهو في كامل قيافته العسكرية فلبس خوذته على عجل وشد رباط بوطه العسكري يأبى ان يتواجد في حضرة الموت  دون ان يكون انيقاً  .. أي انُاس انتم ..!!!
ووقفوا جميعا في صورة تذكرني بالعشاء الأخير للسيد المسيح  لكن للأسف لم يكن عشاءاً   .. ثم بدأوا بنقل تحياتهم الى ذويهم فهذا يقول لأمه لاتحزني في موتي وهذا يقول لزوجته سأموت حتى تعيشي  بكرامة انتي والاطفال والاخر يقول لأخيه اعتني بأبي وامي واختي الصغيرة فهي مريضة وهذا يقول والدمع يتموج في عينيه ومؤكد انها ليست دموع الخوف انها دموع الفراق واما اوجعها من دموع  ثم يقول لأبيه لاتدع اختي تترك الدراسة قم ببيع اغراضي وادفع لها قسطها لتكمل دراستها الجامعية   ....!!
  فجأة يصبح صوت الرصاص قريبا جدا  يقترب صوت التكبير اكثر فأكثر الكل  بدأ يكبر الضحية والجلاد ،، تحدث ربكة الكل بدأ يتحرك اليد التي تحمل الكاميرا فقدت توازنها ،،،
 احد الجنود يطلب من رفاقه مسامحته على الاخطاء التي ارتكبها بحقهم عندما كانوا في دورة التدريب العسكري   يدير المصور الكاميرا على وجهه المرتبك ويحاول ان يقول شيئاً لكن لسانه يعجز عن النطق امام صخب لحظات الموت وتكبيرات الذئاب البشرية، تتجه الكاميرا نحو الباب  الوحيد في الغرفة الذي سيأتي منه رجال الموت فجأة تلمح ماسورة بندقية متوسطة المدى ثم تختفي وهناك يسمع صوت يقول انهم في الداخل،، انهم في الداخل ،، تمر الثواني وكأنها الدهر ،،
 الضابط الاعلى رتبة بينهم يقول  لا تخافوا انا سيكون اول من يقتل ساكون في مقدمتكم يتقدم الضابط باتجاه الباب يبدأ الجنود بالتزاحم في زاوية الغرفة يقومون بتلاوة الشهادة ووجوهم نحو الباب ثم يغمضون اعينهم بانتظار الرصاص الذي سينهي مأساتهم  ،،  تسمع اصوات اقدام ويبرز صوت سحب بندقية وتلقيمها ،، وماهي الا لحظات ليطل مسخ بلحية كثة حليق الشارب وهو يكبر فيعلو صوت رصاص بندقيته وتختفي اصوات من في الغرفة وتسقط كاميرا الهاتف  معلنة  سقوط الانسانية في هذا العصر ومعلنة انتصار الشر في واحدة من ابشع المجازر التي تحدث في سوريا والعالم على حد سواء  إيذاناً ببدء عصر جديد في حياة العرب هو عصر التكبير ..
عجزنا ان نُكبر افكارنا واذهاننا وعقولنا فكبرنا سيوفنا ولِحانا وتَطرفنا  لم يعد أحد يسمع شيئاً في نشراتنا الاخبارية سوى التكبير والموت ،،
في اوروبا بدأت حياتهم بنهاية عصر التنوير اما نحن فبدأ موتنا ببداية عصر التكبير ،،، يتفطر قلب  اي انسان وهو يشاهد اخر لحظات بني جنسه نظرائه في الخلق وإخوانه في الدين وهم يغادرون ركب الحياة الى غير رجعة ومن اجل ماذا ... الكل يجهل السبب.. عجيب أمركم ايها العرب؟؟
 بعد الحزن والمرارة على من قتلوا قلت لنفسي  وانا اتخيل حجم المأساة التي خلدها هذا الفيديو القصير ماذا سيكون  انعاكسه على نفوس ذوي الشهداء ماذا سيكون شعور الزوجة وهي تشاهد زوجها مرتين  مرة في صورة الزوج المبتهج في حفل الزفاف ورفاقه حوله يزفونه الى عش الزوجية وفي صورة اخرى ترى زوجاً شاحباً يصرع امام عينيها ذنبه الوحيد انه وقف مع الشرعية ولبس زيها الرسمي واخذ على عاتقه شرف الدفاع عن الوطن،،  فعيونها ترى  روحه  تهدر على مذبح العبث العربي الاسلامي ورفاق الامس الذين زفوه هم نفسهم رفاق اليوم الذين يشيعوه ،،كيف سيكون بكاء الام وهي تذكر اللحظات المؤلمة التي انجبت فيها ابنها  والنساء حولها يباركون لها مولودها البكر ومن ثم ترى نفس النسوة وهن يلطمن الخدود  على فقد الشهيد بأي اللغات يمكن ان تُعزى الام واي كلمات  في بطون قواميس اهل الارض ستخفف وجعها وألمها،،،،،
ماذا سيقول أخ الشهيد عندما يرى أخيه في ملابس بيضاء  مؤكد إنها ليست ملابس الزفاف او الولادة انها ملابس الموت والشهادة ماذا سيشعر وهو ينظر الى ذرات ذات التراب الذي كان يلقيه على اخيه في مزاح  عندما كانوا صبية هو ذاته التراب  الذي سيمنعه  من رؤية اخيه والى متى ،، الى الابد،،،  ماذا سيقول الأب الوالد الذي اضناه التعب ومشقة العيش  الذي انتظر ان يَكبر ابنه ليعينه  على الدنيا ويتحمل جزء من اعباء الحياة الثقيلة وهو يرى ولده في ابتسامته الاخيرة التي يستطيع وحده ان يفسرها  ويفك طلاسمها أيلعن الأبوة ام يتحسر على حكمة رهين المحبسين ابو العلاء المعري الذي  رفض ان يكون له ذرية حتى لا يتوجعوا في حياة نهايتها مقدرة سلفاً ،، 
ماذا سيقول ابن الشهيد عندما يساله  اقرانه الاطفال ببراءة الطفولة أين والدك لماذا لا يصطحبك الى حديقة الالعاب .. لماذا لم يشترِ  لك ابوك ثياباً جديدة للعيد ...   لماذا لا يأتي والدك ليوصلك الى المدرسة ،،،
او عندما تطلب منه المعلمة احظار والده بسبب تلكؤه في الدراسة ماذا سيقول لها ،،،؟ هل سيقول لها ان هنالك رجل ذو لحية اشبه بالمسخ قد ارتآئ  ان والده خطر على الاسلام والحرية  فقرر ان يتخذ قرارا بازالة هذا الخطر من الوجود ،،،!!

اعتقد انه من الافضل ان يدعوها لمشاهدة مقطع الفيديو الذي يؤرخ حياة  ومجد والده. اعتقد انه سيكون كافيا للاجابة على اي سؤال ،، وبضمنها السؤال الازلي ايهما اكبر  واقدس شأنآ عند الله الانسان ام  التكبير !!!
تكبير .. الله اكبر


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد كريم الحمد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/03/07



كتابة تعليق لموضوع : مقطع فيديو قصير من وحي عصر التَكبير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net