انقلاب المفاهيم دراسة على ضوء نهج البلاغة ( 1 )

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


تمهيـــــــــــــــد:
قال تعالی في محکم کتابه الکريم: «فطرة الله التي فطرالناس عليها» ((الروم: 30))
      إنّ الانسان يولد علی الفطرة السليمة، و انّما ابواه يمجسانه او يهوّد انه ـ کما ورد في الحديث الشريف ـ کناية عن دور البيئة و المجتمع و الاسرة في صناعة شخصية الانسان و تکوين منظومته الفکرية و المعرفية. 
و قال تعالی أيضا: «قل کل يعمل علی شاکلته» ((الاسراء: 84)) ممّا يعني انّ مدار العمل ـ بمعناه الواسع ليشمل عمل الجوارح و الجوانح معاً ـ هوشاکلة الانسان أي المنظومة الفکرية و المعرفية التي يکتسبها الانسان بطرق مختلفة و يعتمد عليها في مجال عمله، فهذه الشاکلة هي التي تحدّد مسار الانسان من هداية أو ضلال، تقدّم أو تأخرّ، سعادة أو شقاء، و ذلک انّ من کانت شاکلته مبتنية و منبعثة من الفطرة السليمة الالهية کان مهتدياً و علی خير، و من بنی شاکلته علی الأهواء و الميول الباطلة، ابتعدت شاكلته شيئاً فشيئاً عن تلك الفطرة، و أصبح منکوس القلب بتبع تغيير المفاهيم عنده أو قل انقلابها، و ذلك انّ «من سلك الطريق الواضح ورد الماء، و من خالف وقع في التيه» (الخطبة: 201)
    وفي تمثيل جميل يقول اميرالمؤمنين(عليه السلام):  « فاعلم انّ لکل عمل نباتاً، و کل نبات لاغنی به عن الماء، و المياه مختلفة، فماطاب سقيه طاب غرسه و حلت ثمرته، و ما خبث سقيه خبث غرسه و أمرّت ثمرته» )الخطبة: 154( و هذا تمثيل لطيف عن طريقة تکوين شاکلة الانسان، فالروافد المعرفية اذا کانت نظيفة و سليمة أنتجت سلامة الموقف و صحته، أما لو کانت خبيثة لم تنتج سوی الموقف السلبي و الانقلاب علی الظواهر و الثوابت.
لو رجعنا الی التاريخ و درسنا مواطن النجاح أو الانهيار و الفشل بدقّة، لرأينا انّ السبب الرئيس هي المفاهيم التي اعتمد عليها الناس و بتبعها نجحوا أو فشلوا.
و هناك نص عند اميرالمؤمنين(عليه السلام) يشير الی انّ الهدف الأساسي من ارسال الرسل و بعثة الانبياء انّما کان لتقويم و تصحيح المفاهيم بعد اندراسها، قال(عليه السلام): « واصطفی سبحانه من ولده أنبياء أخذ علی الوحي ميثاقهم، و علی تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدّل أکثر خلقه عهدالله اليهم، فجهلوا حقه، و اتخذوا الانداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث الله فيهم رسله، و واتر اليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، و يذکّروهم منسيّ نعمته، و يحتجّوا عليهم بالتبليغ، و يثيروا لهم دفائن العقول ...» ((الخطبة 1)).
فالتذکير بميثاق الفطرة، و بالنعم المنسية، و إثارة دفائن العقول، عبارة اخری عن تقويم المفاهيم و تصحيحها و تکوين شاکلة فکرية جديدة تأخذ بيدالانسان نحو الحق و الفضيلة.
  نحن اليوم إذ نعيش المعترک الثقافي في عصر تعدّد القراءات و الرؤی الفکرية المختلفة مع ما نحمله من رسالة خالدة تهدف الی نيل السعادة في الدارين، و ما نشاهده من أزمات يعيشها العالم الاسلامي، يلزم علينا الاهتمام بشأن المفاهيم و معرفة مواقع الخلل و الآفة، لنتمکن من أن نرسم شاکلة المجتمع علی أساس مفاهيم صحيحة مستقاة من القرآن و العترة، ليصلح بها الفرد و المجتمع.
 انّ أعداء الاسلام بعد ما فشلوا في إطفاء نور الاسلام، عمدوا الی تغيير هوية المسلمين و افراغ المفاهيم الايجابية من محتواها بحجّة التقدّم و التطور و الحضارة، فهناک اسلام و دين لکنه فارغ، و کما قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «و لبس الاسلام لبس الفرو مقلوباً». نحن هنا و لمعالجة هذه الظاهرة أي ظاهرة انقلاب المفاهيم و معرفة أسبابها، نتصفّح کلام أميرالمؤمنين(عليه السلام) الوارد في نهج البلاغة، لنقف علی ماورد في کلامه الشريف من معالجات و حلول لهذه الظاهرة، إذ کان هو (عليه السلام) مبتلی بها. و نحاول أن نوجز الکلام في ثلاثة محاور.

المحور الأوّل: الأسباب
ــــــــــــــــــــــــــــــ
 الانحراف عن الفطرة الالهية و بتبعه انقلاب المفاهيم و اختلاط الأوراق، له أسباب و عوامل عدّة يتخذها الانسان و يتمسک بها عن عمد أو جهل، الی أن يصبح منکوساً يری الحق باطلاً و الباطل حقاً. و فيما يلي نشير الی أهم الاسباب النفسية و الاجتماعية کما ورد في نهج البلاغة
1ـ إغواء الشيطان:
 يشير أميرالمؤمنين(عليه السلام) في نص جميل الی خطورة اغواء الشيطان و طريقة عمله الماکرة و يقول: «انّ الشيطان يسنّي لکم طرقه، و يريد أن يحلّ دينکم عقدة عقدة، و يعطيکم بالجماعة الفرقة، و بالفرقة الفتنة...» ((الخطبة 120))
فالشيطان يتقدّم خطوة خطوة الی أن يصل الی مراده، و هو العبث في المنظومة الفکرية و المعرفية للانسان حتی يقلبها، و بتبعها تتغير طريقة التفکر و السلوک، کما قال(عليه السلام): « و يعطيکم بالجماعة الفرقة... »
و يقول(عليه السلام) في مکان آخر: «اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاکاً، و اتخذهم له أشراکاً، فباض و فرّخ في صدورهم، و دبّ و درج في حجورهم، فنظر بأعينهم، و نطق بألسنتهم، فرکب بهم الزلل، و زيّن لهم الخطل، فعل من شرکه الشيطان في سلطانه، و نطق بالباطل علی لسانه» ((الخطبة 7))
و قال(عليه السلام): « و حذّرکم عدّواً نفذ في الصدور خفياً، و نفث في الآذان نجيّاً، فأضل و أردی و وعد فمنّی، و زين سيئات الجرائم، و هوّن موبقات العظائم» ((الخطبة: 82))
 إذاً من الاسباب الرئيسية في عملية استحالة المفاهيم و انقلابها، متابعة الشيطان و اغوائه بحيث تنقلب جميع الموازين فتصبح شيطانية بعد أن کانت رحمانية
2ـ هوی النفس:
قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) في کتابه الی الامام الحسن (عليه السلام): «الهوی شريک العمی» ((الکتاب 31))
بمعنی انّ صاحب الهوی أعمی عن الحق و عن المنهج القويم لانّه لايراه کما هو، و لذا کان أميرالمؤمنين(عليه السلام) يتخوّف من اتباع الهوی و يقول: «أيها الناس انّ أخوف ما أخاف عليکم اثنتان: اتباع الهوی، و طول الأمل. فأمّا اتباع الهوی فيصد عن الحق، و أما طول الأمل فينسي الآخرة».
 فالصدّ عن الحق عبارة ثانية لانقلاب المفاهيم و الموازين عند الانسان، و بتبعه يحصل الشقاء، فانّ «الشقي من انخدع لهواه و غروره» ((الخطبة: 85))
 و لذا کان(عليه السلام) ينصح معاوية و يقول له: «فنفسك نفسك، فقد بين الله لك سبيلك، ... و انّ نفسك قد أوحلتك شرّاً، و أقحمتك غياً، و أوردتك المهالك، و أوعرت عليك المسالك» ((الکتاب 30))
 3ـ حب الدنيا:
 انّ حب الدنيا من أهم أسباب انحراف الانسان و انقلاب مفاهيمه شيئاً فشيئاً رغم وضوح البينات و اتمام الحجة.
قال(عليه السلام): « أقبلوا علی جيفة قد افتضحوا بأکلها، و اصطلحوا علی حبها، و من عشق شيئاً أعشی بصره و أمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، و يسمع باذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، و أماتت الدنيا قلبه، و ولهت عليها نفسه، فهو عبد لها و لمن في يديه شيء منها حيثما زالت زال اليها، و حيثما أقبلت أقبل عليها» ((الخطبة: 108))
و بهذا الصدد يشير(عليه السلام) الی انّ السبب في انحراف البغاة و الخارجين عليه انمّا هو حب الدنيا، و يقول: «فلما نهضت بالأمر نکثت طائفة، و مرقت اخری، و فسق آخرون، کأنّهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الأرض و لا فساداً و العاقبة للمتقين» بلی و الله لقد سمعوها و وعوها، و لکنّهم حليت الدنيا في أعينهم و راقهم زبرجها» ((الخطبة: 3))
و قال(عليه السلام) في مکان آخر في ذم الدنيا و المتها لکين عليها، «قد تصافيتم علی رفض الآجل و حب العاجل، و صار دين أحدکم لعقة علی لسانه» ((الخطبة: 112)) أي انّ الظاهر هو الدين و الالتزام بالشعائر و المناسک و لکن الواقع شيء الآخر يخالف هذا الظاهر الفارغ، لم يکن هناک سوی اصطلاحات و مفاهيم مقلوبة عن واقعها ليس لها أي أثر عملي.
و قال مؤکداً لهذا المعنی ايضا: «و لکنکم نسيتم ما ذُکّرتم و أمنتم ماحذّرتم، فتاه عنکم رأيکم، و تشتّت عليکم أمرکم» ((الخطبة: 115))
و هکذا يتقدّم الانسان الی أن يخرج من طاعة الله تعالی ـ رغم تمسکه بالظواهر و المناسک ـ ليدخل في طاعة الدنيا: «و کذلك من عظمت الدنيا في عينه، و کبر موقعها من قلبه، آثرها علی الله، فانقطع اليها و صار عبداً لها» ((الخطبة: 160))
فمفهوم العبودية مع ما له من معنی شريف، يصبح فارغاً و مقلوباً ليمثّل عبودية الدنيا و الهوی و الشيطان.
لذا کان أميرالمؤمنين(عليه السلام) يحذّر دوماً من هذا المزلق الخطير و يدعو الی استقامة المفاهيم و يقول: «و سابقوا فيها الی الدار التي دعيتم اليها، و انصرفوا بقلوبکم عنها، و لا يخننّ أحدکم خنين الأمة علی ما زوي عنه منها» ((الخطبة: 173))


4ـ الفتن و الشبهات و البدع
 و من العوامل المهمة أيضاً لانقلاب المفاهيم و استحالتها، وقوع الفتن و الشبهات، قال(عليه السلام): « و الذي بعثه بالحق لتبلبلنّ بلبلة، و لتغربلن غربلة، و لتساطنّ سوط القدر، حتی يعود أسفلکم أعلاکم، و أعلاکم أسفلکم، و ليسبقنّ سابقون کانو قصّروا، و ليقصّرن سباقون کانوا سبقوا» ((الخطبة 16))
و قال(عليه السلام) ايضاً: «ثم يأتي بعد ذلک طالع الفتنة الرجوف، و القاصمة الزحوف، فتزيغ قلوب بعد استقامة، و تضلّ رجال بعد سلامة، و تختلف الأهواء عند هجومها، و تلتبس الأراء عند نجومها... قد اضطرب معقود الحبل، و عمي وجه الأمر، تغيض فيها الحکمة، و تنطق فيها الظلمة .... و تثلم منار الدين، و تنقض عقد اليقين.... و يفارق عليها الاسلام» ((الخطبة: 151))
 و يقول(عليه السلام) في بداية وقوع الفتن و اسبابها: «انمّا بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، و أحکام تبتدع يخالف فيها کتاب الله، و يتولی عليها رجال رجالاً، علی غير دين الله، فلو انّ الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف علی المرتادين، و لو انّ الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين، و لکن يؤخذ من هذا ضغث، و من هذا ضغث فيمزجان، فهنالک يستولي الشيطان علی أوليائه، و ينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنی» ((الخطبة: 50))
و کذلك الشبهة فانّها کما قال(عليه السلام): « انمّا سمّيت الشبهة شبهة لانّها تشبه الحق، فأمّا أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، و دليلهم سمت الهدی، و أما أعداء الله فدعاؤهم الضلال، و دليلهم العمی» ((الخطبة: 38))
و في کتابه(عليه السلام) لمعاوية: «فاحذر الشبهة و اشتمالها علی لبستها، فانّ الفتنة طالما أغدقت جلابيبها، و أعشت الأبصار ظلمتها» ((الکتاب: 60))
فالشبهة اذاً و الفتنة تسببان خلط الأوراق و العمی و الوقوع في التيه، و عدم القدرة علی تشخيص الحق من الباطل، و بعبارة اخری انقلاب المفاهيم.
و للبدع أيضا، قسط وافر في هذا المجال، حيث قال(عليه السلام): « ما احدثت بدعة الاّ ترک بها سنة، فاتقوا البدع و ألزموا المهيع» ((الخطبة: 145)) و قال(عليه السلام): «انّ المبتدعات المشبهات هي المهلکات» ((الخطبة: 169)).
5ـ اختلاط المفاهيم و الزيغ:
انّ الانسان الذي تختلط عليه المفاهيم بسبب الفتن والاهواء والشيطان، يزيغ ولا يتمکن من تشخيص الحق عن الباطل، و بتبعه تنقلب عنده المفاهيم و يضل، کما قال(عليه السلام): «فلو انّ الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف علی المرتادين، و لو انّ الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين» ((الخطبة: 50)) و قال(عليه السلام): « من زاغ ساءت عنده الحسنة، و حسنت عنده السيئة، و سکر سکر الضلالة » ((قصار الحکم: 27))
 و هذا هو حال مجموعة ترکت أميرالمؤمنين(عليه السلام) و لم تنصره أيام البغاة، نتيجة الزيغ و اختلاط الاوراق عندهم، حتی جاء احدهم ـ و هو الحارث بن حوط ـ الی أميرالمؤمنين(عليه السلام) و قال له: أتراني أظن أصحاب الجمل کانوا علی ضلالة فقال(عليه السلام): «يا حار انّک نظرت تحتک و لم تنظر فوقک فحرت، انّک لم تعرف الحق فتعرف من أباه، و لم تعرف الباطل فتعرف من أتاه» ((قصار الحکم: 253))
 6ـ الحکومات المنحرفة:
 للحکومة والحاکم دور مهم في استقامة الناس أو ضلالهم إذ کما قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): « اذا تغير السلطان تغير الزمان» ((الکتاب: 31)) و قال(عليه السلام): « و انمّا الناس مع الملوک و الدنيا الاّ من عصم الله» ((الخطبة: 210)) .
وذلک انّ الحکومة بما تمتلک من قوّة و مال و وسائل الاعلام بامکانها صناعة عقول الناس کيف ما شاءت، فاذا کانت صالحة فانّها ستسوق الناس نحو الصلاح، و بخلافه لو کانت فاسدة، إذ انّها تخلط الأوراق و تقلب المفاهيم و تغير المنظومة الفکرية و المعرفية لدی الانسان و قال(عليه السلام): « انّ شر الناس عندالله امام جائر ضَلّ و ضُلّ به، فأمات سنة مأخوذة، و أحيا بدعة متروکة» ((الخطبة: 164))
و هذا هو الهاجس المهم عند الأنبياء و الأولياء من تولّي الظالمين لدفة الحکم، قال(عليه السلام) بالنسبة الی موسی(عليه السلام)، « لم يوجس موسی خيفة علی نفسه، أشفق من غلبة الجهّال و دول الضلال» ((الخطبة: 4))
وکان يقول(عليه السلام)في توجسه من غلبة بني امية: «ألا و انّ أخوف الفتن عندي عليکم فتنة بني امية، فانّها فتنة عمياء مظلمة، عمت خطتها، و خصت بليتها» ((الخطبة: 92))
و قال(عليه السلام)فيها أيضاً: «و الله لا يزالون حتی لايدعولله محرّماً الاّ استحلّوه، و لا عقداً الاّ حلّوه، ... و حتی يقوم الباکيان يبکيان: باك يبکي لدينه، و باك يبکي لدنياه...» ((الخطبة: 97))
و قال(عليه السلام) في سبب کثرة توبيخه و استنهاضه المسلمين: «و لکنني آسی أن يلي أمر هذه الامة سفهاؤها و فجارها... فولا ذلك لما أکثرت تأليبکم و جمعکم و تحريضکم، و لترکتکم إذ أبيتم و ونيتم» ((الکتاب: 62))
 فهو(عليه السلام) يعلم بخطورة الموقف، و ما يعمله الحاکم المنحرف من اللعب بعقول الناس و استحالة مفاهيمهم و معارفهم، و لذا يعرّض بالحکومات التي سبقته و يقول: « فمني الناس ـ لعمر الله ـ بخبط و شماس و تلوّن و اعتراض» ((الخطبة: 3)) و عند ما هجم عليه المسلمون ليبايعوه بعد مقتل عثمان قال: «دعوني و التمسوا غيري، فانّا مستقبلون أمراً له وجوه و ألوان، لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول، و انّ الآفاق قد أغامت، و المحجة قد تنکّرت» ((الخطبة 91))
فنحن نتساءل: لماذا لاتقوم القلوب و لا تثبت العقول لما يريد أن يصنعه أميرالمؤمنين(عليه السلام) هل هو يريد أن يغير الدين و الشريعة حتی لا تستقيم له الناس؟! ام انّ هناك شيء آخر، و هو التلاعب الذي حصل جرّاء حکم السابقين بالمنظومة الفکرية و المعرفية لدی المسلمين بحيث انقلبت المفاهيم الصحيحة الی ضدّها و لا يستطيع عدل القرآن أن يغيرها إذ انّ الآفاق قد أغامت و المحجة تنکرت، و الافاق هي آفاق عقول الناس أغامتها الشبهة و الفتنة فانقلبت رأساً علی عقب.
وقال(عليه السلام) أيضا: «و کانت امور الله عليکم ترد و عنکم تصدر، و اليکم ترجع، فمکنّتم الظلمة من منزلتکم، و ألقيتم اليهم أزمتکم، و أسلمتم امور الله في أيديهم يعملون بالشبهات، و يسيرون في الشهوات» ((الخطبة: 105))
 و لذا قام(عليه السلام) بعملية اصلاحية کبری لتقويم المفاهيم و ارجاعها الی نصابها الأول و قال لهم: «فان أطعتموني فانّي حاملکم إن شاء الله علی سبيل الجنة، و إن کان ذامشقة شديدة و مذاقة مريرة» ((الخطبة: 156))
 و کان يقول(عليه السلام) : « اللهم انّك تعلم انّه لم يکن الذي کان منّا منافسة في سلطان، و لا التماس شيء من فضول الحطام، و لکن لنرد المعالم من دينك و نظهر الاصلاح في بلادك» ((الخطبة: 131))
 و قال(عليه السلام): « و ما أردت الاّ الاصلاح ما استطعت و ما توفيقي الاّ بالله عليه توکلت» ((الکتاب: 28))
 و هناك نموذج آخر يذکره أميرالمؤمنين(عليه السلام) لدور الحکومة المنحرفة في انقلاب المفاهيم، و هي حکومة معاوية، قال(عليه السلام): « ألا انّ معاوية قاد لمّة من الغواة و عمّس عليهم الخبر، حتی جعلوا نحورهم أغراض المنية» ((الخطبة: 51)) و قال(عليه السلام) في أهل الشام و جهلهم و مدی استحالة المفاهيم عندهم بسبب تضليل معاوية: «و أقرب بقوم من الجهل بالله قائدهم معاوية و مؤدّبهم ابن النابغة» ((الخطبة: 180))
 7ـ علماء السوء:
لعلماء السوء دور بالغ الأهمية في استحالة المفاهيم عند الناس، إذ انّ الانسان بحسب فطرته يرجع فيما لا علم له الی من يعلم، فالناس بالنسبة الی امور دينهم يرجعون الی العلماء ليأخذوا منهم معالم دينهم، فلوکان العالم منحرفاً، لم تنتج هذه المراجعة سوی الانحراف و الضلال.
 قال أميرالمؤمنين(عليه السلام) في دور علماء السوء من أهل الشام أيام معاوية: «و ألّب عالمکم جاهلکم» ((الکتاب: 55))
     وقال(عليه السلام): في علماء السوء عموماً: «انّ أبغض الخلائق الی الله تعالی رجلان: رجل وکله الله الی نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بکلام بدعة و دعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدی من کان قبله، مضلّ لمن اقتدی به في حياته و بعد وفاته...» ((الخطبة: 17))
و قال(عليه السلام) أيضا: «و آخر قدتسمّی عالماً و ليس به، فاقتبس جهائل من جهّال، و أضاليل من ضلاّل، و نصب للناس أشراکاً من حبال غرور، و قول زور، قد حمل الکتاب علی آرائه، و عطف الحق علی أهوائه، يؤمّن من العظائم و يهوّن من الجرائم، يقول: أقف عند الشبهات و فيها وقع، و يقول: أعتزال البدع و بينها اضطجع، فالصورة صورة انسان و القلب قلب حيوان، لايعرف باب الهدی فيتبعه، و لاباب العمی فيصدّ عنه، فذلک ميت الأحياء» ((الخطبة: 86))
 و قال(عليه السلام): « رجل منافق مظهر للايمان، متصنع بالاسلام، لايتأثمّ و لا يتحرّج، يکذب علی رسول الله ~ متعمداً، فلوعلم الناس انّه منافق کاذب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوا قوله». ((الخطبة: 210))

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/03/10



كتابة تعليق لموضوع : انقلاب المفاهيم دراسة على ضوء نهج البلاغة ( 1 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net