صفحة الكاتب : ماجد عبد الحميد الكعبي

النحو العربي بين التاريخ وشواذ القاعدة
ماجد عبد الحميد الكعبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ان هذا العصر وهذه الظروف المناسبة التي يعيشها القارئ اليوم للنظر في كل شيء وتامله بدقة وعناية تعطي فسحة من الحرية الحقيقية للتفكير الحر في كثير من القضايا التراثية التي تراكمت على جوهرها طبقات من قشور سوء الفهم ، فغطته بفعلها غير الواعي الذي كان في معظم الاحيان فعلا مؤدلجلا ، فالادلجة قد مارست سطوتها في تزييف المعرفة والثقافة واصبغتها بالوان جميلة اخفت قبحا كبيرا ..
 
   عندما كنا طلابا في ثمانينات القرن الماضي وحين نقرا بعض المسائل المعقدة وغير المفهومة في كتاب شرح ابن عقيل ، نسال بعض اساتذتنا عن تلك القضايا النحوية ، فكانت الاجابة : هكذا تكلم العرب ! لكن استاذة منهم وهي الدكتورة خولة تقي الدين الهلالي ، كانت تقول : هذا ترف عقلي ، وفهمت منها انها غير راضية عن طرائق تدريس اللغة ، بل كانت ترى : عدم جدوى تلك الاساليب التي لا تثمر عن شي سوى التكرار والاجترار ..
 
  اما اليوم فقد اكتشفنا اننا نعيش في ثقافة الزيف وان الترف العقلي كان خدعة يتسلى فيها الاجداد اوقات فراغهم ، والذي كان منهم ذكيا استغل اللعبة وجعلها مهنة يعتاش منها ،  كيف لا .. وهو مؤدب ابن الخليفة ..
 
  لقد كنا نحفظ الشواهد الشعرية على انها المعيارالذي يثبت صدق القاعدة ، وما علمنا ان هذا الشاهد كان مصنوعا وفي احسن ظروف حسن الظن يكون لغة شاذة لم يتكلم بها الا نفر قليل من الذين يسكنون الفيافي من الاعراب ، وخدعنا مرة اخرى ، لكن الخداع لن يطول ..
 
  ولنضرب امثلة على ذلك من شرح ابن عقيل : في هذا الشرح نجد بعض الجمل المكررة تاتي لصيقة مع الشواهد الشعرية مثل : قال احدهم ، وقال بعض الشعراء ، وقوله ، ومنه قولهم ،وما اكثر ورود ( وقال: اخر ) واذا اردنا ان نعرف من هذا الاخر ، اخبرنا الشارح رحمه الله : بان هذا البيت لم تعرف نسبته الى احد !! او 
 
ان هذا البيت لم نقف على نسبته لقائل معين !!   
 
    هل يعقل اننا ناخذ القاعدة من بيت شعري لم يعرف قائله ؟ ونخالف بذلك قاعدة ذهبية تقول : ان قواعد اللغات تستنبط من لغة الناس المتداولة بينهم ،  
 
ولناخذ مثالا اخر من شرح ابن عقيل الجزء الثالث في  الصفحة السابعة : (( ومذهب سيبويه انها من حروف الجر ، لكن لا تجر الا المضمر ، فنقول : لولاي ، ولولاك ، ولولاه ، فالياء والكاف والهاء - عند سيبويه – مجرورات ب ( لولا ) وزعم الاخفش ( تلميذ سيبويه وهو الذي اخفى الكتاب ثم اخرجه بعد ذلك ) انها في موضع رفع بالابتداء ، ووضع ضميرالجر موضع الرفع ، فلم تعمل ( لولا) فيها شيئا ، كما لا تعمل في الظاهر ، نحو ( لولا زيد لأتيتك) وزعم المبرد : ان هذا التركيب – اعني : (لولاك) ونحوه لم يرد من لسان العرب !! ..
 
  كلهم يزعمون ولا ندري اين الحقيقة ؟؟ .. الحقيقة ( النسبية التي يراها النحوي) يتبناه ابن عقيل الذي رد على المبرد بقوله : ( وهو محجوج بثبوت ذلك عنهم ) ، كقوله :
 
-         اتطمع فينا من اراق دماءنا   ولولاك لم يعرض لا حسابنا حسن ؟؟
 
لاحظ اخي القارئ الكريم : اربعة من النحاة العتاة لم يتفقوا على مسالة نحوية واحدة وثلاثة منهم من مدرسة واحدة هي مدرسة البصرة ، واختلفوا اختلافا شديد ، حتى زعم المبرد انها لم تكن واردة عن لسان العرب ، فرد عليه ابن عقيـــــل ببيت لعمرو بن العاص مخاطبا معاوية بن ابي سفيان في شان الحسن ( ع) ، وقد ذكر الشارح بيتا اخر جاء قبله :
 
-         معاوي اني لم ابايعك (فلتة)!            ومازال ما اسررت مني كما علن
 
  ثم ذكر ابن عقيل مثالا اخر على ورودها على لسان العرب وهو قول يزيد بن الحكم بن ابي العاص :
 
-         وكم موطن لولاي طحت كما هوى   باجرامه من قنة النيق منهوي 
 
وهذه اذن هي  ( لغة آل  العاص !) التي لم ينتبه اليها المبرد البصري !..
 
ومن المسائل النحوية المصنوعة لغرض غير علمي ، قضية دخول الكاف بوصفها حرف جر يدخل على الضمائر، فجاءت امثلتهم المصنوعة لتعبر عن ضمائر غير عربية بل اعجمية لم تعتدها الاذن ، كما في قول رؤبة بن العجاج :
 
-         ولا ترى بعلا ولا حلائلا          (كه) ولا ( كهن) الا حاظلا
 
وذكر محقق الشرح ابياتا نظير هذا القول تفصح عن الصنعة التي اتخذها النحاة حرفة لهم ، فقال : (( ونظير هذا الشاهد قول ابي محمد اليزيدي اللغوي معلم المامون بن الرشيد )) ، وقد ذكر السيرافي  عنه ايضا : (( وكان مؤدب المامون والكسائي مؤدب اخيه الامين ، وبينه وبين الكسائي معارضة شديدة بسبب تاديبهما الاخوين)) 
 
 ويبدو ان الخلاف بينهما كان ( حسد عيشة ) ادى الى خلافات نحوية بين مدرستين كبيرتين : البصرة والكوفة ، فاليزيدي بصري والكسائي كوفي ، واظن انهما مسؤولان عن الخلاف النحوي الذي دب بين الامين والمامون فاستمر معهما ليتحول الى خلاف  عقائدي وصراع على السلطة !!!
 
قال اللغوي اليزيدي البصري:
 
-         شكوتم الينا مجانينكم           ونشكو اليكم مجانيننا
 
-         فلولا المعافاة كنا( كهم)          ولولا البلاء لكانوا( كنا)
 
وشفع المحقق هذين البيتين بقول الاخر !:
 
-         لا تلمني فنني (كك) فيها    اننا في الملام مشتركان
 
ولننظر الى هذه اللغة اذا كانت عربية ام رطانة هندية : (كه ، كهن ، كهم ، كنا ، كك ) !
 
ان الامثلة على القواعد المصنوعة والشاذة كثيرة جدا ، ونضيف الى ذلك بعضا منها للدلالة على ان النحو العربي كان يعيش في مشاكل حقيقية تظهر مدى الارباك الثقافي والمعرفي الذي انتجها ..
 
  ان حروف الجر في العربية يعرفها العالم والجاهل ،فهل هناك حاجة لاضافة (لعل ومتى ) لها ، بحجة ان الجر بـ ( لعل) لغة عقيل والجر بـ ( متى ) لغة هذيل ؟
 
اين عقيل وهذيل الان ؟ انهما في ذمة التاريخ .. فالشواهد :
 
-         لعل ابي المغوار منك قريب
 
-         لعل الله فضلكم علينا                بشي ان امـــــكم شريم
 
-         شربن بماء البحر ثم ترفعت   متى لجج خضر لهن نئيج
 
 لابد من رفعها هي وامثالها من كتب القواعد وعزلها بكتاب يدعى : (تاريخ النحو ) يمكن الرجوع اليه عند الحاجة مثل رجوعنا الى المعجم ، وكفى الله الدارسين شر الشواذ 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ماجد عبد الحميد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/25



كتابة تعليق لموضوع : النحو العربي بين التاريخ وشواذ القاعدة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net