صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

دعوة لوقف تداعيات مقتل الشهيد محمد بديوي الشمري
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يبدو أن العراقيين لم تكفهم ما لديهم من أزمات متراكمة تكاد تهد الجبال، فيصرون على خلق المزيد منها وبمختلف الوسائل والمستويات. فكل أزمة جديدة تفتح باباً لأفعال وردود أفعال أشبه بتسلسل التفاعل الكيمياوي chain reactions)). وآخر هذه الأزمات، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، هي مقتل الصحفي، ومدير مكتب اذاعة العراق الحر، والأكاديمي في جامعة المستنصرية ببغداد، الدكتور محمد بديوي الشمري الذي قتل بنيران ضابط في الفوج الرئاسي في منطقة الجادرية وسط بغداد في وضح النهار وأمام الأشهاد، على أثر مخالفة مرورية أدت إلى مشادة كلامية بين الضحية ومجموعة تابعة للفوج الرئاسي التابع للبيشمركة، انتهت بإطلاق الرصاص عليه وقتله بدم بارد.

لا نريد أن نعمم هذه الحادثة المأساوية للخروج بقوانين عامة نطبقها على العراقيين بأنهم يميلون إلى العنف أكثر من غيرهم من الشعوب الأخرى، ولكن يصح القول أيضاً أن هذه الجريمة هي ليست فريدة من نوعها، بل تتكرر في جميع أنحاء العراق وبأشكال مختلفة، وحتى بين أفراد العائلة الواحدة. لذلك أعتقد أن هذه الجريمة البشعة تكشف لنا عن مدى شحنة الغضب والاحتقان لدى العراقيين بحيث صار إطلاق الرصاص على الآخر في مقدمة الوسائل لحل أتفه الخلافات مثل حادثة مرورية. ولا نغالي إذا قلنا أن هذه الحادثة وآلاف غيرها نتاج التركة الأخلاقية الكارثية التي ورثها العراق من العهد البعثي الساقط. نعم سقط النظام البعثي الصدامي ولكن آثاره النفسية والاجتماعية والأخلاقية المدمرة ستبقى مع هذا الشعب إلى أجل غير معلوم.

والمؤسف أن هذه الحادثة وفرت الفرصة للعديد من الكتاب والسياسيين الذين يستغلون هذه المناسبات للتصيد بالماء العكر للهجوم على النظام الجديد. فهناك من استغل الحادثة أن القاتل كردي والمغدور عربي، لإشعال الفتنة بين القوميتين، وكأن الجريمة أرتكبها الشعب الكردي ضد العرب في العراق وليس تصرف شخصي أرعن. ومن هنا فقد برزت النزعة القومية الشوفينية لدى البعض من الطرفين ليزيدوا النار اشتعالاً. 

وكمثال، فقد بعث لي صديق كردي عزيز، مقالة لكاتب محسوب على الكرد، و مصاب بهوس العداء ضد رئيس الوزراء السيد نوري المالكي إلى حد أن تحوَّلَ هذا العداء من اختلاف أيديولوجي إلى عداء شخصي بحيث صار كل ما يفعله رئيس الوزراء ويصرح به في أي مجال هو جريمة كبرى في نظره، وبذلك يحاول هذا الكاتب وأمثاله تحويل الأنظار عن الجريمة الحقيقية وتكريسها على المالكي وكأنه هو الذي قام بالجريمة. فالكاتب يستكثر على رئيس الوزراء الحضور إلى مكان الحادث فيقول: ((لم نرى السيد المالكي حريصا على الدم العراقي إلا اليوم حيث انتظره الجميع ليرفع جثّة الشهيد المغدور بيديه "الكريمتين" كدعاية انتخابية ويا ليته لو اكتفى بذلك، بل رأيناه منفعلا ليضيف الى طائفيته وعشائريته، بداوته بأبشع صورها متناسيا انه على رأس اعلى سلطة تنفيذية بالبلاد ليقول "الدم بالدم")).

فمن يتابع كتابات هذا الكاتب وأمثاله من أدعياء التقدمية والديمقراطية والعلمانية، يرى أن كل ما يفعله ويقوله المالكي يرقى إلى الجريمة في نظرهم. فإن حضر موقع الجريمة خطأ، وإن لم يحضر فهو خطأ ايضاً. وإن وقعت جريمة إرهابية سرعان ما انتقدوا الحكومة واتهموها بالضعف وعدم القدرة على حماية أرواح الناس، وإن حاربت الإرهاب، دافعوا عن الإرهابيين وصوروا العملية بأنها صراع بين شعب محروم من حقوقه المشروعة وبين جيش المالكي الصفوي!!! حتى أدى موقفهم المخزي هذا إلى وقوفهم إلى جانب القاعدة، وداعش الذين هم من فلول البعث.

ولذلك فهم ضد المالكي في جميع الأحوال حتى رد أحد القراء (السيد علاء جاسم محمد) على صاحب المقال حيث شبه موقفه وأمثاله من المالكي بحكاية جحى، والتي مفادها أن جحى اشترى حماراً وكان بصحبته ابنه فركب هو ومشى ابنه فقالوا له: كيف تركب وابنك الصغير يمشي.. فمشى هو وركب ابنه الحمار فقالوا له: كيف تمشي وأنت رجل كبير وابنك يركب. فركب الاثنان، فقالوا: كيف تركبان على الحمار المسكين فنزل هو وابنه ومشيا معا فقالوا: لمن اشتريت الحمار وانت وابنك تمشيان.." إلى آخر الحكاية الشعبية المعروفة ذات دلالة، فرضاء الناس غاية لا تدرك، وخاصة في العراق.

لا شك أن الجريمة بشعة، وهي تختلف عن بقية الجرائم التي يرتكبها الإرهابيون، لأن الإرهاب يرتكبه أشخاص مجهولون وغير منظورين، رغم معرفة الجميع بأسماء تنظيماتهم ومن يدعمهم بالمال والسلاح والإعلام. ولكن، لا يمكن تبرير أية جريمة لأن جرائم كثيرة وقعت بحق الشعب العراقي في العهد الصدام، و بعده سقوطه، وهي جرائم يرتكبها الإرهابيون من فلول البعث والقاعدة، لأن جريمة قتل الشهيد محمد بديوي الشمري ارتكبها أناس معروفون وهم من تنظيم عسكري (بيشمركة) محسوب على جهة رئيسية مشاركة في السلطة، وهم من حماية رئيس الجمهورية، والمفروض بهم حماية أرواح الناس وممتلكاتهم من الإرهاب لا الاعتداء على مواطن بريء بضربه وطرحه الأرض ليأتي نقيب عسكري فيطلق الرصاص على رأسه بدم بارد. هل حياة العراقيين رخيصة إلى هذا الحد بحيث يمكن قتله لأتفه الأسباب وكأن شيئاً لم يكن؟ وإذا ما حاول رئيس السلطة التنفيذية أن يحضر مكان الجريمة، وهو معرض للقتل من قبل الإرهابيين أكثر من أي شخص آخر في العراق، وصفوا حضوره وتصريحاته بالبداوة والعشائرية والطائفية ومن أجل الدعاية الانتخابية؟ 

 

فكل ما قاله رئيس الوزراء في هذا الخصوص أنه يجب تسليم القاتل ليحاسب أمام القضاء وينال جزاءه العادل. وما الخطأ في ذلك؟ أما قوله (الدم بالدم) الذي وصف بالبداوة والطائفية، وبسببها يحاول عدد من الكتاب والسياسيين حرف الأنظار عن الجريمة الحقيقية وتركيزها على هاتين الكلمتين تفوه بهما رئيس الوزراء تحت ضغط وهو في جو متوتر ومشحون بالغضب الجماهيري. فهو لم يخترع هذا التعبير، بل هو مبدأ قانوني وارد في القوانين السماوية (النفس بالنفس)، (ولكم في القصاص حياة)، وكذلك في القوانين الوضعية الجزائية، حيث أقر القانون العراقي الجنائي حكم الإعدام لمن قتل إنساناً بريئاً. وفي جميع الأحوال، فالأمر متروك للقضاء ليصدر حكمه العادل. ينكر هؤلاء أن حضور المالكي إلى مكان الحادث وما قاله وأمر بإلقاء القبض على القاتل فد أنقذ موقفاً كان مشحوناً بالتوتر ويهدد بالصدام المسلح بين فوج الحرس الرئاسي (البيشمركة) وعشيرة المغدور (شمر) التي حضرت المكان ورفضت نقل الجثة إلا بعد إلقاء القبض على الجاني. وهذا ما حصل. 

كما وقد حاول البعض تهويل المأساة وكأنها قتال كردي - عربي، وآخر اعتبرها "حادث صغير". ففي الوقت الذي نحذر من التهويل كذلك نحذر من تتفيه الحادث والاستهانة بأرواح الناس، إذ كما علق أحد الأصدقاء على هذه الجريمة: "أنها بشعة يندى لها جبين الكرد و كل المدافعين عن قضيتهم وكل من يتمنى خيراً لهم ....أنها الكفر بعينه ... هذا يتطلب التدخل الفوري والحازم من اقليم كردستان قبل الدولة المركزية لإدانة هذه الجريمة البشعة لأن مسؤوليتها الأخلاقية والمبدئية تلزمها بذلك وإلا ستوضع بالتساوي في خانة المليشيات والعصابات المستهترة السابقة واللاحقة و يجب عليها تسليم المجرم للقضاء وتعويض عائلة الفقيد والحق العام بما يناسب الحدث وإعلان ذلك على الملأ.." 

وفي نفس الوقت يجب عدم تحميل الجريمة على الكرد كقومية، وحسناً قالت كتلة إئتلاف دولة القانون عن الجريمة (أنها لا تحمل ابعادا قومية). كما سارع السيد فؤاد معصوم رئيس كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان، المعروف بالعقل والحكمة، إلى احتواء الأزمة أكد في تصريح له أن "الجريمة فردية ولن تنعكس على طبيعة العلاقات الوثيقة بين العرب والكرد كقوميتين في بلد واحد، والقانون هو الفيصل في الأمر".

خلاصة القول، إن قتل أي إنسان بريء، وبهذه البشاعة على أيدي مسؤولين عن حماية أرواح الناس، تعتبر جريمة لا تغتفر و لا يمكن تبريرها ولا الدفاع عنها وتحت أية واجهة. 

عزاؤنا الحار لعائلة الشهيد الدكتور محمد بديوي الشمري، ولكافة ذويه وأصدقائه وتلامذته، وله الذكر الطيب.

ولتكن هذه المناسبة الأليمة فرصة لوحدة الصف بين القوى السياسية الخيرة لمواجهة العدو الأكبر الإرهاب والفساد، ومن أجل وقف النزيف، وإسكات الأصوات النشاز التي لا هم لها سوى صب الزيت على نيران الفتنة.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ 

ـــــــــــــــــــــــــ

روابط ذو علاقة بالموضوع

فيديو وتقارير.. مقتل مدير مكتب اذاعة العراق الحر بنيران ضابط بالفوج الرئاسي في الجادرية

http://alakhbaar.org/home/2014/3/165037.html 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/03/27



كتابة تعليق لموضوع : دعوة لوقف تداعيات مقتل الشهيد محمد بديوي الشمري
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net