صفحة الكاتب : سلمان عبد الاعلى

ليبراليون بلا ليبرالية
سلمان عبد الاعلى

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


          لا أريد أن أتحدث في هذا المقال عن الليبرالية، من حيث تاريخها ومبادئها ومرتكزاتها، ولا أريد كذلك أن أبدي تأييداً أو معارضة لها، فهذا موضوع آخر، وإنما أريد فقط أن أتحدث حول بعض الليبراليون أو دعاة الليبرالية في وطننا العربي، من حيث صدق انتسابهم لها أو صحة نسبتهم إليها.

          فالكثير من المفكرون والكتاب العرب يدعي بأنه ليبرالي، ويُكثر من الحديث عن قيم ومبادئ الليبرالية، من الحرية والتعددية وحقوق الإنسان وغيرها، ولكنه أحياناً ينسى بأنه ليبرالي -كما يدعي- ويتغافل (وليس يغفل) عن هذه القيم والمبادئ لغاية في نفسه !
          فلقد أثبتت الأحداث الأخيرة الجارية في البحرين زيف الكثير من دعاة الليبرالية والمروجون لها، فالحرية –والتي منها حرية التعبير عن الرأي- التي كانوا بالأمس القريب يدعون لها أصبحوا اليوم يحاربونها بحجة المحافظة على الأمن، وحقوق الإنسان التي كانوا حريصين على عدم تجاوزها, أصبحوا اليوم حريصين على هتكها بحجة محاربتهم للمخربين والعابثين، والتعددية والانفتاح على الآخر الذين كانوا ينظرون لها في كتاباتهم وخطاباتهم أصبحوا من المحاربين لها بحجة محاربتهم للطائفية، وهكذا انقلبوا رأساً على عقب بشكل مفجع.

          أجل، لقد انتكس هؤلاء على أعقابهم انتكاسات رهيبة، ونسوا ما كانوا يروجون له من تعاليم ليبرالية، إذ تركوا ليبراليتهم تحتضر على أبواب البحرين دون محاولة منهم لإنقاذها، فلقد أصبحوا لا يختلفون عن رجال الدين السلفيين المتزمتين إلا في الشكل والمظهر فقط، حيث أنهم وقفوا من قضية البحرين نفس ما وقف أولئك، وأبدو نفس الشدة والمنطق في تعاملهم معها، وذلك لأن قضية البحرين تخص جماعة من الشيعة، والشيعة لا يحق لهم أن يطالبوا بحقوقهم، وإن حدث وطالبوا بها فإنهم سيصبحون طائفيون لا محالة كما حصل في البحرين، ولهذا فلا حرية للشيعة ولا دعوة لقبول التعددية لمذهبهم، ولا حقوق إنسان لأفرادهم (أي لا ليبرالية معهم حتى ولو كنت ليبرالياً)، كما هو موقف بعض دعاة الليبرالية العرب. 
          في السابق كان الليبراليون العرب يخوضون حروباً ضارية مع السلفيين المتزمتين، لأنهم لا يقبلون بالحرية ولا بالتعددية، ولأن عقولهم متحجرة ومتعصبة كما كان يقول بعضهم، أما اليوم فبعض هؤلاء الليبراليون نراه يمشي مع هؤلاء بل خلفهم، لأنهم ضد الطائفية طبعاً، ولا أدري هل الحرية والقبول بالتعددية وحقوق الإنسان هو أمر جيد ويفترض أن يعطى لكل الناس أم أن هناك استثناء لبعض الفئات ومنهم الشيعة؟! أم أنه لا يوجد استثناء، غير أن الشيعة مشكوك في كونهم بشراً، وإذا كانوا كذلك فلا يحق لهم أن يطالبوا بحقوق هي حقوق للبشر خاصة. أليست لهم خصائص جسدية تختلف عن الآخرين (أذناب كالحيوانات) كما يعتقد ويتصور أصحاب الأذهان المقفلة؟ !

          على كل حال، إن من تابع بعض الكتابات في بعض الصحف العربية في الأيام الماضية، يرى كيف أن الكثير من الكتاب أخذ يحرض على الشيعة ويحذر من خطرهم ومن شر مخططاتهم (الصفوية، المجوسية، ...)، التي هي كما يصفها مخططات ضد الإسلام، وضد العرب والعروبة. . وكل ذلك طبعاً محاربةً منه للطائفية، ولكن هل يصح أن تواجه الطائفية بطائفية ضدها (مثلها أو مشابهة لها) كما يفعل هؤلاء؟ !
          ما أريد قوله هنا: إن ما يقوم به بعض الكتاب الليبراليون من كتابات تحريضية ضد الشيعة بحجة محاربة الطائفية، هو في حقيقته ترويج للطائفية وليس محاربةً لها، فالطائفية لا تحارب بهذه الطريقة التي تؤدي لزيادة التعصب والكره والحقد والاصطفاف المذهبي، لأن هذا يغذي الطائفية ويشجعها بدلاً من مقاومتها ومحاربتها، كما أن هذا الفعل يتنافى أصلاً مع مبادئ الليبرالية التي ترفض مثل هذه التصرفات.

          ولعل قائل يقول: إن ما يقوم به بعض الليبراليون هذه الأيام أمر طبيعي جداً، فكل البشر -إلا ما رحم ربي- يناقضون أنفسهم بأنفسهم، فهم يقولون شيئاً ولكنهم يفعلون شيئاً آخر، وهذه المشكلة تعاني منها كافة التيارات الفكرية، سواءً كانت دينية أو غير دينية، فلماذا التركيز على الليبراليين؟! 
          وهذا الكلام في مجمله صحيح وأنا أتفق معه، غير أن هناك فرق ينبغي أن نلتفت إليه، فصحيح أن الناس يخالفون أحياناً مبادئهم بسلوكياتهم، إلا أن هذا عادةً ما يكون في قضايا جزئية وفرعية، فمثلاً لو خالف أحد المسلمون أحد التعاليم الإسلامية الفرعية فإنه يبقى مسلماً ولا يخرج عن دائرة الإسلام، ولكنه لو خالف أحد الأصول الإسلامية الثابتة بصراحة وبقصد كالتوحيد والنبوة، فإنه حينها سيخرج عن الإسلام ولا يصح بعدها نسبته إليه.

          ونفس الأمر ينطبق على التيارات الفكرية الأخرى، والتي منها الليبرالية فلو خالف أحد منهم مبادئها وأصولها الرئيسية فهل يبقى حينها ليبرالياً؟! 
          بالطبع لا، ولذلك نقول: بأن بعض الليبراليون تخلوا عن ليبراليتهم في أحداث البحرين الأخيرة، فنحن لو سألناهم عن ما هي الليبرالية؟ لأجابونا بأنها تعني الحرية والقبول بالتعددية وغيرها من المرتكزات والمبادئ التي خالفوها بأنفسهم في هذه القضية.

          ومن هنا نقول لهؤلاء الليبراليون: حافظوا على ليبراليتكم إذا كنتم تريدونها وحريصين عليها، لأن من يترك أصلاً من أصولها كما فعلتم في قضية البحرين -من محاربتكم للحرية ومخالفتكم للتعددية ولحقوق الإنسان- فإن نسبته لليبرالية يصبح أمراً مشكوكاً فيه.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سلمان عبد الاعلى
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/29



كتابة تعليق لموضوع : ليبراليون بلا ليبرالية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net