صفحة الكاتب : محمد الحمّار

الأحزاب الإسلامية اختراع امبريالي لتلهية تونس ومصر عن غزو ليبيا
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كانت وما تزال الأحزاب الإسلامية، من حيث لا يشعر مؤسسوها وأتباعها، لعبة في أيدي قادة الرأي الامبرياليين. إمّا أنها مقهورة ومحظورة في بلدانها (تونس قبل الثورة) فيخدم الحظرُ الصراعَ المفتعل حول الهوية. وإمّا أنه مرْضيّ عنها ومُرخصٌ لها بالنشاط العلني في بلدانها فيُكرّس الرضا والترخيصُ الانشقاقَ والانقسامَ. 

والغريب في الأمر أنّ، بالرغم من أنّ الحظر والترخيص حُكمان متضاربان، إلا أنّ كلاهما يلتقي مع الآخر بل ويتوافق معه حول الركيزة نفسها: الهوية. وهذا يلفت النظر إلى أنّ التآمر بواسطة الأحزاب الإسلامية أمرٌ واردٌ جدا، وبأنه يستخدم الهوية كشماعة لتمرير ما لا تُحمد عقباه.

 لكن قد يقول قائل: قد سمعنا مثل هذا الكلام قبل الثورة. بالتأكيد، لكن كان ذلك في عهد النظام البائد وقد تمّ بنِيّة توظيفه لفائدة مَن يقاومون الدين بالأساس (الأطياف التي انطلت عليها "حيلة الهوية"). أمّا طرحنا في هذه الورقة فيرمي إلى تخليص الفكر الديني الإنساني من أية سلطة توَجهه نحو أهداف خاطئة لا تخدم الصالح الوطني والإقليمي والعربي الإسلامي والعالمي الذي ننشده. 

وأول ما يتبادر للذهن، لمّا نؤمن بأنّ التخطيط الامبريالي واردٌ، وذلك بواسطة استغلال عامل الهوية وبواسطة توظيف الأحزاب السياسية من أجل تمرير السموم إلى عقول المؤمنين، أن ليست لنا مشكلة مع الهوية. لكن حذار، فمشكلتنا موجودة، ألا وهي غياب الاستطاعة الفردية والجماعية على رؤية قضايانا المصيرية بكل حرية. وبما أن حريتنا في هويتنا (مثلما عقلنا في ديننا)، فالمشكلة تزداد تعقيدا وتصبح متمثلة في غياب حرية التعبير، بكل آليات التعبير المندمجة، بما فيها الهوية، عن طموحاتنا إزاء قضايانا المصيرية. 

وهل أفضل من المبدأ البيداغوجي (الألسني بالأساس) القائل بـ"تعلم المادة من خلال إنجاز عمل"(1) ؟ وهل هنالك أوكد من تطبيق هذا المبدأ من أجل تجسيد "مادة" الهوية في الواقع الجديد (للثورة)؟ وهل هنالك، الآن وهنا، خيار لـ"عمل" ينبغي إنجازه لتجسيد "مادة" الهوية أجدى من العمل على مقاومة التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، ناهيك أنه شأن خصوصي، مغاربي وعربي إسلامي، قبل أن يكون شأنا عالميا؟ وهل نحن أمة في الرقاب حتى ندع الآخر يُنصّب نفسه وصيا علينا أم أننا ارتقينا بعدُ إلى العالمية فأضحى يحقّ علينا الاضطلاع بمشاكلنا وبمسؤولياتنا كاملة، وذلك من بين أشياء أخرى، بتوجيه الفكر العالمي المهيمن إلى حيث مصالحنا الإستراتيجية؟ ألسنا بقادرين على إعادة توجيه ما تمّ توجيهه بمعزل عن إرادتنا؟

ما من شك في أن الهوية العربية الإسلامية أصبحت عالمية وذلك بقوة قانون الثورة. ولنأخذ نموذجا مندمجا لدليل قاطع على ذلك، مُستقًى من المواقف التي يتخذها الفكر العالمي المهيمن إزاء هذه الهوية، ومن كتاباتٍ ومقولات حول المكائد المُحبَكة من أجل ابتزازها أو قيادة سفينتها بِما لا يشتهي رُبانها لتكريس الفرقة وبالتالي تلهية الرأي العام العربي عن حقيقة ما يجري في أراضينا. ويتمثل الدليل الأدبي في مقالةٍ و فيديو. كما يُردف بقوة الواقع بالدليل التاريخي المتمثل في التدخل الامبريالي الاستقوائي في ليبيا.

لمّا قرأت في الأسابيع الأولى من الثورة على موقع فايسبوك مقالة متداولة عنوانها "واشنطن أمام غضب الشعب التونسي" (2) تنطوي على معلومات عجيبة مفادها أنّ الأمريكان استولوا على فكرة الانتفاضة الشعبية لدينا منذ كانت في طورها الجنيني فدعموها بصفة غير مباشرة وبطريقة متقدمة جدا، استسغتُ الاحتمال لكن بنسبة ضئيلة نظرا لأني مؤمن بالانتفاضة وبأصالتها أو على الأقل بلزوم مثل تلك العقيدة لضمان استدامة الثورة رغم كيد الكائدين.

وقبل أيام شاهدت فيديو تداولها متصفحو الفايسبوك تنطوي على رأي خبير روسي(3) حول الثورة العربية يقول فيه إنه "منهارٌ" أمام حالة الإغماء أوالسُّبات السياسي الذي يوجدٌ فيه العرب. وبالرغم أني أرفض تصديق المتكلم بصفة لامشروطة، إلاّ أني أعتبر أنّ تصريحات مثل هذه من شأنها أن تضع النخب العربية في حالة استنفار قصوى تحَسُّبا لأية مخططات لاختطاف الثورة العربية ولأية أطماع امبريالية خارجية. أن أصدّق المقالة و الفيديو أم أن لا أصدق، و أن أصدق أنّ العملية العسكرية في ليبيا إنما هي تدخل إنساني أو استقواء ومحاولة استعمار، أم أن لا أصدّق، فالنتيجة ينبغي أن تكون واحدة: ما دمتُ أؤمن بأنّ  الله جل وعلا هو الذي يسّر الثورة وسيّرها وبارك لنا فيها، فلن يحبط مقالٌ أو فيديو أو تصريحٌ عزيمتي ولا عزائم الملايين من المؤمنين، إذ "وَيَمْكُروُنَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الماَكِرِينَ" (سورة الأنفال: 30) 

 ولن تُضعِف تلك المستندات، مهما كانت حقيقية، القرار بأنّ الثورة ستتواصل بحول الله وستكتب لها الاستدامة. لكن الذي أحرص على العناية به هو استخلاص العبرة من فحوى مثل هذه الأدبيات في مجال مواصلة الثورة واستدامتها، وفك رموزٍ مُتعلقة بالجانب الغامض في المسألة ومن عملية التشكيك في الثورة العربية.

كما أنه لا يهمّني كثيرا مَن عسى يكون المدبّر الحقيقي لخِطة اختطاف الثورة التونسية والعربية بقدر ما يشدّ اهتمامي رصدُ تداعيات هذه القضية على الساحة الوطنية والعربية لكي نخترع الحلول التي سنُجابهُ بها أي تدخل استخابراتي أو ذكائي أو إيديولوجي خارج عن الفضاء الوطني والقومي والإسلامي (4) ، دون أن ننسى تدعيم مكانتنا في الفضاء العالمي الذي أثبتنا جدارتنا بالإبحار فيه، حَبّ من حَبّ وكره من كره.

أمّا المسألة التي أقلقتني إلى حدّ الهوس، والتي هي اللغز: مسألة الإسلام السياسي في المجتمع المسلم بالذات كما قدمتُ أعلاه. لقد كنت دائما ضد فكرة الحزب السياسي الديني في المجتمع المسلم وها أننا، الآن وقد أصبح لنا حزب ذو خلفية دينية في تونس، بدأنا نتحمّل تداعيات هذا الاختيار. و ما يحدث الآن ينمّ عن وضع مستحدث يتّسم بالانقسام وبتوليد الانقسام منه. فالمراقب للساحة الإعلامية والفكرية (النخبوية والشعبية) يلاحظ سيطرة موضوع واحد على الأذهان ولو أنه يتجلى في صيغ مختلفة نذكر منها اثنين : "فصل الدين عن الدولة"؛ "اللائيكية/العَلمانية خيار المستقبل". و ينجرّ عن هذا الوضع السيئ تظاهراتٌ لا طائل من ورائها مثل ذلك النقاش البيزنطي الذي شهدتُ عليه  في وسط شوارع العاصمة في يوم الثلاثاء 22- مارس/آذار (2011).

 ومن العواقب الوخيمة (وهي تواصلية) لحضور الحزب السياسي ذي الخلفية الدينية على الساحة الفكرية والسياسية أنّ الحزب المعارض له أو الفكر المعارض له سوف يسعى إلى التملص من الدين تملصه من فكر الحزب الذي يمثل الدين ولو كان ذلك على حساب الهوية المجتمعية. و الأخطر أنه كلما أراد الحزب المعارض للحزب الديني نقدَ الحزب الديني إلاّ ووجد نفسه مُكرها على المساس بالدين وبالهوية، وذلك من جرّاء انقياده الطبيعي إلى المساس من عمل وبرامج الحزب الديني. 

إذن فالمسألة أعمق من أن تكون مشكلة حريات (حرية حزب في التواجد القانوني). وجود الحزب الديني يتقبله الآخر كتشكيك في الهوية أو يبعث الآخر ضمنيا على التشكيك في الهوية. وتكون النتيجة معاكسة تماما لما يريده الحزب الديني بالأساس: مصادرة الهوية بأن يلوذ الحزب الديني بالتعصب عوضا عن أن يمارس التعبير عن الشخصية والهوية. ويبرز الخطر على الميدان مباشرة، لمّا يكون التعبير، من باب أولى، ضروريا لإيجاد الحلول العاجلة للمشكلة الليبية الآن.

كما أنّ العكس صحيح أيضا، وهو الذي نشهده هذه الأسابيع، ويتمثل في أن يلوذ التيار  العَلماني بالتفكير المتحجر متسببا بذلك في مزيد من توليد التحجّر لدى التفكير التيار الديني المتحزب. وتكون النتيجة الميدانية سالبة أيضا: لا الإسلامي ولا العلماني سيساهم في صنع القرار الوقائي أو الإنقاذي بخصوص قضية مصيرية ذات بُعد آنٍ وعاجل مثل القضية الليبية. وما أحوجنا إلى القدرة على صنع القرار.

ما هو البعد الإيديولوجي المترتّب عن تواجد حزب ذي مرجعية دينية، وعن السماح له بالخوض في السياسة في المجتمع المسلم؟ الخطرُ مخاطرٌ، ولن ننتظر أشهرا لظهوره. فالسجال إسلام/علمانية الذي بدأ بعدُ لا يتّسم بالبراءة، حيثُ إنّ بمقتضاه قد تحوّل الحراك الفكري في هذا الشأن إلى مُشادة إيديولوجية حول أيهما أفضل الإسلام أم العلمانية. وهذا خطير إلى أبعد الحدود. ويبرز الضلال في مفاصل ثلاثة: أولا، في افتعال مشكلة اسمها الخلاف بين الإسلام والعلمانية. ثانيا، في أنّ انغراس المسألة في شكل مشكلة في أذهان العباد قد حوّلت المُعترك الفكري من محاولة لبناء إيديولوجيا مُنقذة من التخلف؛ وربما منقذة للشعب الليبي الشقيق وللشعب العربي بأكمله (وأُسمّي هذه الإيديولوجيا "الثقافة الوسيطة") إلى تكريس يومي للانقسام الإيديولوجي، بل إلى فبركة إيديولوجيا فاسدة تعتاش من التضارب المُفتعل بين الإسلام والعلمانية. ثالثا، وهو الجانب الأتعس، في أنّ غض النظر عن مثل هذه الطريقة الاعتباطية في قيادة الرأي العام في تونس (وأعتقد أنّ الوضع في مصر مشابه للوضع هنا، لكنه مطروح بصيغ مختلفة شيئا ما) قد تؤول إلى عراك وصراع مرير حول مادة الفصل الأول من الدستور والتي تنص بالخصوص على أنّ "تونس دولة مستقلة دينها الإسلام".

هنا ألخص بداية من الآخر: الفصل الأول من الدستور في وضعه الحالي (والذي لا أرى ضرورة في تنقيحه أو تبديله) متضاربٌ تماما، ولو بصفة ضمنية، مع قيام حزب ذي خلفية دينية في تونس. لأنّ قيام مثل هذا الحزب يعني، ضمنيا، أن تونس دولة علمانية. و أعتبر هذه النتيجة متناقضة من منظورين اثنين: أولا، كيف يمكن لحزب ذي خلفية دينية أن يدافع عن وجوده على تلك الشاكلة (الدينية) وفي نفس الوقت يرفض تبديل الفصل الأول من الدستور باتجاه تبنّي عبارة "دولة علمانية"، وكيف تريد إقناع التيار العلماني بضرورة التنازل على الضغط الذي يسلطه باتجاه تبديل الفصل الأول من الدستور بفضل تبنّي نفس العبارة؟ ثانيا، كيف سيفلح نشطاء وكوادر حزب حركة النهضة (وهو الحزب ذي المرجعية الدينية المرخص له)، مثلما هم فاعلون منذ عودة رموزهم إلى أرض الوطن و من خلال تصريحاتهم، في إقناع الرأي العام بانّ حزبهم ليس بالديني؟ وإن أفلحوا، فكيف سيقنعون مُتحزبيهم بأنّ حزبهم ليس بالديني من دون، إمّا أن يتوخوا الخطاب المزدوج، إمّا أن يضحوا بأناس انتظروا عشرات السنين لينشطوا سياسيا من منطلقات دينية؟ 

فالخطر المحدق يكمن في أنّ التمشي الحالي والموصوف أنفا قد ينتهي، لا قدر الله، إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة بشأنه، إلى حدّ التشكيك، لا سمح الله، في الإسلام كرافد محوري للثقافة والشخصية العربية الإسلامية، وإلى حدّ مصادرة التعبير عنه على أنه ليس مُرادفا للتقدّم الحضاري، ناهيك إدراجه كمحرّك محوري لتكميل الثورة المبتورة.

 وفي هذا البُعد بالذات، بُعد حق التعبير عن الثقافة والهوية والشخصية العربية الإسلامية على الساحة السياسية الإقليمية الحالية، وفي حيّز أوسع من الفضاء التقليدي، وأقصد الفضاء العالمي بأكمله، يمكن أن تُطرحَ، إن طُرِحت، مسألة المكائد والمؤامرات المدبّرة ضد الإسلام والمسلمين. وهنا تتوجب اليقظة والعناية والحيطة. وهنا يتوجب العمل الموجب، الكفيل بإتلاف أيّ عمل سالب يُحاك ضدنا. 

والمؤشرات عديدة على سقوط الرأي العام التونسي والعربي والإسلامي في فخ الانقسامات الإيديولوجية، وحتى المكائد الخارجية، مع انصراف العباد عن الشأن الضروري: لقد اضمحلّت، إن لم نقل، انقرضت، الفرص المتاحة للمسلم "الصامت"؛ المسلم المفكر والمسلم المتديّن والمسلم الباحث والمسلم المعلم والمسلم الفنان والمسلم الإعلامي والمسلم الرياضي وغيرهم، لكي يترجم إيمانه وثقافته في عمله وفي سلوكه بكل حرية وبكل روية وبكل مسؤولية.

وقد تكون المكيدة حاصلة، وذلك بالرغم من تأهّبنا لمجابهتها. وتبرز من المنظور التالي: إنك شاهد على مجتمع فيه الحزب السياسي الديني لا محالة، لكن يقابله انحسار رهيب، إن لم نقل غياب كلي، للوازع الثقافي الديني من الإنتاج الرمزي بشتى أصنافه، قد يكون ناتجا عن حالة من اختناق الوعي الديني، وما أسميه عموما "الاحتباس التواصلي". وقد يكون الكل ناجما عن حضور الحزب الإسلامي في المجتمع المسلم.  لِمَ يصلح إذن الحزب الديني؟ ولِمَ نشأ؟

هذان سؤالان لا يمكن الإجابة عنهما إلا بالعمل المنهجي. وهو عمل كفيل بأن يؤدي في نهاية المطاف إلى تحرير الفكر الديني الإنساني وتحرير الوعي من رواسب القهر والاستبداد وتحرير الثقافة من بطش اللاثقافة. والحلول العملية تتلخص في ما يلي:

أ. "انتزاع" مقومات الفكر الديني من عند الحزب الديني بكل روح "رياضية" لتوزيعها  بالقسطاس المستقيم وبالعدل والإنصاف على سائر الهيئات الفكرية والسياسية، إن دينية كانت أم لادينية،  ومنه على الناس كافة. ولا ضير في أن يكون الناس كافة معنيين بإعادة التوزيع. فالإسلام ثقافة بالنسبة للمجتمع وبالنسبة للعقل المجتمعي قبل أن يكون دينا. ومن واجب كل واحد منّا المحافظة على الثقافة وتوسيعها إلى حيث تبحر بنا التطلعات الثورية.

ويتم هذا الإجراء بمجرّد إدخال طريقة "تكريس الهوية أثناء إنجاز عمل" حيّز الفعل. وهذا يتطلب درجة عالية من النضج السياسي وسخاءً حاتميا من لدن الساهرين على الحزب ذي الخلفية الدينية لأنه يعني التنازل عن الرغبة في الوصول إلى الحكم المستند إلى الدين، لفائدة الرغبة في تسخير المدّ الديني لفائدة إرساء ثقافة التعبير عن الشخصية الفردية والجماعية، ومنه ثقافة الاختلاف و المنافسة الديمقراطية في مناخ الاختلاف. 

ولن يتوفر هذا الشرط إلا بتمتع المجتمع بأكمله بعقيدة مفادها أنّ السبيل الممتازة الكفيلة من جهة بتقوية الوازع الديني ومن جهة أخرى بالاستفادة من المحرك الديني أيّما استفادة في مسار النهوض الحضاري إنما هي سبيل المشاركاتية والتعاونية في كافة مجالات الحياة.

 وتتمّ المشاركة ويتمّ التعاون باعتماد الغايات والبرامج  المشتركة، لا الاستقواء بين الأطراف الفاعلة بعضهم على بعض وإقصاء بعضهم لبعض. وحقا لا يمهّد لثقافة الاختلاف وقبول الآخر إلاّ تداول الدين بين الأطراف كافة بالعدل والقسطاس المستقيم. 

ب. لمّا كان الإسلام دين المجتمع، ومن باب أولى ثقافة المجتمع، فلا بدّ أن يتمّ التخاطب الديني، ومن باب أولى التخاطب الثقافي العام بين الفرد والحزب السياسي والمجتمع كافة في ما بينهم، لا بين الحزب والدولة كما تريد أطراف عديدة حمل المجتمع على الاعتقاد به في الوقت الراهن. فالدولة حامية للدين فحسب. لا هي من المفترض أن تكرّسه ولا أن تقصيه. فيكفي أن نشمر على ساعد الجدّ لتجسيد هذه النظرة الطبيعية، في الواقع، لكي تذوب مقولات مزيفة ومفبركة مثل "فصل الدين عن الدولة" و"علمانية الدولة".

 وفي هذا السياق، هل تجوز المطالبة بأن يُفصل المفصول؟ طبعا لا يمكن أن نفهم أحقية المطالبة بفصل المفصول إلاّ في صورة انفصال العقل عن الواقع، وهو الحاصل الآن والمؤمّل تصحيحه. وانفصال العقل عن الواقع حالة مرَضية تستوجبُ معالجتُها إعادة دمج الديني بالسياسي، قطرة قطرة، وعبر الأطر الثقافية، لكي يستعيد المجتمع تديّنه الطبيعي.

إجمالا يمكن القول إنه ليس من مصلحة تونس ولا أي بلد عربي إسلامي آخر التعامل مع أي حزب من المنظور الضيّق والإقصائي، منظور المرجعية الدينية. كما أنه من الغريب أن يحرص الحزب الديني على هويته فقط بشكل هلامي مع تفريطه في البُعد الحقيقي الذي تأسس من أجله: تكريس حرية التعبير عن هذه الهوية من خلال مخططات وبرامج عملية. 

أمّا بخصوص البرامج الكفيلة بتكريس التعبير الحر، هل هنالك موضوع الآن يحض التخطيط الفوري والبرمجية الصحيحة أكثر من موضوع التصدّي للتدخل متعدد الأبعاد في شؤون الشعب العربي الليبي ومنه في مصير الشعب العربي الإسلامي عالميّ الأبعاد؟ 

فالآن وقد تخلص مجتمعنا التونسي وكذلك المجتمع المصري من عقدة الحلول الأمنية، لقد حان الوقت للبتّ في لقضايا عادلة ومصيرية مثل قضية حرية التعبير، بل في محاور "فيمَ نعبّر" و "عمّ نعبّر" و"كيف نُعبّر". واللهَ أسأل أن يهدي كل الأطراف المعنية بهذه الإشكالية لكي يفسحوا المجال لعقولهم بأن تُصمّم لهم الزمن الحضاري لحظة بلحظة، انطلاقا من كل بقعة في الوطن ( والوطن الليبي في صدارة قائمة البقاع و الاهتمامات)، ومروا بكل بقعة في العالم وانتهاءً إلى ما تتعلق به همّة صاحب العقل. 

محمد الحمّار

الاجتهاد الجديد 

المراجع:

(1) مقالتي بعنوان " علّم المسلمين دينهم أثناء إنجازهم لعمل"، موقع "النور" بتاريخ 27-7-2010.

http://www.alnoor.se/article.asp?id=85010

(2) باللغة الفرنسية

http://www.voltairenet.org/article168223.html

 (3) " الثورات العربية..."، باللغة العربية

 

http://www.youtube.com/watch?v=cJeXgT_Xn8o

 

هنالك أيضا فيديو ممتازة (بالفرنسية) في نفس السياق  تشتمل على حديث أبدع فيه الإعلامي البلجيكي ميشال كولون بعنوان " التدخل في ليبيا؛ الكذب الإعلامي".

 Michel Collon, Intervention en Libye / Médiamensonges

http://www.youtube.com/watch?v=5neoQYLtKy4    

 (4) دراسة قيّمة لسمير عُبيد بعنوان" التشابه بين ليبيا وسوريا وإيران يغري واشنطن بالمغامرة في ليبيا"، موقع "ميدل ايست أونلاين بتاريخ  23-3-2011.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/29



كتابة تعليق لموضوع : الأحزاب الإسلامية اختراع امبريالي لتلهية تونس ومصر عن غزو ليبيا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net