الشيعة ، محاولة للفهم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أحمد الحباسى تونس هناك حملة متنوعة
لأهداف و المقاصد ضد الشيعة ، و هناك من يحرض و يمول هذه الحملات المتتالية في الإعلام العربي ، و هناك “مؤسسات” فكرية قذرة تنتصب في الخليج لمعاداة و شيطنة الشيعة ، هذا الأمر لم يعد يحتاج إلى أدلة أو بيان ، مرتكزات هذه الحرب الإعلامية الضروس معلومة و مكررة و لا تصلح ، لكن الكثير يعملون عليها بدافع خدمة العدو الصهيوني و مآربه في المنطقة العربية ، أو بدافع الانتصار إلى الفريق السني بدعوى وجود خطر تمدد شيعي يسعى إلى الاستنقاص من “هيبته” و من تواجده الوجداني في النفوس ، قضية مفتعلة و لا تستقيم ، و مبررات لم تعد تلقى رواجا لدى الفكر العربي الباحث عن الموضوعية و الوسطية في كل شيء ، لكن هؤلاء لا يتوقفون ليس من باب القناعة بصحة أفكارهم و “معتقداتهم” أو لإحساسهم المرهف بوجود خطر يلامس السنة ، بل من باب تنفيذ متطلبات المرحلة ، و المرحلة هي هذه الرغبة الأمريكية الصهيونية في نشر ما يسمى بالفوضى الخلاقة.
 
الغرب عموما لا يعلم كثيرا عن الشيعة ، و هو ينقل ما يكتب عنهم على لسان أقلام السنة ، بطبيعة الحال هناك حالة من الميز العنصري داخل العقول السنية تجاه الشيعة هي التي تفرز حالة الكراهية و تدفع بعض الأنظمة الخليجية إلى حالة من الهيجان ضد الوجود الشيعي ، هذا الهيجان النظامي و الشعبي هو ما يفسر هذا التمييز السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي الذي يمارس علنا و قصدا ضد الشيعة في السعودية و البحرين على وجه الخصوص ، ورغم أن الإحصائيات نادرة في هذا المجال ، فانه من الثابت أن الشيعة لا يحتلون مراكز متقدمة في سلم الوظائف و لا “ينعمون” بثقة الحكام الخليجيين لاحتلال مناصب وزارية أو سياسية كبيرة في هذه الدول رغم كفاءتهم و انضباطهم ، بل أن عدم وجود أسماء في هيئة كبار علماء الدين أو ما يسمى بالمؤسسة الدينية يطرح علامات استفهام كثيرة .
 
من يجرؤ على الكلام حول الشيعة ؟ من يدافع عن الشيعة ؟ من يطرح النقاش الهادئ الرصين حول هذا الموضوع الساخن ؟ من يتحمل هذا الكم الهائل من ساقط الكلام عندما يبحث في الشأن الشيعي السني ؟ …بطبيعة الحال ، هناك من فرض هذا التسلط الفكري على السنة حتى يتحاشون الحديث عن الشيعة إلا بلغة الإسفاف الجدلي العقيم ، و هناك عقول سنية هدفها التخريب المذهبي و العقائدي و هي التي تقوم بالفعل التكفيري الشائن ضد الشيعة بداع واهم بوجود خطر قادم ، بل لنقل بكل صراحة أن المتابع لا يجد ما يحول و توجيه العتب و اللوم على أولئك السياسيين الذين أعمتهم الحسابات الفكرية و السياسية الانتهازية الشخصية عن محاولة إتاحة الفرصة الكاملة لحوار “الحضارات” بين السنة و الشيعة قبل النظر في حوار الحضارات بين الإسلام و بقية الأديان ، توجيه العتب على هذه الأقلام المريضة بالصهيونية التي سولت لنفسها التلفظ القبيح بكون توجيه السهام ضد الشيعة أهم من مواجهة الخطر الصهيوني .
 
من حق الشيعة أن ينتصروا لثقافتهم و لخطهم ، كما الحال بالنسبة للسنة ، المسألة ليست مسألة قبول من هذا الحاكم أو هذه المؤسسة الدينية أو رفض ، المسألة أعمق لأنها مسألة انتشار فكرة و مذهب و رؤية إنسانية، و مصادرة العقول غير ممكنة الآن في ظل هذا الفضاء الافتراضي العريض ، لنترك العقل و التمييز و الثقافة و حرية التفكير يشتغلون دون قيد أو شرط ، بالنتيجة الحرية هي حرية اختيار و قناعات شخصية و لا تملك المؤسسة الدينية الخليجية المتلهية بمناهجها التعليمية التكفيرية الإرهابية التي تصنع الإرهاب و تصدره أن تكون الوصية الحصرية على حرية الاختيار الشخصي ، و ما لم تقدر عليه الجاهلية الفكرية في القديم من معاداة نشر الإسلام لن تقدر عليه المؤسسة الدينية الخليجية من معاداة الفكر الشيعي طالما أنها بقيت متمسكة بنفس القوالب الفكرية المحنطة الجاهزة.
 
يجتر السنة نفس القوالب و الاتهامات الجاهزة ، و يصطنع بعض ألسنة السوء حالة من العداء بعلة إهانة الشيعة لبعض رموز الإسلام ، و مع أن هذه التهم لم تثبت بالدليل القاطع ، و مع أن هذه التهم المفبركة لا يمكن على فرض التسليم بصحتها أن تصلح سببا و داعيا منطقيا لمعاداة الشيعة و كان من الأفضل ترك الأمر لأصحاب الأمر من العلماء المتزنين الفقهاء حتى نتبين الخيط الأبيض من الأسود ثم نحكم على الأمور بكامل الروية و الاتزان ، فمثل هذه الأخطاء إن تمت لا تعالج بالقطيعة و السباب أو بما يكتبه البعض من سيل العبارات الخارجة عن السياق بل بكثير من التوعية و العقلانية حتى يستفيق المخطئ و يدرك أن هذا الدين هو قيمة مشتركة لا يجوز لأي طرف مهما كان و تحت أي ظرف أن يقفز على رموزه أو يساهم في خلف بلبلة جدلية لا تنفع بل من الممكن أن تعطى لبعض الخوارج من العرب و العجم فرصا متعددة للتصويب على الإسلام و على رموز الإسلام .
من الثابت أن إيران تعادى الولايات المتحدة الأمريكية ، و من الثابت أن هذا العداء له جذور و أسباب أهمها إسناد الإدارة الأمريكية لحكم الشاه للوقوف في وجه الثورة ، بطبيعة الحال سقوط الشاه مثل ضربة للمصالح الأمريكية الصهيونية في المنطقة العربية ، و اعتبارا إلى أن هذه الإدارة هي من تحمى العروش الخليجية الآيلة للسقوط و الملتصقة في خدمة المشاريع الأمريكية فقد بات واضحا أن من يذكى نار الخلاف و الكراهية لا يقصد الانتصار للرموز الإسلامية بقدر الانتصار لرموز الهيمنة الأمريكية الصهيونية في المنطقة بدليل أن هذه الدول لم تحرك ساكنا عند تعرض بعض الأقلام المسيئة بالرسوم إلى الرموز الدينية الإسلامية .
 
بقياس الزمن حققت الثورة الإيرانية انتصارات معبرة و مهمة في كل المجالات ، العسكرية ، الاقتصادية ، العلمية ، بعكس ما حصل في كل الدول العربية مجتمعة في نفس الفترة ، هل هذا الأمر محض صدفة ، و هل أن هذا الأمر لا يمثل حافزا لمعرفة ما يدور داخل البيت الإيراني ، أم هل أن أهل النفط و التسلط السياسي و الديني على القرار العربي في دول الخليج لا يهمهم هذا التقدم و هذه القفزة الصاروخية نحو الفضاء العلمي و ما يهمهم فقط هو هذا الدور المسرحي المناكف ، بقياس المصلحة السياسية ، نذكر بمذكرة صادرة عن عدد مهم من شيوخ الشيعة في المملكة السعودية سنة 2003 مقدمة للملك عبد الله (ولى العهد في تلك الفترة ) بعنوان “شركاء في الوطن ” للمطالبة بحقوقهم المدنية كمواطنين و التوقف عن كل الحملات المغرضة ضدهم باعتبارهم أقليات، من المعيب أن يفكر خادم الحرمين الملك عبد الله في حوار الحضارات مع ” الخارج” ، أن يفكر في مد الجسور مع الصهاينة صلب ما يسمى بمبادرة الملك عبد الله للسلام المطروحة في قمة بيروت الشهيرة ، دون أن يطرح نفس الفكرة للحوار مع جزء من الشعب السعودي ، نطرح السؤال ، مع أن الحقائق تغنى عن السؤال .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/05/23



كتابة تعليق لموضوع : الشيعة ، محاولة للفهم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net