متى نؤمن بالوحدة الوطنية بصورة حقيقية ..

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 شعارات نرددها وتردهها وسائل الإعلام عن الوحدة الوطنية من أمثال لا للطائفية لا للعنصرية لا للعشائرية  لكن الحقيقة تثبت عكس ذلك فلقد تسللت ثقافات وتربيات مرفوضة الى السلوك المجتمعي العراقي وتسببت بكوارث أخلاقية ودموية تخفي ورائَها انقساما قبيحاً وتشَرذماً مُرعِباً بَين شَرائح الشَعب العراقي المُختلفة. فهي للأسَف عاجزة عَن أن تحفظ أرواح مَن يَرفعونها ويُردّدونها مِمّن يَسقطون يَومياً ضَحية لنقيضها مِن الشِعارات الطائِفية، كما إنها في الحقيقة باتت لا تساوي على أرض الـواقع اليومي البائِس الذي يَعيشه العراقيون حَتى ثمَن الحِبر الذي تكتب به، بل ولم تعُد تصلح حتى للاستهلاك المحلي،شِعارات دِعائية كذبتها أنهُر مِن الدماء الزكية والأرواح البَريئة التي قتلت وهُجِّرَت على الهوية المَذهبية والدينية. شِعارات خيالية تتحَدّث عَن وحدة مُفترضة غير موجودة بَين كتل بَشرية لا تدين بالوَلاء لوَطنها، بل لطوائفها المَذهبية والعِرقية والدينية، ولأمَراء حَربها الذين باتوا يَحكمون العراق باسم هذه الطوائف وبحُجة الدفاع عَنها وعَن أبنائِها. يَتحَدّثون عَن الوحدة الوطنية وعِندما يَأتي وقت الانتخابات تنتخِب الغالبية القوائم التي تدّعي تمثيل طوائِفها وقومِيّاتها، حَتى إن لم تكن مُقتنِعة بمُرَشّحيها ولا مُرتاحة لتوجّهاتهم ولا عِلم لها ببَرامِجهم، لا لشَيء سوى إنها تدّعي تمثيلها والمُطالبة بحُقوقها التي لم يَنتزعها مِنها أحَد يوماً. ويَتحَدّثون عَن الوحدة الوطنية وأغلب مُدُن العراق باتَت تخشى بَعضَها البَعض ومُغلقة على لون طائفي واحِد مِن الناس، ومُحاطة بأسوار تحميها مِن بَعضها وتفصُلها عَن بَعضها وتراقِب الداخل لها والخارج مِنها. لم يَعد يَنقص سِوى إصدار فيزا، بَعد أن كان العراقي يَتنقل ويَعمل ويَسكن في جَميع أرجاء وطنه أينَما وكيفما يَشاء، وكان السُني جاراً للشيعي، والمَسيحي صَديقاً للمُسلم بالجامعة، والعَربي زميلاً للكردي بالعَمل. وحدة المُجتمَع تحتاج الى شُعور أبنائه بالمُواطنة التي تبَيّن بأنها مَفقودة الآن لدى غالبية العراقيين، أو رُبما وهو الأصَح لم توجد لدى غالبية أبنائه أصلاً، وما ظهَر مِن ولاءات طائفية وعِرقية خلال السَنوات الأخيرة لم يَكن جَديداً ولم يَظهر فجأة بسَبَب الظروف وبفِعل الأحزاب التي جاءت بَعد 2003 كما يَدّعي البَعض، بَل كان مَوجوداً ومَكبوتاً كنار تحت رَماد الآدولوجيات اليَسارية الأمَمية والقومية الإقليمية التي طغَت على مَفاهيم القرن العشرين، وأجهضت مَشاريع بناء وتأسيس الدول الوطنية، فكانت تُهاجِم وتسَقِّط وتُخَوّن مَن يَتحَدّث بقيَم ومَفاهيم المُواطنة وتسَفِّهها، ولم تسمَح بتبَلـور الشُعور الوطني في وجـدان غالبية أبناء الشَعب العراقي، الذي أعادَته تداعِيات مابَعد2003 الى حقيقته المُنقسِمة المُرتبكة التي يَرفض الكثيرون الإعتراف بها حَتى اللحظة، رَغم أنها باتت ساطِعة كسُطوع الشمس في وَضح النَهار. فلو كانت هذه الوحدة الوطنية مَوجودة على أرض الواقع، ولو كانت لها قاعِدتها المُتغلغلة في نفوس العراقيين لما رَفعوا شِعاراتها، بَل لرَأيناها مُتجَسِّدة قولاً وفعلاً بتصَرّفاتِهم ومُمارَساتِهم وأوضاع بَلدِهِم. ففاقد الشيء مُنجذِب إليه، وما ترديد العِراقيين لهذه الشِعارات إلا تأكيد لفقدانِهم لمَعانيها ولروحِيّتها في دَواخِلهم وفيما بَينهُم.

قد يُنَظِّر البَعض ويقول بأن ما نراه إنقِساماً في الشَعب العِراقي هو في الحَقيقة تنَوّع وفسَيفِساء، وسَنجيبُه بالقول أن المُجتمَع المُتنوّع الانتماءات هو ذلك المُجتمَع الذي تختار شرائِحه المُختلفة العَيش سَويّة طواعِية دون ضُغوط، وليسَ المُجتمَع الذي تجبَر شَرائِحه على العَيش سَويّة، وعِند أول انفلات أو فرصة للحُرية تعطى لها تبدأ بقتل وتهجير  بعضها يغضا وحقدا وكرها ..
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/06/06



كتابة تعليق لموضوع : متى نؤمن بالوحدة الوطنية بصورة حقيقية ..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net