صفحة الكاتب : حسام الدين جودت

رواية هولير حبيبتي اكتشاف مدينة هولير من خلال القراءة
حسام الدين جودت

قارئ هذا الرواية لايحظى بمتعة قراءتها فحسب ، بل تمنحه متعة اكتشاف جماليات هذه المدينة سواء بالنسبة للذي يخبرها ويعيش فيها ، فيتعرف على ما لم يكن يعرف ، وتفتح عينيه على ما لم يكن يرى في مدينة الروح السرمدية هذه ، أو بالنسبة إلى الذي لايعرفها ، فهي -  القراءة -  تسحره كي يشدّ الرحال إلى رؤيتها ، وكأن الرواية تقول بأن الذي يرى هولير ، فإنه رأى العالم ، وأن الذي لم ير هولير ، كأنه لم ير العالم .
إن قراءة الرواية تمضي بكل قوة لترسيخ هذه المشاعر لدى قارئها .
   
        في متن القراءة

تصور الرواية واقعة نزوح الأخوة الكرد من سورية إلى إقليم كردستان ، وتوثق روائياً لهذه الحقبة التاريخية .
لقد احتضنت هولير منذ القدم علماء وشخصيات سياسية ، وقد قام ابن المستوفي بذكر كل مَن حط رحاله في هولير وأقام في ربوعها ، وأسمى سفره بتاريخ أربيل  ، وقد وقع هذا السفرفي أربع مجلدات فقد منها الأول والثاني ، وحقق الثالث والرابع أحد رجالات القنصل العراقي في لندن ، وليس بدعاً أن يقوم الروائي الكردي عبد الباقي يوسف بتدوين رحلته الاجبارية والقهرية إلى هولير ويذكر مشاعره الجياشة تجاه هذه المدينة المعطاء والتي يصفها بـ (مدينة عروسة الأمل ) ، وهذه شهادة نعتز نحن أهل هولير بها لأنها صادرة من أخوة لنا أحسوا  بالود والوداد عندما استنشقوا من عبير هولير وشربوا من مائها الصافي ولبنها وعسلها وذاقوا طعم بركات  هولير .
يقول : ( من جنبات هولير يفوح عطر التاريخ، كلهم ذهبوا، وبقيت هولير، تزداد ألقاً، تكتمل جمالاً حاضنة أمينة لأبنائها الكورد، وقد لبثوا متشبثين بها، ولبثت متشبثة بهم في سفينة يمّ التاريخ.
يشعر أحياناً بأنه في منتزه كبير على سرير هولير التي تتوسط الزاب الأعلى، والزاب الأسفل، بحيث يكون شرقها أعلى من غربها، وشمالها أعلى من جنوبها) .

هكذا كانت هولير محط أنظار الملوك والأباطرة لأن فيها شيئاً جذاباً يجذب إليها كل من يود أن يعانق ويتسامر في هولير
ولأنها عشتار أربيلة ، فإنها تفتح ذراعيها للآخرين قائلة : هلموا إلى مدينة الحلم الأزلية  ،  إلى هولير .
ما أجمل الحياة في أفياء هولير وظلالها
تقول هولير : أنا هولير..
ملكة ملوك الأرض..
 أميرة الأمراء..
 سيدة السادة..
سلطانة السلاطين..
جوهرة المعمورة النفيسة..
أنا هولير..
لا أحب الضعفاء، المهزومين، المستسلمين، الواهنين..
أحب أن يقاتل أبنائي من أجلي كما قاتل ملوك وجبابرة الأرض من أجل شعرة في رأسي..
أنا هولير، سيدة أمجاد حفدتي.

يصور الكاتب لحظات خروج بطل الرواية مع عائلته للخلاص من قهر وظلم وتعسف النظام الجاثم والغاشم في سورية لقد رحلوا وارتحلوا من سورية بدون أن يلوحوا أكفهم بوداع أحد ، دون أن يلوّح أحد كفه لوداعهم .
خرجوا بسرية وخلسة عن أنظار المراقبين وعيون الحاكم المنتشرين هنا وهناك .
إنها الهجرة ، أو الاخراج القسري إلى مدينة المدن وعروسة المدائن هولير
مضوا على عجل حاملين أمتعتهم صوب المعسكر الذي سيقوم بأخذهم إلى بوابة المنفذ صوب الإقليم الكردي إقليم كردستان ، بل صوب عاصمته هولير ومع كل لحظة يعتريه شعور بانه يبتعد  عن رائحة المكان الذي أمضى عمره فيه ، المكان الذي أحبه وتعلق به إلى مكان .
كان الطقس صقيعياً، وكان عليها أن تلبس الأطفال ثياباً شتوية دافئة، وهم يتجهون إلى مدار مصير مبهم كل الاحتمالات فيه ممكنة، تاركين دياراً لم تعد فيها الحياة ممكنة.
كانت صبيحة يوم جمعة، حركة السير فيه بطيئة، بسبب العطلة الرسمية والشعبية من جهة، وبسبب كثافة المظاهرات التي تنطلق من المساجد من جهة أخرى.
فتح الباب، وخرج يهرول على عجل حتى بلغ الطريق العام، أحضر سيارة أجرة وعلى جناح السرعة أصبحوا جميعاً مع الحقيبتين في السيارة التي اتجهت بهم إلى حيث الكراج الذي تنطلق منه الباصات إلى «قامشلو».
ابتعدوا عن البيت دون أن يراهم أحد، دون أن يلوحوا أكفهم بوداع أحد، دون أن يلوح أحد كفه لوداعهم.
كان الترتيب أن يحافظوا على سرية خروجهم، ولا يتركوا إشارة يمكن أن تجعل أحداً يشك بخروجهم من البلاد مهما كان مقرّباً، لذلك كان الوداع من طرف واحد، حيث قاما بزيارة بعض المقربين، وأمضت يوماً باتت فيه مع الأولاد عند أهلها، وذهب بدوره إلى القرية يودع أهله.
كأنهم غرباء في هذه الديار، لا أحد لهم فيها، كأنهم اقترفوا جريمة ويبتغون التواري عن الأنظار قبل أن يكشف أمرهم أحد.
عندئذ لم تملك زوجته نفسها فقالت له: حتى الغريب الذي يقيم أسبوعاً واحداً في ركن، يرى مَن يتبادل معه تلويحة كفّ الوداع عندما يترك المكان.
حينما وصل الباص كراج «قامشلو» راوده إحساس أنه خطا خطوة حقيقية نحو الخروج، وأن تلك الديار بكل ما تحمل من عبق الذكريات بدأت تبتعد خطوة إثر خطوة.
عند نزولهم، مضوا على عجل حاملين أمتعتهم صوب المكرو الذي سيقوم بأخذهم إلى بوابة المنفذ.
كان المكرو واقفاً بانتظار أن يمتلئ بالركاب الذين ينزحون من ديارهم صوب الإقليم الكوردي.
بعد صعودهم بقليل، اكتظ بالركاب، واتجه على الفور يشق الطريق المؤدي إلى «ديركا حمكو».
مع كل لحظة يعتريه شعور بأنه يبتعد عن رائحة المكان الذي أمضى عمره فيه، المكان الذي أحبه وتعلق به، ويتفوّح برائحة ذكريات سنوات الطفولة، واليفاعة، والتكوين، سنوات العمل والكفاح، واكتشاف مشاق وملذات الحياة..
إلى مكان لايعرف فيه شيئاً، مكان يدخله أول مرة، أناساً يلتقيهم للوهلة الأولى، هكذا حتى السفر يأخذ طعم المرارة عندما يرى المرء نفسه مضطراً إليه، عندما يخرج من بيته بحسرة البقاء فيه، وكأن أيادٍ شبحيةٍ تجرجره بالقوة من رائحته.

في هولير يلتقي بأناس يراهم للوهلة الأولى لكن هذا الشعور يعتري كل من لم يعش في هولير ولم يلمس تراب هولير أما الذي يقترب من هولير، فسوف يمتلئ حبا لها وولعا وصبابة ، وإذا ما دب على أرضها الطاهرة ، فسوف تعانقه بل تضمه بين ذراعيها وتضلله بضلالها .
وهكذا فإننا نبلغ مع انتهاء قراءة هذه الرواية بأن العيش في هولير نعمة حقيقية لايعرف طعمها إلا من ذاقها .


      عن جريدة التآخي البغدادية
       http://www.altaakhipress.com/viewart.php?art=51454#pagebegin



 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسام الدين جودت
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/06/20



كتابة تعليق لموضوع : رواية هولير حبيبتي اكتشاف مدينة هولير من خلال القراءة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net